بلومبرغ
تزداد أزمة الاختناق والتكدُّس في الموانئ العالمية تدهوراً، مع تفاقم أزمة العرض الناجمة عن انتشار جائحة كورونا، مهددةً بإفساد حركة التسوُّق في موسم الإجازات، وتآكل أرباح الشركات، وزيادة أسعار المستهلك.
يكشف "مؤشر بلومبرغ لازدحام الموانئ" أنَّ إعصاراً في آسيا أسفر عن أسبوع قاسٍ في حركة الشحن خلال عام كان قد شهد تحديات عديدة، من بينها تعطُّل سفينة في قناة السويس، و عشرات العواصف الكبرى، وتكرار عمليات الإغلاق المرتبطة بسبب كوفيد التي أحدثت فوضى في مراكز التصنيع الرئيسية في الصين وفيتنام، ونقص سائقي "اللواري"، وعمال الموانئ، وسط انتعاش الطلب الاستهلاكي.
عاصفة هونغ كونغ
كشفت الأرقام يوم الجمعة الماضي أنَّ 107 سفن حاويات على الأقل كانت تنتظر بالقرب من ميناء هونغ كونغ، و ميناء شينغن أيضاً.
وتدهورت حالة الزحام أكثر عندما اجتاحت عاصفة مقاطعة "هونغ كونغ" في منتصف الأسبوع، مما أدى إلى إغلاق البورصة، وتعطيل حركة الموانئ فيها. وعالمياً؛ ووفقاً لحسابات "آر بي سي كابيتال ماركتس" تشهد 77% من الموانئ قضاء فترات طويلة غير طبيعية في مرور السفن.
لن تقتصر آخر مشكلة ازدحام في الموانئ على آسيا مدة طويلة؛ إذ إنَّ السفن المتأخرة والمحمَّلة بالبضائع تبدأ بعد ذلك على الفور في الإبحار إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
وكما كشفت الأزمة الكبرى لعام 2021 بصورة متكررة؛ عندما يحدث اختناق في حركة السفن في أحد أركان العالم، تتفاقم مشكلة الزحام والتكدُّس في النهاية، أو تتسبَّب في نقص شديد في السلع في ركن آخر.
تكدُّس السفن
حتى إذا انحسرت أزمة قطاع الشحن في الصين؛ يؤكِّد جوده ليفاين، رئيس البحوث لدى شركة "فريتوس دوت كوم" – وهي منصة للشحن عبر الإنترنت –أنَّ ذلك "قد يعني زيادة جديدة في أعداد السفن التي تصل إلى موانئ مزدحمة مثل ميناء لوس أنجلوس، و ميناء لونج بيتش، مما ينقل التكدس إلى موانئ الوصول".
طالب الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي ميناء لوس أنجلوس بالعمل 24 ساعة عبر 7 أيام في الأسبوع.
في المملكة المتحدة، كانت الحاويات الممتلئة بالبضائع، والحاويات الفارغة المتجهة للخارج تتراكم فوق بعضها في ميناء "فليكستوي"، المهم في الأمر أنَّ سفينة حاويات واحدة على الأقل، اضطرت أيضاً إلى نقل شحنتها عبر طرق أخرى في موانئ أوروبية داخلية.
ضربة لموسم العطلات
كل ذلك يتسبَّب في مشكلات للاقتصاد العالمي. وتزداد المخاوف فعلاً من أنَّ المستهلكين الذين سيخرجون للتسوُّق في موسم العطلات لن يستطيعوا شراء الهدايا التي يريدونها، مما يوجه ضربة لقطاع تجارة التجزئة.
تخشى الشركات على الحدود الدنيا لأرباحها، وقد ذكر رؤساء شركات، مثل: "تسلا"، و"تارغت"، و شركات أخرى مدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" مشكلة "سلاسل التوريد" 3000 مرة خلال خطاباتهم للمستثمرين يوم الثلاثاء الماضي. علاوةً على ذلك؛ فإنَّ نقص البضائع، وارتفاع تكاليف الشحن سيؤديان إلى زيادة أخرى في الضغوط على مستوى التضخم الذي يرتفع فعلاً.
في تقرير للعملاء يوم الخميس الماضي، قال مايكل هانسون، خبير أول الاقتصاد العالمي لدى بنك "جيه بي مورغان": "تشير الأرقام المتعلِّقة بتكاليف الشحن، وإنتاجية سفن الحاويات، وطاقة النقل المستغلة كلها إلى وقوع أزمة في جانب العرض بالنسبة للاقتصاد العالمي".
