بلومبرغ
بدأ رائد الأعمال الروسي إيغور رونيتس في عام 2017، وهو العام نفسه الذي نال فيه درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة "ستانفورد"، في بناء مركز بيانات لتعدين العملات المشفرة في سيبيريا. الخطوة كانت جريئة، وكانت مستندة إلى الرهان على أن الشتاء البارد والطاقة الكهرومائية الرخيصة في المنطقة قد تحقق له ملايين الدولارات في المستقبل.
نجحت شركته "بت ريفر" (BitRiver) في جذب عملاء من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين. ومع ارتفاع قيمة "بتكوين" بنحو 650% خلال عامين حتى نوفمبر 2021، أصبح تعدين العملات المشفرة أكثر ربحية.
لكن الأوضاع تغيرت تماماً عندما غزت روسيا أوكرانيا. ففي أبريل 2022، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على "بت ريفر"، مشيرة إلى أن "محطات الخوادم الضخمة" التابعة للشركة قد تُستخدم لمساعدة روسيا في تحقيق عائدات من مواردها الطبيعية. في العام نفسه، واجهت شركات تعدين العملات المشفرة أيضاً تدهوراً كبيراً، والذي كان أبرز معالمه انهيار منصة "إف تي إكس" (FTX) التابعة لسام بانكمان فريد.
الآن، وبعد مرور عامين ونصف على اقتراح البنك المركزي الروسي فرض حظر شامل على العملات المشفرة، دفعت التحديات المتزايدة في المدفوعات عبر الحدود -بسبب العقوبات- الكرملين إلى إعادة النظر في موقفه. في الشهر الماضي، وقع فلاديمير بوتين قانوناً ينظم تعدين العملات المشفرة، مما سمح باتخاذ خطوات أولية نحو تقنين استخدام العملات المشفرة داخل روسيا، حيث تم تعدين عملات "بتكوين" بما يعادل 3.5 مليار دولار العام الماضي.
وصف رونيتس هذا القانون في منشور على تليغرام بأنه "لحظة تاريخية"، قائلاً "سيتم افتتاح مراكز بيانات جديدة وستتوفر وظائف إضافية"، مضيفاً أن شركات تعدين العملات المشفرة في روسيا ستتمكن الآن من التوسع بسرعة وكفاءة أكبر.
وفقاً لمؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، تبلغ ثروة رونيتس، البالغ من العمر 38 عاماً، حوالي 230 مليون دولار، بناءً على تقييمات الشركات المماثلة وقدرته الإنتاجية المقدرة بـ215 ألف دولار لكل ميغاواط.
دراسات ستانفورد
خلال دراسته في جامعة ستانفورد، تعرّف رونيتس على تعدين العملات المشفرة، كما ذكر في تعليقات غير منشورة سابقاً لـ "بلومبرغ" في عام 2022، قبل إرسال الكرملين قواته إلى أوكرانيا. كان زملاؤه في "ستانفورد" من أوائل عملاء "بت ريفر".
في البداية، ركّز رونيتس إمبراطوريته لتعدين العملات المشفرة في مدينة براتسك بجنوب سيبيريا، حيث يقع أحد أكبر مصانع الألمنيوم في روسيا. هذا المصنع مملوك لمجموعة "إي إن بلس غروب إنترناشونال" (EN+ Group International)، التي تحصل على طاقة رخيصة من محطة كهرومائية قريبة. يُعد الملياردير الخاضع للعقوبات أوليغ ديريباسكا أكبر مساهم في هذه المجموعة.
الطاقة، التي تعتبر عاملاً أساسياً في تعدين العملات المشفرة، تتكامل مع الشتاء الطويل والبارد في براتسك، مما يساعد في الحفاظ على برودة خوادم مراكز البيانات بشكل طبيعي.
منذ تأسيسها، توسعت "بت ريفر" لتشغل 15 مركز بيانات بسعة 533 ميغاواط وأكثر من 175 ألف خادم، وفقاً لموقعها الإلكتروني. الشركة لا تقوم بالتعدين بنفسها، بل تقدم المعدات والخدمات التقنية. يدفع العملاء مقابل وحدة الطاقة المستخدمة في تعدين العملات المشفرة، إلى جانب تكاليف أخرى مثل صيانة المعدات.
ومع استمرار عقوبات وزارة الخزانة الأميركية على شركته، رفض رونيتس التعليق على هذا التقرير.
منافسة عالمية
أبدى فيتالي بورشينكو، المؤسس المشارك لشركة تعدين العملات المشفرة المنافسة "بت كلاستر" (BitCluster)، تحفظات بشأن التشريع الجديد أكثر من رونيتس. وأوضح أن القانون قد يُمكّن روسيا من أن تصبح أكبر دولة في العالم في مجال تعدين العملات المشفرة، متجاوزة الولايات المتحدة، إلا أن هناك تحديات كبيرة تحتاج إلى حلول، مثل تأمين التمويل الرخيص لشراء معدات التعدين، وسبل تطبيق اللوائح الجديدة.
ويُتوقع أن يكون رونيتس من أكبر المستفيدين من هذه التغييرات، حيث تُعد شركته أكبر مزود لمراكز البيانات في روسيا من حيث الإيرادات، وفقاً لتقديرات وكالة "آر بي سي" (RBC) الروسية. وتشير التقديرات إلى أن إيرادات "بت ريفر" ارتفعت بنحو 60% العام الماضي.
تعتقد لورين لين، مديرة تطوير الأعمال في شركة "لكسور تكنولوجيز" (Luxor Technologies) لخدمات تعدين العملات المشفرة، أن تقنين التعدين قد يساعد روسيا في معالجة مشاكل المدفوعات التي سببتها العقوبات. وقالت: "خطوة روسيا هذه تعيد تشكيل مشهد الأصول الرقمية العالمي، حيث تقدم فرصاً ومخاطر فيما يتعلق بالتمويل الدولي واستخدام الطاقة وتأثيرها على سوق التعدين العالمية".