الشرق
أبريل الماضي، أنهيت قراءة كتاب "اختطاف بتكوين" الذي أصدره قبل أسابيع رجل الأعمال الأميركي والمستثمر في "سلاسل الكتل" (بلوكتشين) روجر فير، ليوثق فيه صراعاته الطويلة ضد الفريق المشرف على كود العملة المشفرة.
في الكتاب، يتهم فير خصومه بالانحراف عن الرؤية الأصلية لرمز "بتكوين"، التي كانت تطمح لتقديم بديل لا مركزي للدولار واليورو وسائر العملات النقدية. مثل غيره من غالبية الكتب المشابهة، امتلأت صفحاته بتفاصيل تقنية شديدة التعقيد تحصر جمهوره في فئة قليلة من المهتمين بالبنية التحتية للعملات المشفرة.
يغوص فير في تفصيل نقاشات دارت على منتديات الإنترنت وصفحات "ريديت" منذ سنين خلت، ويصيغها بأسلوب ينحاز لإثبات كم كان محقاً، وكم كان خصومه حمقى، وهو ما يشي بأن فورة الغضب داخله ظلت كما هي منذ عقد أو أكثر. ويشرح فير الأسباب التي دفعته للتمرد على بتكوين، وإنشاء عملة مشفرة موازية عام 2017 أسماها "بتكوين كاش".
اقرأ أيضاً: أميركا توافق على إدراج منتجات مرتبطة بالعملة المشفرة "إيثر"
فور انتهائي من الكتاب، طاف في رأسي العديد من الأسئلة. ما الذي يطمح فير لتحقيقه من خلال نشر الكتاب اليوم، في وقت يسجل فيه سعر بتكوين رقماً قياسياً تلو الآخر؟ ولماذا لم تجذب عملته البديلة اهتماماً يُذكر؟ أردت أن أسأله أكثر عن الأيام الأولى للعملة العجيبة التي تركت الهامش، وصارت تحتل فقرة يومية ثابتة على شاشات قنوات الاقتصاد. أردت أن أسأله عن مستقبل "بلوكتشين"، وعن رأيه في بعض الشخصيات البارزة في هذا المجال، وغيرها. تواصلت مع مساعدته الشخصية، حين علمت أنه سيحضر أحد مؤتمرات الكريبتو التي تستضيفها دبي، وحددنا موعداً للمقابلة، وبدأت في التحضير للحوار.
بالجهد والأموال
منذ 13 عاماً، وتحديداً في أبريل 2011، خرج فير في فيديو على "يوتيوب" ليعلن تحدياً جريئاً، حيث تنبأ بأن أداء العملة المشفرة سيكون أفضل مرتين على الأقل من سائر الأصول الأخرى مثل الذهب والأسهم بنهاية العام، وفي حال فشلت توقعاته، فسيدفع 10 آلاف دولار لمن يقبل الرهان. وقتها، كان سعر بتكوين 10 دولارات فقط، ولكنها كانت كافية لمضاعفة ثروة فير مرات عديدة، فقد كان أحد المستثمرين الأوائل فيها وسعرها أقل من دولار واحد.
خلال هذه الفترة، لم يبخل فير بالجهد والمال للتبشير بمستقبل العملات المشفرة والحديث عنها ليلاً ونهاراً في المؤتمرات والندوات والمحافل وغرف الدردشة والمنتديات ووسائل التواصل، حتى اكتسب لقبه الذي ظل لصيقاً له منذ ذلك الحين: "مبشر بتكوين". لكن أسلوبه كان بالتأكيد أبعد ما يكون عن الإقناع الهادئ والتسامح مع الخصوم، إذ اشتهر بعباراته الاستفزازية ولهجته المتحدية، وسخريته الدائمة من المشككين في بتكوين ومتهميها بأنها إحدى مخططات بونزي الهرمية لا أكثر.
