الانسحاب من أفغانستان مشكلة أكبر لـ"أوروبا" من أن تكون للولايات المتحدة

time reading iconدقائق القراءة - 12
لاجئون ينزلون من طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية بعد رحلة إجلاء من كابل في قاعدة روتا البحرية في روتا، جنوب إسبانيا، في 31 أغسطس 2021. - المصدر: بلومبرغ
لاجئون ينزلون من طائرة تابعة للقوات الجوية الأمريكية بعد رحلة إجلاء من كابل في قاعدة روتا البحرية في روتا، جنوب إسبانيا، في 31 أغسطس 2021. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

غادرت الولايات المتحدة أفغانستان يوم الثلاثاء في إذلال محقِّقةً القليل من أهدافها بعد 20 عاماً من الحرب. لكن بالنسبة لحلفاء أمريكا الأوروبيين، ربما يكون الإذلال قد بدأ للتو.

تشكِّل عودة طالبان تهديدات ملموسة أكثر بالنسبة لأوروبا، كونها مرتبطة بأفغانستان برَّاً على عكس الولايات المتحدة. ولا يشمل ذلك الإرهاب فحسب؛ بل الهجرة الجماعية وتجارة الهيروين أيضاً. وبدون وجود على الأرض، لن يكون لدى الحكومات الأوروبية الآن العديد من الأدوات التي يمكن من خلالها التأثير على الجماعة المسلحة.

وفي مؤشر على هذه المخاوف، اختلف وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي بالفعل في اجتماع عقد يوم الثلاثاء حول كيفية التعامل مع التدفُّق المحتمل للاجئين الأفغان، فقد وقف وزراء داخلية النمسا، وجمهورية التشيك، والدنمارك، جنباً إلى جنب، أمام المراسلين ليقولوا، إنَّ رسالة أوروبا للأفغان ينبغي أن تكون البقاء في مكانهم.

وعقب الاجتماع، حثَّ بيان مشترك الكتلة المكوَّنة من 27 دولة على استخدام جميع الوسائل لمساعدة الدول الأقرب إلى أفغانستان على توفير "سبل عيش مستدامة" للاجئين، و"منع الهجرة غير الشرعية من المنطقة، وتعزيز القدرة على إدارة الحدود ومنع تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر".

ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد حالياً ما يقرب من 2.5 مليون لاجئ أفغاني مسجَّلين في دول حول العالم، مما يضعهم في المرتبة الثانية بعد السوريين.

وقالت كارين فون هيبل، المدير العام للمعهد الملكي للخدمات المتحدة للدراسات الدفاعية والأمنية، وهو مركز أبحاث في لندن، والمسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية، إنَّ مشهد الاعتماد الأوروبي والبريطاني على الولايات المتحدة عندما قرَّرت الانسحاب السريع من أفغانستان "يكشف الفجوات الواسعة في البنية التحتية الأمنية الأوروبية، والبنية التحتية البريطانية فيما يتعلَّق بإدارة الأزمات بمفردهم".

وتابعت فون هيبل قائلةً، إنَّه على الرغم من إدراك الحاجة إلى الاستثمار بشكل أكثر فاعلية في الدفاع، وبناء نهج أكثر استراتيجية للسياسة الخارجية؛ فقد تراجعت قدرة الاتحاد الأوروبي على الدفاع عن مصالحه بمفرده- في غالب الأمر- في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتفشي وباء "كوفيد -19"، وقالت: "حتى بعد أربع سنوات من رئاسة ترمب، لا أعتقد أنَّهم خطَّطوا بجدية لوضع خطة بديلة".

المنطقة الآمنة

تجسَّدت هشاشة أوروبا في دعوة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يوم الأحد، لإقامة منطقة آمنة تخضع لسيطرة الأمم المتحدة في كابل. وكان الهدف من هذه المنطقة هو مساعدة حاملي التأشيرات الأفغان المعارضين لطالبان على المغادرة بأمان، وبطريقة منظَّمة ومجهَّزة. وفي غضون يوم واحد، تمَّت تنحية اقتراحه.

ومع رفض طالبان السريع لخطة ماكرون لإقامة منطقة آمنة، لم تكن هناك رغبة دولية كبيرة للدفاع عنها. على أية حال، تحظى مثل تلك الجهود بسجل متقلِّب، بما في ذلك مذبحة عام 1995 لأكثر من 8000 رجل وصبي بوسني في المنطقة الآمنة المحمية دولياً في مدينة سربرنيستا، في البوسنة، وهجوم عام 1983 على ثكنات قوات حفظ السلام في لبنان الذي أسفر عن مقتل ما يقرب من 300 جندي أمريكي وفرنسي.

ووفقاً لفرانسوا هايسبورغ، الدبلوماسي السابق والمستشار الأمني للحكومة الفرنسية، سيكون من المستحيل حماية مطار "حامد كرزاي" الدولي من الهجوم، نظراً لضخامته، وكونه جزءاً لا يتجزأ من الضواحي، كما أنَّه يقع على بعد 7 كيلومترات فقط من القصر الرئاسي في وسط المدينة. وفي هذا الشأن يقول هايسبورغ، الذي يعمل حالياً كمستشار خاص لمؤسسة الأبحاث الاستراتيجية، ومقرُّها باريس: "تعرف كيف تبدأ هذه الأشياء وأيضاً، للأسف، كيف تميل للانتهاء".

