بيانات الصين حول النمو الاقتصادي اصطناعية أو أعدها بشر، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها. وهذا ليس رأي ينطوي على استفزاز، لكنه صادر عن رئيس وزراء الصين.
خلال مأدبة عشاء مع السفير الأمريكي كلارك راندت في عام 2007، قال "لي كه تشيانغ" -سكرتير الحزب في مقاطعة لياونينغ آنذاك والنجم الصاعد في الحزب الشيوعي- إن البيانات الرسمية حول الناتج المحلي الإجمالي أقل موثوقية من البيانات الخاصة بمزيج استهلاك الكهرباء، وأحجام الشحن عبر السكك الحديدية، ونمو القروض.
وقال إنه كان من الصعب التلاعب بتلك الأرقام الثلاثة للتوصل إلى نتيجة ملائمة سياسياً، وفقاً لمذكرة صادرة عن السفارة الأمريكية نشرها موقع ويكيليكس في عام 2010.
أثبت هذا التقييم أنه دليل جيد جداً على النمو الصيني خلال 14 عاماً منذ ذلك الحين، مع وجود مؤشر مرجح بنسبة 20% للشحن عبر السكك الحديدية و40% لكل من الكهرباء والإقراض لتتبع بيانات الناتج المحلي الإجمالي الرسمية عن كثب.
هذه نتيجة مقلقة حالياً؛ لأن اثنين من المؤشرات الرئيسية يتعرضان لضغط كبير في نفس اللحظة تماماً.
إنزعاج بكين
هناك أسباب واضحة تجعل نمو القروض يتجه نحو المرحلة الصعبة. إن الأزمة التي جعلت مجموعة "إيفرغراند" الصينية تكافح من أجل سداد ديونها البالغة 300 مليار دولار، ربما يتم حلها دون خلق أزمة في النظام بذاته.
إذا حدث ذلك، فإن الشركة التي تواجه مشاكل مثل الحصول على تسهيلات ائتمانية جديدة من البنوك الحكومية في حد ذاتها، ستعطي إشارة إلى أن وتيرة الإقراض المتهورة بدأت في إزعاج بكين.
يمكن لصدمة على غرار انهيار مصرف "ليمان برذرز" أن تحدث انخفاضاً فعلياً في منح الائتمان داخل النظام، مثل الانخفاض السنوي بنسبة 4.6% للقروض في الولايات المتحدة بعد أزمة عام 2008.
لضبط الأمور وإعادتها إلى مستويات النمو الطبيعية سيكون أمراً مزعجاً للاقتصاد الذي نما فيه الإقراض بنسبة 12% على الأقل سنوياً لعقود، أي ضعف المعدل المسجل في الولايات المتحدة.
لا يوجد اقتصاد ناشئ رئيسي آخر لديه مستويات ديون مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي مثل الصين. ومعظم البلدان المتقدمة التي لديها مستويات ديون مرتفعة، بدأت في خفض ديونها على مدار سنوات قبل تفشي جائحة كوفيد-19، في حين شهدت الصين تسارع وتيرة الاقتراض.
مهام متناقضة
الوضع مع الكهرباء مشابه على نجو عجيب. انتشر توزيع الكهرباء بنظام الحصص في العديد من أقاليم القوة الاقتصادية بالصين، حيث تواجه الحكومات المحلية خطر عدم تحقيق الأهداف للحد من كثافة الانبعاثات في اقتصاداتها. وقد ورد أن المصاهر في يونان، ومصانع النسيج في تشغيانغ، وآلات طحن فول الصويا في تيانجين توقفت عن العمل لمنع انقطاع التيار الكهربائي عن المستخدمين غير الصناعيين.
بعد "إيفرغراند".. أزمة كهرباء تضرب الصين وتهدد سلاسل التوريد العالمية
أزمة الطاقة العالمية تترك الصين في مواجهة مزيد من نقص الكهرباء
على مدى سنوات، نما استهلاك الكهرباء في الصين بمعدل أبطأ بالكاد من معدل نمو الاقتصاد نفسه. يواجه هذا النموذج مشاكل حيث تبدأ طموحات الرئيس شي جين بينغ للوصول إلى ذروة الانبعاثات بحلول عام 2030 في التحول لأهداف سياسية.
في حال رغبة الصين الإبقاء على زيادة الطلب على الكهرباء عند 5% سنوياً من المستويات الحالية دون حرق المزيد من الفحم، فستحتاج إلى توليد 100 غيغاوات من الطاقة الشمسية و50 غيغاوات من الرياح كل عام. ولكن وتيرة النمو المستهدف أقرب إلى نصف هذا المستوى.
يواجه المسؤولون في المقاطعات أو الأقاليم مهمات متناقضة أو لا يمكن التوفيق بينها، تتمثل في الحفاظ على تدفق إمدادات الكهرباء لنمو الاقتصاد، مع الحفاظ على الحد من انبعاثات الكربون، على الرغم من أن خططاً رفيعة المستوى بالنسبة لقطاع الكهرباء، ليست واعدة بما يكفي لمحطات الطاقة الخالية من الكربون لمنع عودتها مرة أخرى إلى العمل بالفحم لاستمرار عمل الشبكة.
تعتبر الأسعار القياسية المسجلة لعقود الفحم الصينية الآجلة خلال الأسبوع الماضي علامة على نظام يكافح للتعامل مع المتطلبات المتناقضة.
نحو الإفلاس
حقق قطاع الشحن بالسكك الحديدية، الجزء الأخير من مؤشر "لي كه تشيانغ"، أداءً أفضل. ولكن إذا كنت تفكر فيه على أنه مقياس للنشاط العام داخل الاقتصاد، فهناك علامات مقلقة.
كانت شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين، والتي بالكاد تم وضعها في الوقت الذي التقى فيه "لي" بالسفير الأمريكي، مصممة جزئياً لتوفير مساحة على المسارات التقليدية بحيث يمكن نقل البضائع بهذه الطريقة، بدلاً من النقل البري.
ليس من المستغرب إذاً أن تصمد شبكة السكك الحديدية بشكل جيد. لكن أحجام الشحن ككل بدت ضعيفة قبل تفشي كوفيد-19، ويبدو أنها مستقرة عند مستويات حوالي 4.3 مليار طن متري شهرياً والتي وصلتها قبل حوالي ثلاث سنوات.
هذا الوضع مثير للقلق. أحد الأمور اللافتة للنظر في المذكرة التي ألهمت مؤشر "لي كه تشيانغ" هو مدى ضآلة تغير مخاوف السياسة المحلية خلال 14 عاماً، حيث تركز معظم النقاش على مشاكل الفساد وكيفية تحقيق التوازن بين النمو وعدم المساواة في الدخل.
مع ذلك، فإن النموذج الاقتصادي الذي وصفه "لي"- حيث لن يتوقف المسؤولون عند أي شيء لتحقيق أهداف الناتج المحلي الإجمالي- يتجه نحو الإفلاس.
لقد تحقق نمو اقتصاد الصين على مدى عقود بفضل الائتمان والكربون، ويبدو أن بكين أخيراً أصبحت جادة بشأن تغيير ذلك المسار.
يبقى أن نرى ما إذا كان اقتصاد الصين قادراً على تحمل مثل هذا التدخل الجذري أو الحاد أم لا.