بلومبرغ
بينما يسعى دونالد ترمب لكسب دعم المتحمسين للعملات الرقمية للحصول على الأصوات والتبرعات لدعم حملته الانتخابية، لكن مع ذلك يُلاحظ غياب أغنى المُمولين في القطاع عن قائمة المتبرعين له، حيث لم يقدم رجل الأعمال ذو النفوذ الواسع في عالم العملات المشفرة، بريان أرمسترونغ، وشركته "كوين بيس"، ولجان العمل السياسي الكبرى التي يمولونها، أي تبرعات لحملة ترمب بعد. كما لم يتبرعوا أيضاً لخصمته في السباق الرئاسي، نائبة الرئيس كامالا هاريس.
بدلاً من ذلك، يعتمد الممولون على استراتيجية التبرعات المستهدفة لحملات الكونغرس، وهي استراتيجية قلبت موازين المنافسة الانتخابية في جميع أنحاء البلاد. ويبدو أن نفوذهم المالي وجهودهم في مجال الضغط ساعدت في وضع شركات الكريتو على الأجندة السياسية بقوة، كما يتضح من الدعم الحزبي لمشروع قانون برعاية الجمهوريين الذي أُقر في مجلس النواب في مايو، والمشروع الجاري العمل عليه حالياً في مجلس الشيوخ.
تبرعات "كوين بيس"السياسية
برزت "كوين بيس" كأكبر داعم سياسي في قطاع الأصول الرقمية في الولايات المتحدة، وهو تميز ملحوظ في وقت ازداد فيه إنفاق شركات العملات الرقمية على الانتخابات الفيدرالية، ما جعلها من أكبر المساهمين في دورة انتخابات 2024، وفقًا لبيانات شركة "أوبن سيكرتس" وتحليل مرتبط بذلك في تقرير صدر الشهر الماضي من "بابلك سيتزن" وهي جهة مراقبة.
يُعد "امتلاك المال جزءاً كبيراً للأسف من كيفية عمل الحكومة في الولايات المتحدة"، وفقاً لتصريحات "أرمسترونغ"، الملياردير الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لـ"كوين بيس"، خلال مقابلة في أغسطس على بودكاست "مومنت أوف زين". فيما لم تُتح "كوين بيس" الفرصة لإجراء "بلومبرغ" مقابلة مع "أرمسترونغ".
تشير بيانات "بابلك سيتزن" إلى أن قطاع الكريبتو ساهم بما يقارب نصف مبلغ 250 مليون دولار من التبرعات التي قدمتها الشركات للحملات السياسية في عام 2024. وتتحمل "كوين بيس" وحدها مسؤولية أكثر من 52 مليون دولار من هذا المبلغ.
تبرعات قطاع التشفير تثير القلق
ينتقد بعض المراقبين ضخامة المبالغ التي تُنفقها صناعة تحيط بها الفضائح، ويمثلها سابقاً على تلة الكابيتول سام بانكمان فريد، الذي يقضي الآن عقوبة السجن بسبب انهيار شركته "إف تي إكس". ويقولون إن أساليب هذه الصناعة تشكل سابقة سيئة.
وكتبت "بابلك سيتزن" في تقريرها: "إن تهديد العملات الرقمية الكبير في العديد من المناطق، إلى جانب نشر تبرعات مستهدفة، قد غير بالفعل الديناميكيات في السباقات الانتخابية والكونغرس"، مشبهة تأثير الصناعة بنيزك مدمر في سماء الانتخابات، ويستعد لتدمير المرشحين من أجل فرض الانصياع لمطالب الشركات على جميع المرشحين.
لكن محبي العملات الرقمية يجادلون بأن "كوين بيس" تمثل مصالح ملايين الأمريكيين الذين يريدون الاستمرار في تداول الأصول الرقمية.
وبالنسبة لـ"كوين بيس" وغيرها من كبار المنفقين في قطاع العملات المشفرة، فإن الهدف هو الدفع باتجاه اعتماد التشريعات التي من شأنها أن توفر إطاراً تنظيمياً أكثر وضوحاً للقطاع، وتمنحه الشرعية اللازمة بعد سنوات مما يصفونه بـ"التنظيم من خلال الإنفاذ"، وخاصة من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات.
معركة "كوين بيس" مع الحكومة الأميركية
تخوض "كوين بيس" معركة قانونية ضد هيئة الأوراق المالية قد تؤثر على ما يصل إلى 30% من إيراداتها، وفقًا لتحليل أوين لاو من شركة "أوبنهايمر".
