الأنباء السيئة هي أن مشكلات سلاسل التوريد وخطورتها حول عالم، مستمرة، وجاءت أكثر مما كان متوقعا في وقت سابق. والأنباء الأسوأ، هي أن هذا الأمر لا يقتصر على سبب واحد، وبذلك لا يوجد علاج واضح. أما الأنباء الأكثر سوءاً، فهي أنه ما من أحد يمكنه أن يعرف بالفعل، متى سيتحسن الموقف.
بالنسبة إلى الأنباء الجيدة؟ على الأقل، بات من الممكن تجميع أجزاء من القصة حول طريقة حدوث كل ذلك.
الأكثر أهمية من ذلك، أن بعض المراكز الحيوية والهامة في الاقتصاد العالمي، ربما تتعرض لمزيج مكون من "وباء كوفيد"، و"سوء الحظ"، خصوصاً في ما يتعلق بالفترة الأخيرة من العام الجاري. يتعرض قطاع النقل وقطاع الطاقة وقطاع الرقائق الإلكترونية لأشباه الموصلات عالية الجودة، لمشكلات هائلة في وقت واحد، ويعود ذلك إلى أسباب متباينة، ولكنها مرتبطة بعضها بعضا على نطاق واسع.
اقرأ أيضاً: عجز تمويل يبلغ 1.7 تريليون دولار يفاقم أزمة نقص الإمدادات
الطلب على النقل
البداية من قطاع النقل. في الوقت الذي كانت فيه بعض الموانئ الصينية خاملة أو تعمل بطاقة استيعابية جرى خفضها بسبب وباء كوفيد، إلا أن هذه لا تكاد تكون المشكلة الوحيدة. فقد خلق انتعاش التجارة في مجال السلع المعمرة، ضغوطا هائلة على الطلب على الحاويات والسفن وأعمال الموانئ في كل أنحاء العالم. صعدت أسعار حاويات الشحن بطريقة فائقة السرعة، وربما تكون قد بلغت مستوى أعلى بعشر مرات ما سجلته قبل عامين فقط. وبإيجاز، تراجع كثير من أنشطة التجارة الدولية على نحو كبير، علاوة على أن بعضاً منها لم يعد يحقق أرباحاً.
يتم تثبيت سعر الخدمات ذات الصلة بقطاع النقل في بعض الحالات، حيث يجري الحفاظ على الأسعار مخفضة -من المحتمل أن ذلك يعود لتفادي حدوث عزوف من قبل المشترين من أصحاب الولاء، أو لأن البائعين غير واثقين من أن الصدمات الحالية على صعيد الطلب ستكون مستمرة. ومجدداً، تتمثل النتيجة النهائية في أن الكثير من عمليات التجارة، لا يجري في الوقت الملائم.
يطلب العديد من الموردين مكوّنات يجري تداولها على المستوى الدولي من أجل استكمال إنتاجهم وتوزيع سلعهم وخدماتهم. وفي الوقت الراهن، هم عالقون.
إلى جانب ذلك ، يحتاج الكثير من الأعمال في الموانئ ووسائل النقل المحلية المرتبطة بها، إلى وجود عمالة كثيفة، في حين تعاني مناطق كثيرة حول العالم من عجز في أعداد العمال، وذلك عائد إلى أن الناس غير واثقين من طريقة إعادة رسم مستقبل العمل الخاص بهم عقب انتهاء الجائحة، أو بالنسبة إلى بعض الحالات، فإن الإعانات المقدمة من الحكومة ربما تعطل عودتهم إلى العمل. كل ذلك، يزيد من عمليات التأخير الخاصة بشبكات التجارة.
اقرأ المزيد: فيتنام.. آلاف العمال بأكبر مصنع أحذية رياضية في العالم غادروا بلا عودة
من المحتمل أن يكون إنتاج المزيد من حاويات الشحن بمثابة الاستجابة المثالية من قبل السوق (يصعب زيادة عدد السفن أو الموانئ، أو على الأقل، سيكون ذلك بطيئاً). بيد أن الأمر سيحتاج فعلياً، إلى شبكات تجارة ونقل، تعاني أصلاً من عطب في الوقت الراهن.
في ظل تقدم هذه العملية بأكملها، أخذت هذه المخزونات في النفاذ، وهو ما يمكن تفسيره بأن الاقتصاد العالمي يعاني من مستوى ركود أقل بكثير.