اقرأ أيضاً: "كوين بيس" تستهدف أموال المتقاعدين في أستراليا بمنتجات جديدة
زاد من مكانة فير تحمسه الشديد لكل قادم جديد لتقنية "بلوكتشين"، فكان من أوائل المستثمرين الملائكيين في عملة "ريبل" (Ripple) وبورصة "كراكن" (Kraken)، والعديد من الشركات الناشئة الأخرى. أسس أيضاً موقع "بتكوين دوت كوم" (bitcoin.com)، والذي ظل لسنوات أحد المصادر الرئيسية والأكثر موثوقية للمعلومات عن هذه المساحة، التي كانت لفترة طويلة خارج نطاق اهتمام الصحافة الاقتصادية الجادة.
لكن ما الذي جذبه أصلاً لرمز بتكوين؟
شفرات ومتفجرات
لا يهم كثيراً هوية ساتوشي ناكاموتو الذي نشر الورقة البيضاء المؤسسة لعملة بتكوين عام 2008. الأهم هو أن رؤيته وأهدافه خرجت من وسط جماعات الـ"كريبتو سايفر" واليمين الأناركي الذي يرى في الكود "سلاحاً" لمواجهة سطوة الدولة، وفي الكود مُعيناً على التخفي من الرقابة، وفي قواعد السوق الحرة بديلاً عادلاً عن كل الدساتير والقوانين.
تكشف دراسة لباحثين من "جامعة إلينوي" الأميركية الاتجاهات السياسية للمتبنين الأوائل لفكرة بتكوين، فتوضح أن أكثر من نصفهم كانوا يعرفون أنفسهم كليبرتانيين، أو أناركيين، أو محافظين. صحيح أن العملة في بدايتها اجتذبت آلاف الراغبين في شراء الأسلحة والمتفجرات والمخدرات، خاصة عبر سوق "سيلك رود" (طريق الحرير) الذي لعب دوراً في نشر بتكوين، لكن حتى هذه السوق كان لها جانب أيديولوجي، فقد كانت تمنع مثلاً بيع خدمات تزوير عقود الملكية أو تذاكر الحفلات، لما في ذلك من اعتداء على الملكية الفردية المقدسة عما سواها.
كان من الطبيعي إذاً أن ينجذب فير إلى هذا المجتمع، فترك دراسته بعد عام واحد في الجامعة، وأسس عدداً من الأعمال التجارية، وحاول الترشح في انتخابات محلية بولاية كاليفورنيا ممثلاً عن الحزب الليبرتاني، لكنه لم ينجح.
اقرأ أيضاً: قراصنة يسلبون صندوق شركة العملات المشفرة "بلوك تاور"
عام 2002، حين كان عمره 23 عاماً، ألقت السلطات القبض عليه بتهمة بيع متفجرات بلا ترخيص على الإنترنت، وهي تهمة أنكرها وقال إنه كان يبيع ألعاباً نارية هدفها إخافة الطيور، تُستخدم لحماية الحقول الزراعية. قضى فير في سجن فيدرالي نحو 10 أشهر، وخرج منه بنقمة أعمق تجاه السلطة.
استكمل فير مسيرة أعماله التجارية المتنوعة وهاجر إلى اليابان عام 2006، وصار مليونيراً قبل أن يكمل عامه الخامس والعشرين. إلا أن ثروته الحقيقية تكوّنت باستثماره في بتكوين، التي وجد فيها نقطة التقاء بين روحه الريادية وميوله السياسية. تسارعت جهود فير في الدعوة للعملات المشفرة، والترويج لوعودها بأنها ستحقق للبشرية مساراً حقيقياً للتحرر من سلطة الحكومات والبنوك وشركات الصرافة ونظام "سويفت" وكافة النظم المركزية. كان فير محباً للرياضات القتالية، يخوض في الواقع مباريات الملاكمة وجوجيتسو، ويخوض على الإنترنت المعارك السياسية والفكرية، ويصف نفسه صراحة بأنه مثير للجدل.
