لماذا يتحمس مجتمع التشفير لصناديق إيثريوم المتداولة بالبورصة؟

الموافقة على صناديق العملة المشفرة المتداولة تشير إلى تيسير القيود التنظيمية الأميركية

time reading iconدقائق القراءة - 9
شعار إيثريوم (يميناً) وبتكوين (يساراً) على لوح زجاجي - المصدر: بلومبرغ
شعار إيثريوم (يميناً) وبتكوين (يساراً) على لوح زجاجي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في خطوة بدت شبه مستحيلة في بداية عام 2024، وافقت الهيئات التنظيمية بالولايات المتحدة على أول الصناديق المتداولة في البورصة التي تستثمر مباشرة في عملة "إيثريوم"، وهي العملة الثانية في الترتيب بين أكبر العملات المشفرة في العالم بعد "بتكوين". 

كانت ثمانية من جهات الإصدار، منها "بلاك روك" و"إنفسكو" و"فيديليتي"، بين تلك التي حصلت على الضوء الأخضر من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في يوليو. وكثير منها كانت مشاركة عند إطلاق الصناديق المتداولة التي تتعامل مباشرة في "بتكوين" في شهر يناير. 

احتفى أنصار الأصول المشفرة بهذه الخطوة الفارقة، إلا أن الكثيرين لم يتوقعوا تدفقاً هائلاً للاستثمارات في تلك الصناديق مثلما حدث مع مجموعة صناديق "بتكوين" المتداولة. 

توقع خبراء مصرف "سيتي غروب" في تقديراتهم أن تشهد مجموعة صناديق إيثريوم دخول استثمارات تتراوح بين 4.7 مليار دولار و5.4 مليار دولار خلال 6 أشهر من بدء تداولها. 

وخلال الأسابيع الثلاثة الأولى من تداولها، سجلت صناديق إيثريوم المتاحة حالياً خروجاً صافياً للاستثمارات بقيمة 405 ملايين دولار – ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى صندوق "غراي سكيل إيثريوم ترست" (Grayscale Ethereum Trust)، حيث انتقل الصندوق من هيكله المغلق إلى صندوق متداول في البورصة مما دفع بعض المستثمرين للتخارج منه واستغلال هذه الفرصة. 

شهد صندوق إيثريوم التابع لشركة "بلاك روك" دخول أكبر كمية من الأموال الصافية التي بلغت حتى الآن 900 مليون دولار، وذلك مقارنة بالصناديق الأخرى في هذه المجموعة، ولكن هذه القيمة تبدو باهتة وشاحبة عند مقارنتها مع صندوق "بتكوين" المتداول التابع للشركة نفسها، الذي تجاوزت الأموال المتدفقة فيه عتبة المليار دولار خلال أقل من أسبوع واحد من بدء التداول. 

ما هي عملة إيثريوم؟ 

عملة إيثريوم هي العملة التابعة لشبكة "إيثريوم" لسلاسل الكتل، وهي أكثر شبكات "البلوكتشين" استخداماً من الناحية التجارية. وتعد شبكات "البلوكتشين" بمثابة سجلات إلكترونية لامركزية، تسجل فيها المعاملات، وتوفر إثبات الملكية عند استخدام الرموز المشفرة، وهي توصف غالباً بأنها الابتكار الرئيسي لعالم التشفير. 

يستطيع المستثمرون أن يحصلوا على دخل خامل عن طريق إتاحة الرموز المملوكة لهم مؤقتاً لشبكة إيثريوم التي تستخدمها للمساعدة على التحقق من المعاملات وإجازتها، وهي العملية التي تسمى تحصيص العملات المشفرة (staking)، وهي عملية تُستخدم في شبكات البلوكتشين التي تعتمد على آلية "إثبات الحصة" (Proof of Stake) أو أحد أنواعها. ولأسباب فنية، قد يكون الحصول على هذا الدخل أبسط كثيراً عند تحصيص العملة المشفرة من خلال صندوق متداول بالبورصة ثم من قبل المستثمر مباشرة. 