لم يشر القرار الأمريكي، الفرنسي، البريطاني المشترك الصادر ليلة الإثنين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إقامة منطقة آمنة. وبدلاً من ذلك؛ ناشد القرار مقاتلي طالبان، الذين قصفتهم الجيوش الغربية على مدى عقدين من الزمان، لتأمين مطار كابول المدني، والوفاء بالالتزامات المعلنة، فيما يتعلَّق بالسماح بحرية السفر، واحترام حقوق الإنسان.

ومن هنا، سلَّط قرار الأمم المتحدة الضوء على الإرادة السياسية المتزايدة التي ستحظى بها القوى الإقليمية الأخرى في أفغانستان بعد مغادرة القوات الأمريكية، والقوات الغربية الأخرى، فضلاً عن اعتماد أوروبا المتزايد على تلك القوى. وفي هذا الإطار، جاء تصويت مجلس الأمن يوم الإثنين ليكون أولى العلامات الملموسة على كيفية عمل ذلك، بحسب هايسبورغ.

اقرأ أيضاً: قيمتها تريليون دولار.. الصين تضع عينها على معادن أفغانستان

على الرغم من الجهود الفرنسية المبذولة وراء الكواليس، امتنعت الصين وروسيا عن التصويت حتى على القرار المخفَّفة حدَّته، الأمر الذي سمح بتمرير القرار. لكنَّ الصين أبدت تشكّكها بشأن فرض مناطق آمنة علناً. وقال المتحدِّث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وينبين، للصحفيين في المؤتمر الصحفي الدوري يوم الإثنين "لقد راقبت التقارير ذات الصلة. كما لاحظت أيضاً وجود تقارير تفيد أنَّ طالبان الأفغانية رفضت مثل هذا الاقتراح".

التدخل يعني إنفاق المال

من المقرَّر أن تتزايد التحذيرات الأوروبية بشأن مخاطر اللاجئين، وذلك بالإضافة إلى الخلاف بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول عدد اللاجئين الذين يجب استقبالهم، وأين سيتمُّ تسكينهم. وفي اجتماع الثلاثاء، فشل الوزراء في تحديد عدد المهاجرين الذين يتعيّن على الكتلة أن تقبلهم.

من جهة أخرى، تعدُّ الأعداد التي غادرت أفغانستان خلال الأزمة الحالية محدودة نسبياً حتى الآن، وفي ظل التعاطف مع أولئك الذين عملوا جنباً إلى جنب مع قوات الحلفاء، حظي الأشخاص الأقوياء الذين تمَّ إجلاؤهم بترحيب حار، في الغالب، في المملكة المتحدة ودول أخرى. لكنَّ منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قال لإذاعة "أوندا سيرو" الإسبانية، إنَّ الوضع في أفغانستان قد يؤدي إلى أزمة إنسانية "ذات أبعاد ضخمة".

إنَّ مخاوف أوروبا بشأن الهجرة مدفوعة بالمخاوف من أن تشكِّل حالة عدم الاستقرار المتزايدة في أفغانستان تكراراً لما حدث عام 2015، عندما تدفَّق أكثر من مليون لاجئ سوري على أوروبا في غضون أشهر، مما أدى إلى تحفيز الأحزاب المناهضة للمهاجرين، وفضح الانقسامات الواسعة داخل الكتلة حول كيفية الاستجابة لتدفُّق اللاجئين.

وفي خضم تلك الأحداث، تفاوضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على صفقة النقد مقابل مراقبة الحدود مع تركيا، التي تعهدت بوقف تدفُّق اللاجئين مقابل 3 مليارات يورو (3.6 مليار دولار). كانت الصفقة مثيرة للجدل بسبب السجل السيئ للحكومة التركية في مجال حقوق الإنسان، وهي مشكلة يمكن تضخيمها في أي محادثات مع حركة طالبان الإسلامية المتطرفة.

أيضاً، ليس لدى أوروبا العديد من الأدوات الأخرى المتاحة لدرء مخاوفها. فعندما دعت مفوَّضة الشؤون الداخلية الأوروبية، إيلفا جوهانسون، الاتحاد الأوروبي إلى "التدخل" في أفغانستان لمنع اندفاع موجة جديدة من اللاجئين الباحثين عن حياة جديدة في أوروبا، أوضحت أيضاً أنَّ التدخل يعني إنفاق المال.

من جانبها، طلبت طالبان بالفعل مساعدات دولية لمساعدتها في دعم الدخول الزراعية حتى تتمكَّن من تعويض المزارعين عن استبدال محاصيل الخشخاش التي يُقدَّر أنَّها توفِّر أكثر من 90% من الهيروين المباع في أوروبا.

تصنيفات