طوابير السفن
كانت صفوف السفن المحيطة بميناء هونغ كونغ، وميناء شينغن أيضاً يوم الجمعة الماضي؛ هي الأكبر على الإطلاق وفق ما رصدته "بلومبرغ نيوز" منذ أن بدأت بمتابعة هذه المنطقة في أبريل الماضي.
وتتجاوز الأرقام الحالية أعلى مستوى وصلته في شهر مايو الماضي عندما سقط ميناء "لانتين" في مقاطعة شينغن في قبضة وباء كوفيد-19.
أثَّرت الأزمات الناتجة عن العاصفة في المنطقة ككل حتى سنغافورة، التي تعتبر نقطة تقاطع تجارة الترانزيت السلعية بين الشرق والغرب.
ووصل عدد سفن الحاويات المنتظرة على مقربة من هذا الميناء إلى أعلى مستوى منذ 21 يوليو الماضي، عندما اجتاحت عاصفة أخرى هي "تايفون إن فا" مقاطعة شنغهاي، إلى الشمال من هونغ كونغ.
اختبرت العواصف في آسيا البنية الأساسية للموانئ في الولايات المتحدة التي تتعرَّض فعلاً لضغوط شديدة، ويمتد تأثيرها حالياً إلى الخدمات اللوجستية على الأرض، مثل النقل بـ"اللواري"، والسكك الحديدية، وخدمات التخزين.
الولايات المتحدة الأكثر ازدحاماً
وتكشف البيانات الحديثة أنَّ موانئ الولايات المتحدة هي أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم، وفيها أعلى معدلات التكدُّس.
بلغ عدد السفن المنتظرة قرب ميناء سافاناه بولاية جورجيا على الساحل الشرقي 25 سفينة مقابل 6 فقط داخل الميناء في مساء يوم الخميس، مما جعلها تتصدَّر جميع الموانئ الكبرى في معدل التكدُّس الذي بلغ 81%.
وعلى الساحل الغربي؛ بلغ معدل التكدُّس المجمَّع لميناء لوس أنجلوس، المجاور لميناء لونغ بيتش، 56% يوم الجمعة الماضي، إذ تجاوز عدد السفن المنتظرة قرب المكانين عدد السفن بداخلهما.
في أوروبا، يبلغ معدل التكدُّس في موانئ روتردام وأنتويرب نحو نصف مستوى الميناءين الأمريكيين.
تعاني هذه الموانئ من فائض أعداد السفن، لأنَّها تقع على تقاطعات التجارة العالمية، حيث يجري تحويل التجارة القادمة عبر المحيطات إلى نوع أو آخر من طرق النقل البرية.
ذروة حركة التجارة
وتصطدم العقبات التي تواجه العرض مع موجة الصعود في الطلب، حيث موسم الذروة بالنسبة لتجار التجزئة الذين يسعون إلى تكوين المخزون استعداداً لانطلاق حركة التسوُّق قبل فترة الإجازات.
إنَّ مشتريات المستهلكين السلعية ماتزال قوية في الاقتصادات المتقدِّمة، في حين أدى نقص الأيدي العاملة إلى الضغط على حركة نقل البضائع بـ"اللواري"، والسكك الحديدية، والخطوط الملاحية إلى الحدود القصوى، مما أدى إلى زحام وتكدُّس الحاويات على الطرق بين مواقع الشحن والتحميل في المصانع، وأرفف متاجر التجزئة.
قامت شركة نقل البضائع "فليكسبورت"، ومقرّها في سان فرانسيسكو، بتطوير مؤشر يساعدها على توقُّع توقيت عودة نسبة المشتريات للمستهلكين الأمريكيين من السلع مقابل مشترياتهم من الخدمات إلى مستويات ما قبل جائحة كوفيد.
ووفقاً لآخر قراءة لهذا المؤشر يوم الجمعة الماضي، لا توجد أي إشارة حتى الآن إلى تحسن الأوضاع، لذا؛ فإنَّ الضغوط على سلاسل التوريد ستستمر على الأقل حتى نهاية العام كما تقول شركة "فليكسبورت".
يقول سايمون هيني، مدير أول بحوث النقل بالحاويات لدى شركة "دريوري" في لندن: "إنَّ ازدحام الموانئ، ونقص المعدَّات، وارتفاع تكاليف النقل بالحاويات إلى حدود قصوى تمثِّل أعراض مشكلة أعمق؛ تشمل أزمة النقل بـ"اللواري"، ونقص مساحات التخزين. فقد أدى فيروس كورونا إلى توتر كل حلقات السلسلة، وهذه المشكلات تستغرق وقتاً في حلِّها، إذ لا توجد طاقة إنتاجية مستترة تعمل بمجرد فتح الصنبور".