يمكن للتشريعات الصديقة للعملات الرقمية والدعم السياسي من البيت الأبيض والكونغرس أن تقلص، أو حتى تلغي المخاطر التي تواجه "كوين بيس"، وتحول الإشراف بعيداً عن هيئة الأوراق المالية ورئيسها المتشدد غاري غينسلر.
بدلاً من التركيز على حزب معين أو مرشح رئاسي، تدير "كوين بيس" والشركات الأخرى مثل "ريبيل" و"جمب كريبتو" تبرعاتها عبر لجان العمل السياسي الداعمة للعملات الرقمية مثل مجموعة "فيرشيك" (Fairshake) غير الحزبية، التي تتصدر جميع لجان العمل السياسي في جمع الأموال، وفقًا لبيانات "أوبن سيكرتس".
وقال تود وايت، وهو مستشار سياسي طويل الأمد، عن الإنفاق الكبير لـ"كوين بيس": "من اللافت أن يقوموا بتوجيه هذا القدر الكبير من أموال المستثمرين إلى واشنطن".
عواقب معارضة العملات المشفرة
إن أموال "فير شيك" مخصصة لدعم مرشحي الكونغرس الودودين تجاه القطاع من كلا الحزبين، بينما لا يحصل المنتقدين منها على شئ. وفي وقتٍ من المحتمل أن تكون السيطرة على مجلسي الكونغرس ممكنة، فإن ذلك يُعتبر استراتيجية قوية.
وتدخلت المجموعة ولجنتا عمل سياسيتان تابعتان لها في كل من الانتخابات التمهيدية الديمقراطية والجمهورية في الدورة الحالية لانتخاب مرشحين أكثر دعماً لقطاع التشفير.
روجت "فير شيك" بالفعل لنفوذها، مدعية أنها ساعدت في إزاحة الديمقراطيين التقدميين في مجلس النواب جمال بومان من نيويورك وكوري بوش من ميسوري، في الانتخابات التمهيدية الأخيرة. ووفقاً لـ"بَبليك سيتيزين"، فاز القطاع بنتيجته المفضلة في 36 من أصل 42 سباقاً تمهيدياً تدخلت فيها لجان عمل سياسي مدعومة بالعملات المشفرة.
وقال "أرمسترونغ"، البالغ من العمر 41 عاماً، لـ"مومنت أوف زين": "أصبح الأمر محفوفاً بالمخاطر، فمعارضة العملات المشفرة في العاصمة واشنطن الآن أشبه بالانتحار السياسي".
كسب النفوذ السياسي في واشنطن
كشفت "فير شيك" ولجان العمل السياسي ذات الصلة مؤخراً عن إنفاق جديد بالانتخابات العامة بما فيها سباقات مجلس الشيوخ، ودعم اثنين من الديمقراطيين في مجلس النواب، وهما: روبن غاليغو من أريزونا وإليسا سلوتكين من ميشيغان. وأثار هذا غضب المشرعين الجمهوريين الذين يستشهدون بموقف مناهض للعملات المشفرة من قبل ديمقراطيين بارزين في مجلس الشيوخ مثل إليزابيث وارن.
من جانبه، قال بيل هاغرتي، السناتور الجمهوري من تينيسي، في بيان: "دعم قطاع التشفير الذي يواجه مثل هذا التهديد الوجودي لاستمرار سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ أمر محير". وأصبح هاغرتي وسيطاً بين قطاع العملات المشفرة وحملة ترمب المؤيدة للعملات المشفرة.
على الرغم من التوترات على الجانب الجمهوري، فإنه لدى التنفيذيين في مجال العملات المشفرة مصلحة في كسب النفوذ مع من سيحصل على السلطة في واشنطن. وتحدث ممثلو شركة "كوين بيس" مع حملة ترمب، كذلك كان للشركة حضور في اجتماعين مع مستشارين من البيت الأبيض في يوليو وأغسطس، وكانت على اتصال بحملة هاريس، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب خصوصية المناقشات.
دعم الجمهوريين والديمقراطيين
استغل الديمقراطيون تغيير اسم مرشحهم للسباق الرئاسي لإعادة صياغة رسالتهم بشأن العملات المشفرة. وفي 14 أغسطس، عُقد اجتماع شعبي بعنوان"كريبتو فور هاريس" بمشاركة سياسيين ديمقراطيين مثل السيناتور تشاك شومر وديبي ستابينو.