ما الذي دفع الهيئة إلى الموافقة على الصناديق؟

تُسلط الموافقة على صناديق إيثريوم المتداولة في البورصة الضوء على تيسير القيود التنظيمية الأميركية لقطاع الأصول الرقمية. وساعد الانتصار القانوني الفاصل الذي حققه هذا القطاع في عام 2023 في تمهيد الطريق أمام هذه المنتجات.

كذلك يقدم هذا القرار مزيداً من الوضوح بشأن وضع عملة إيثريوم في نظر هيئة الأوراق المالية والبورصات. حتى الآن، كانت الهيئة تتحرك غالباً لمنع توسع العملات المشفرة على أساس أن كثيراً من هذه الأصول المطروحة تشكل ورقة مالية، مما يعني أنه يجب تنظيمها بالطريقة التي يجري بها تنظيم الأسهم والسندات والعديد من الأصول الأخرى القابلة للتداول. 

ورغم أن رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، غاري غينسلر، يقول إن كثيراً من الأصول الرقمية هي أوراق مالية غير مسجلة، فقد رفض التصريح بما إذا كانت عملة إيثريوم جزءاً من الأصول التي يقصدها بهذا الحديث. 

أما "بتكوين"، وهي أكبر الأصول الرقمية في العالم، فكانت العملة المشفرة الوحيدة التي قال غينسلر بشكل قاطع إنها ليست ورقة مالية من وجهة نظره. فهو يعتبرها سلعة.

يكمن الفرق بين "بتكوين" وإيثريوم في نظر هيئة الأوراق المالية والبورصات في آلية إيداع العملات المشفرة على شبكة "إيثريوم". فإيداع الأموال في وعاء مشترك والحصول على عائد يفاجئ العديد من المنظمين بأنه يستوفي تعريف الورقة المالية. وهذا يعني أن طلبات تأسيس صناديق إيثريوم المتداولة في البورصة التي اقترحت السماح لها بتحصيص العملة المشفرة كانت تعتبر من الأمور التي يرجح عدم الموافقة عليها. 

تعهدت جهات الإصدار لاحقاً بالاحتفاظ بعملات إيثريوم التي تشتريها لصالح الصناديق المتداولة خارج برامج التحصيص على سلسلة الكتل "إيثريوم"، وأضافت أنها لن تستثمر أيضاً في المشتقات المرتبطة بعملة إيثريوم. 

ولم تفصح هيئة الأوراق المالية والبورصات عن الأسباب التي دفعتها إلى الموافقة، ولكن على الأرجح، كان لهذه الأشكال من التنازلات دور في ذلك.

ماذا حدث عند الموافقة على صناديق إيثريوم المتداولة في البورصة؟

عندما جرى إطلاق الصناديق المتداولة في البورصة التي تتعامل مباشرة في "بتكوين" لأول مرة، اعتُبر ذلك نجاحاً كبيراً استناداً إلى معايير التداول الرئيسية مثل تدفق الاستثمارات وحجم التداول. وارتفع سعر العملة المشفرة إلى مستوى قياسي، وأصبح صندوقا "بتكوين" اللذان أصدرتهما "بلاك روك" و"فيديليتي" هما الصندوقان الوحيدان في عالم صناديق الاستثمار المتداولة اللذان يجتذبان أكثر من 3 مليارات دولار في أول 20 يوماً من تداولهما، بحسب "بلومبرغ إنتليجنس". 

على النقيض من ذلك، كان إطلاق الصناديق المتداولة في البورصة التي تتعامل مباشرة في عملة إيثريوم حدثاً هادئاً بالتأكيد. وحتى منتصف أغسطس الحالي، لا تزال شركة "بلاك روك" في المركز الأول، وتأتي "فيديليتي" في المرتبة الثانية بفارق كبير، حيث بلغ صافي الأموال الداخلة إلى صندوقها منذ إطلاقه 342 مليون دولار. 

بدأ الاستثمار في الانتعاش مع تسجيل مجموعة الصناديق التسعة أول أسبوع إيجابي في صافي الاستثمارات الداخلة عند إغلاق السوق في 9 أغسطس. 

