يوجه الاتحاد الأوروبي عبر عودته لفرض قيودٍ على استقبال المسافرين الأمريكيين رسالةً لبلادهم ترتبط بدبلوماسيته بقدر ما تتعلق بعلم الأوبئة.
ثمة بيانات اسمية داعمة للقرار بعدما جاوزت زيادة كبيرة في الإصابات نتيجة انتشار سلالة دلتا المتحولة بالولايات المتحدة حدود توصيات السفر غير الضروري إلى الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت الإصابات الجديدة 588 في كل 100 ألف شخص في الأسبوعين حتى 22 أغسطس، مقارنة مع حد 75 إصابة الاسترشادي. صنفت ألمانيا الولايات المتحدة كدولة "عالية الخطورة" في 15 أغسطس.
لكن التراكمات المفضية لهذا القرار كانت تختمر طيلة الصيف، ما يعكس نوعية علاقات دبلوماسية عبر الأطلسي تتسم بالأخذ والرد، وهي عادة ما تصاحب النزاعات التجارية. انتظر المسؤولون في بروكسل والدول الأعضاء لشهور عبثاً "المعاملة بالمثل" من حكومة بايدن بعد أن رفع الاتحاد الأوروبي القيود المفروضة على الولايات المتحدة في يونيو، أي في أنسب وقت لسفر الصيف. لكن ما زال حظر السفر الأمريكي على الأوروبيين سارياً بعد مضي نحو 600 يوم على فرضه في مارس 2020، ما أدى إلى استياء الاتحاد الأوروبي لشعوره بأن نتيجة مختلفة كانت ممكنة.
تفرق عائلات
تعتبر رؤية إحباط الفرصة لسفر أكثر حرية مثبطة للغاية، حيث ما تزال هناك عائلات منفصلة، وبنفس القدر من الأهمية، تعتبر السياحة مصدر دخل كبير لأوروبا، خاصة في جنوبها. يشير رد فعل سوق الأسهم، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز لأكبر تسع شركات طيران أمريكية بنسبة 3% بعد ظهر الإثنين، إلى تأجيل التعافي في قطاع السياحة الذي لا يزال يعاني من أسوأ عام له على الإطلاق.
رغم ذلك كان الأوروبيون أكثر براغماتية في ذات الوقت من حليفهم الأمريكي، إذ إن قيودهم الجديدة أتت على شكل توصيات غير ملزمة يرجح أن أثرها يقتصر على من لم يتلقوا اللقاح، وتركت قرار السماح بالدخول وفرض القيود للحكومات الوطنية.
على النقيض، حظرت الولايات المتحدة السفر على معظم المسافرين من بريطانيا وحوالي عشرين دولة أوروبية واستمرت القيود بعد انتقال الحكم من ترمب إلى بايدن، كما دامت حتى عندما بدأت إدارة الوباء في الاتحاد الأوروبي تتفوق على إدارة أمريكا له. تحتل الدول الأوروبية المراكز العشرة الأعلى تقريباً في مؤشر "بلومبرغ" لمقاومة كوفيد 19، بينما تحتل الولايات المتحدة المرتبة 25.
بالنسبة لضحايا الحظر الأمريكي على الجانب الأوروبي من الأطلسي، من الجيد رؤية أوروبا تكشر عن بعض أنيابها في هذه القضية. كتبت سيليا بيلين، الزميلة في معهد بروكينغز الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له، بقوة عن تجربتها الخاصة مع الحظر الذي وصفته بأنه "قاسٍ"، وهي تحمل تأشيرة لغير المهاجرين، وكانت زيارتها لعائلتها في فرنسا تعني خطر عدم السماح لها بالعودة إلى الولايات المتحدة لمتابعة حياتها المهنية. كتبت أن الحظر يحتوي على عدد ليس بقليل من التناقضات، وإحدى الطرق للتغلب عليها هي السفر عبر دول من ضمنها تركيا التي تجاوزت الإصابات فيها الاتحاد الأوروبي.
حفظ الأرواح؟
لكن الأمر أكثر من مجرد قصة عبر الأطلسي. يبدو أن حظر السفر يستخدم على نحو متزايد وكأنه ممارسة لحفظ ماء الوجه أكثر من حفظ الأرواح. لننظر إلى الطريقة التي استهدفت بها بريطانيا فرنسا على وجه التحديد بقيود سفر ممتدة في وقت سابق من الصيف الجاري، وهي خطوة تجدر السخرية منها نظراً لنقص البيانات التي تبررها. انزلقت سياسات الحجر الصحي التي تهدف إلى حماية الناس في أماكن أخرى بسهولة إلى المبالغة الوحشية. حتى لو قال الخبراء إن تقييد السفر يمكن أن يساعد في أمور محددة في الوباء، فقد ثبت عملياً خلل توقيتها وعدم إحكامها.
نأمل أن يؤدي تطور الأحداث الأخير لمزيد من التأمل في تكلفة قيود السفر في أزمة أدت بالفعل إلى انقسام جغرافي بين متلقي اللقاح ومن لم يتلقوه بين دول الشمال والجنوب. كما أن فجوة التطعيم الحقيقية هي بين العالم الغني والبلدان النامية، حيث يضم أقل 52 مواقع العالم ثراءً 20.5% من سكان الكوكب مع نسبة لقاحات عند 2.9% فقط.
إن لم يحدث ذلك، فإن قائمة طويلة من ضغائن أوروبا حيال طفرات اتباع بايدن سياسة سلفه "أمريكا أولا"، حيال أفغانستان وشركات التقنية الكبرى والصين، توشك أن تزداد طولاً.