كما عقدت شركة "كوين بيس" فعاليات لقادة لاتينيين في كل من المؤتمرات الجمهورية والديمقراطية هذا العام. وبشكل متكرر، ينشر برايان أرمسترونغ صوراً له ولفريقه في الكابيتول هيل، كما دعا كل من يهتم بتشريعات العملات المشفرة للتوقف والتحدث معه أثناء تناول المثلجات.
وفقاً لموقع لجنة الانتخابات الفيدرالية، قدم "أرمسترونغ" نفسه حوالي 91 تبرعاً لكل من المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين، على مر السنين. ودعم الديمقراطي من نيويورك توم سوزي في ترشحه الأخير للكونغرس. وفي العام الماضي، ساهم أيضاً في حملة مجلس الشيوخ لجيه دي فانس، المرشح الجمهوري الحالي لمنصب نائب الرئيس.
جماعات الضغط من "كوين بيس"
تقوم "كوين بيس" بتكثيف جهودها في الضغط السياسي من خلال عشرات جماعات الضغط التي تعمل على دعم مصالحها. وهي أيضاً الجهة التي تقف وراء المنظمة المستقلة "ستاند ويذ كريبتو دوت أورغ" (StandWithCrypto.org)، التي أُطلقت العام الماضي. وتدعي المنظمة حالياً أنها تحظى بدعم أكثر من 1.3 مليون مؤيد. وبحسب المنظمة غير الربحية، فقد قامت شبكتها بتوجيه أكثر من 220 ألف رسالة بريد إلكتروني وإجراء مكالمات مع الكونغرس وصناع السياسات الآخرين.
وقال راجا كريشنامورثي، النائب ديمقراطي من إلينوي، إن "هناك عموماً الكثير من المناصرة التي تحدث على مستوى القاعدة الشعبية" و"من الواضخ وجود الكثير من الاهتمام بهذه القضية".
على مدى السنوات، قامت "كوين بيس" ببناء فرق داخلية متخصصة في الشؤون السياسية والقانونية، بالاعتماد على خبراء لديهم خلفيات في الحكومة. يشغل فاريار شيرزاد، كبير مسؤولي السياسات في الشركة، منصباً سابقاً كرئيس مشارك للشؤون الحكومية العالمية لدى "غولدمان ساكس"، وكان أيضاً عضواً في طاقم مجلس الأمن القومي خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش، بالإضافة إلى عمله في وزارة التجارة. أما بول غريوال، كبير المسؤولين القانونيين في "كوين بيس"، فقد انضم إلى الشركة في عام 2020 قادماً من "فيسبوك"، وعمل سابقاً قاضياً في محكمة الصلح الأميركية في المنطقة الشمالية من كاليفورنيا.
تثقيف المرشحين بقضايا التشفير
في عام 2021، عندما قام "أرمسترونغ" بتوظيف "شيرزاد"، لم يكن لدى "كوين بيس" سوى موظف واحد بدوام جزئي يركز على الشؤون السياسية، حسبما أشار في مقابلة. وأضاف شيرزاد أن الشركة اليوم تضم فريقاً كاملاً من الأشخاص الذين يركزون حصرياً على السياسات.
وتابع قائلاً: "تثقيف صناع السياسات والمرشحين على جميع المستويات هو أولوية بالنسبة لشركة (كوين بيس). حيث نستثمر الكثير من الوقت في تثقيفهم حول قضايا التشفير".
ومع ذلك، لا يقتصر دور الشركة على الوقت والتثقيف فقط. في بودكاست "مومنت أوف زين"، شرح "أرمسترونغ" كيف أن الاجتماعات التي كانت تبدو غير مثمرة مع المشرعين في السنوات السابقة دفعت الشركة إلى اعتماد نهج مشابه للقطاعات ذات النفوذ السياسي الكبير، مثل الصناعات الدوائية وقطاع الطاقة.
وقال "أرمسترونغ": "كنا كقطاع نجلس على طاولة الأطفال في واشنطن". وأضاف: "لكي نحظى بنفوذ سياسي حقيقي في واشنطن ونصبح مهمين، كان يجب القيام ببعض الأمور. أولها هو المال – أي أن على القطاع أن يقدم المزيد للجمعيات السياسية الكبرى. وثانياً، إطلاق حملة شعبية واسعة تضم مجموعة كبيرة من الناخبين"، وهو ما تطور لاحقاً إلى حملة "ستاند ويذ كريبتو". واعتبر أن هذه الجهود، إلى جانب حملات الضغط السياسي، تشكل "أركان القوة التي كان يجب أن يصل إليها القطاع".