ما الذي نتوقعه؟

كتب الخبيران الاستراتيجيان في "بلومبرغ إنتليجنس" جيمس سيفارت وإريك بالشوناس في يوليو الماضي، أنه من المرجح أن تجتذب صناديق "بلاك روك" و"فيديليتي" أكبر حجم من الاستثمارات والأصول بشكل عام. وتوقعا أن تبلغ قيمة الاستثمارات المتدفقة في صناديق إيثريوم المتداولة في البورصة على مدار العام المقبل نحو 20% من الاستثمارات المتدفقة في صناديق "بتكوين" المتداولة، وهو ما يرتبط بالتوقعات السابقة التي تراوحت بين 5 إلى 6 مليارات دولار بالنسبة للأموال الداخلة إلى صناديق إيثريوم المتداولة في البورصة.

حققت منتجات مماثلة أداءً أفضل خارج الولايات المتحدة، مثل هونغ كونغ وكندا والسويد وسويسرا، حيث أطلقت صناديق إيثريوم و"بتكوين" المتداولة في البورصة مؤخراً. 

قد يكون أحد الأسباب الرئيسية للاختلاف هو أن الولايات القضائية الأخرى لديها صناديق متداولة تسمح بتحصيص العملات المشفرة وتحقيق عائد من هذه الودائع. وقد طرحت بعض المناطق، مثل الاتحاد الأوروبي، منتجات متداولة في البورصة مرتبطة بالعملات الرقمية منذ سنوات عديدة. 

ما أهمية الصناديق المتداولة في البورصة للتعامل الفوري على إيثريوم؟ 

أصبحت صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة وسيلة شائعة للغاية بالنسبة للأميركيين لاستثمار أموالهم في الأسهم والسندات والسلع والعملات والعقارات، لأنها تجعل ذلك الاستثمار عملية سهلة. وهذا صحيح في سياق العملات المشفرة أيضاً، فبدلاً من الاضطرار إلى الخوض في الآليات الفنية لشراء العملات المشفرة مباشرةً في بورصات التشفير أو من متداولين آخرين، يشتري المستثمرون أسهماً من صناديق المؤشرات المتداولة المرتبطة بها في بورصة عامة للحصول على نفس فرصة الاستثمار. 

اعتُبر طرح الصناديق المتداولة في البورصة للتعامل المباشر في "بتكوين" في يناير إنجازاً كبيراً لأنها تحتفظ فعلياً بـ"بتكوين" في حيازتها، على عكس المنتجات التي كانت متاحة قبل ذلك، والتي كانت تستثمر في عقود "بتكوين" المستقبلية – وهي عقود مشتقات لشراء أو بيع أصل من الأصول بسعر محدد في تاريخ لاحق. ومن المُفترض أن الأمر نفسه ينطبق على صناديق إيثريوم المتداولة في البورصة، وهناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا نعتقد أنها تحظى بشعبية بين المستثمرين الأفراد.

من الذي يستثمر في هذه الصناديق المتداولة؟ 

لم تُعلن البيانات حول ماهية مستثمري إيثريوم، ولكننا نستطيع أن نرى من هم المهتمون بصناديق "بتكوين" المتداولة في البورصة حتى الآن. ففي حين أن المستثمرين الأفراد يشكلون معظم المشترين، كشفت أحدث تقارير "13F" التي قدمت إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات في مايو أن صناديق التحوط وصناديق التقاعد والبنوك قد ضخت بعض الأموال في صناديق "بتكوين" المتداولة في البورصة. 

كانت صناديق التحوط من بين أشهر المشترين مثل صندوق "ميلينيم مانجمنت" (Millennium Management)، الذي يمتلك أسهماً بقيمة ملياري دولار تقريباً في أربعة على الأقل من صناديق "بتكوين" المتداولة في البورصة، بالإضافة إلى شركة "بوينت72 أسيت مانجمنت" (Steven Cohen’s Point72 Asset Management) التابعة لستيفن كوهين، وشركة "إليوت إنفستمنت مانجمنت" (Elliott Investment Management).

تصنيفات

قصص قد تهمك