أزمة الطاقة
تأتي بعد ذلك، المشكلات ذات الجذور الراسخة، في نقص الطاقة حول العالم. لقد حاولت دول كثيرة تنفيذ عملية تحول إلى إمدادات طاقة أكثر صداقة للبيئة، بيد أن ذلك جرى دون أن يسبقه توفير البدائل الكافية. وهذا دفع باليابان وألمانيا، إلى الإعلان عن عزمهما التخلي عن التزاماتهما السابقة بشأن الطاقة النووية، في وقت شهدت الصين أيضاً عجزاً في الكهرباء في الآونة الأخيرة.
كان عمل شبكات الطاقة العالمية يسير على نحو جيد على ما يبدو قبل عام من الآن، بيد أنه مع تقدم التعافي الاقتصادي، لم تتوافر إمدادات كافية من الغاز الطبيعي لتلبية الطلب الحديث. جرى خفض إنتاج الغاز، وتقلصت أعمال التنقيب عنه خلال المراحل الأولى من الجائحة، فيما كان التعافي يسير بمعدل أقوى وأسرع من المتوقع بالنسبة إلى قطاع الطاقة. وفي المملكة المتحدة، صعدت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 700% خلال 12 شهراً، في حين أن أوروبا تعرضت لخطر عدم توافر إمدادات طاقة تكفي احتياجاتها خلال فصل الشتاء المقبل.
لا شك في أن الطاقة، تعتبر أحد مدخلات الإنتاج الهامة للعديد من السلع والخدمات الأخرى. ومن ثم فإن ذلك يخلق مجموعة أخرى من التأثيرات المتتابعة. وفي حال لم تؤدِ شبكات الطاقة والتجارة الدولية عملها بطريقة جيدة، فسيعرقل ذلك أجزاءً عديدة أخرى من الاقتصاد.
تعتبر الرقائق الإلكترونية عالية الجودة الخاصة بأجهزة الكمبيوتر، بمثابة منطقة أخرى من المعضلة، حيث كان الاقتصاد العالمي يعتمد بالفعل بطريقة كبيرة على بلدين لتوفير الإمدادات، هما تايوان وكوريا الجنوبية. ثم وقعت ثلاثة أمور: توقف العمل في مصانع الرقائق الإلكترونية أثناء عمليات الإغلاق الناجمة عن الجائحة؛ وأسفرت سلسلة من الكوارث الطبيعية البائسة عن حدوث أضرار لإمدادات الرقائق الإلكترونية؛ كما ارتفع الطلب عليها مع تزايد طلب المستهلكين على السلع المعمرة مثل السيارات والأجهزة المنزلية. في ظل المستويات الحالية، جرى تقليص حجم إنتاج السيارات على نحو خطير بسبب ضعف الإمدادات المتاحة من الرقائق الإلكترونية، وهو ما يُعدّ من بين أسباب مواصلة أسعار السيارات الجديدة والمستعملة ارتفاعها.
لذا، وبالنظر إلى جانب واحد من المعادلة، هناك حالات تأخير في المبادلات التجارية، وتأخير في وصول مدخلات الإنتاج، علاوة على زيادة تكاليف التجارة والنقل بمعدلات أعلى، إلى جانب صعود أسعار الطاقة إلى مستويات أعلى بكثير، فضلاً عن العجز في إمدادات الرقائق الإلكترونية. وعلى الجانب الآخر، ادخر المستهلكون الأمريكيون والأوروبيون مبالغ كبيرة من الأموال خلال عام 2020 وأوائل عام 2021، وهم يعمدون إلى إنفاقها في الوقت الحالي.
العرض والطلب
أسفر هذا الخليط عن إشعال معدلات تضخم الأسعار. فبدأ الطلب يضرب في السوق، بينما العرض غير قادر على تلبيته. لا يعد ذلك مشكلة واحدة فقط تحتاج إلى حل يسير ومباشر، بل هي عبارة عن سلسلة من الدروب المعقدة، التي ترسم مساراتها الفوضى الاقتصادية وعمليات التأخير.
هذه المشكلات في سلاسل التوريد، ستعمل في نهاية الأمر على تصحيح نفسها، حتى في حال لم يستطع أحد معرفة متى يمكن حدوث ذلك بدقة. وفي هذه الأثناء، يستطيع الموردون والموزعون -وكذلك المستهلكون- مواساة أنفسهم إلى حد ما، بأنه بات بإمكانهم اجتياز -وذلك على أمل أن يكونوا مثابرين- فوضى معقدة لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ الحديث.