تضاعفت شهرة فير في 2014 حين أعلن تخليه عن الجنسية الأميركية، وحصوله على جنسية سانت كيتس ونيفيس، إحدى جزر الكاريبي، ودعوته المفتوحة لأصحاب الملايين الجدد لأن يحافظوا على ثرواتهم بعيداً عن أيدي الحكومة، واللحاق به إلى الملاذ الضريبي الشهير، وبهذا ظن أنه قد أمن الحساب من الحكومة الأميركية للأبد. كم كان مخطئاً!
صراع الكتل
تدور أحداث كتاب فير عن الصراع الذي انفجر داخل مجتمع بتكوين عام 2015، وهو صراع سببه في الظاهر أمر واحد: ما هو الحجم الأمثل للكتلة في سلسلة كتل بتكوين؟ هل يجب أن تكون الكتلة كبيرة أو صغيرة؟ لفهم أسباب الخلاف ودلالته، وجب الابتعاد عن الغوص في التفاصيل التقنية التي يعج بها الكتاب، والنظر إلى العلاقة الوطيدة بين كود بتكوين وأيديولوجية مبتكرها.
بتكوين ببساطة هي سجل طويل أشبه بجداول برنامج "إكسل". جدول به خانة لأرقام المحافظ الإلكترونية للمستخدمين في ناحية، وخانة مقابلة بها عدد العملات الموجودة في كل محفظة. الهدف الرئيسي هو أن يرسل المستخدمون العملات لبعضهم البعض دون وسيط. فمن يوثق المعاملات إذا؟ بعبارة أخرى، من يكتب الخانات الجديدة في هذا الجدول الممتد؟
ظهرت تقنية سلاسل الكتل قبل عملة بتكوين بسنوات، وكان هدفها الأصلي ابتكار بدائل لامركزية لمختلف الأغراض، مثل توثيق عقود البيع والشراء، والملكية الفكرية للسيناريوهات والابتكارات العلمية، إلخ..
وقد ناقش المنظرون أساليب مختلفة تعتمد على التعاون والمشاركة لتوزيع مهام التوثيق بالعدل، فيتولي الكود اختيار بعض المستخدمين عشوائياً في كل مرة تظهر الحاجة لكتابة سطر جديد، مع إضافة بعض الحيل التقنية التي تمنع تواطئهم أو تحالفهم على تزوير السجل.
اقرأ أيضاً: "كيو سي بي" لمشتقات التشفير تحصل على ترخيص للعمل في أبوظبي
ساتوشي لم يأخذ بهذه الحلول، بل ابتكر حلاً رأسمالياً صرفاً يعتمد على المنافسة والحوافز. يتسابق مجموعة خاصة من المستخدمين، الذين يسمون بالمعدّنين، على كتابة الخانات الجديدة في الجدول، وتوثيق "بلوك" يحوي آخر التداولات. وبعد أن يبذل جميع المعدنين الجهد والطاقة الكهربائية اللازمة لإضافة السطر الجديد، يفوز من بينهم واحد فقط، ويحصد مكافأته في صورة عملات بتكوين جديدة، ويخرج الآخرون جميعاً خاليي الوفاض.
ويبقى السؤال الأخير.. ما هو حجم "البلوك"؟ أي كم عملية تداول جديدة تحدث، قبل أن يبدأ السباق بين المعدنين على توثيقها وإضافتها للسجل الدائم؟ كود بتكوين الحالي يحد حجم البلوك بواحد ميغابايت فقط. باختصار، ومن دون الدخول في حسابات طويلة، هذا يعني أن شبكة بتكوين في أسرع حالاتها تسمح بإجراء 7 تداولات في الثانية، مقارنة مثلاً بشبكة "فيزا" التي تمرر في الثانية الواحدة ما يزيد عن 60 ألف معاملة.
حين كانت بتكوين مشروعاً ناشئاً بين عدد قليل من المتطرفين والمتحمسين والمهووسين بالتقنيات الجديدة، وحتى تجار السلاح والمخدرات، كانت السرعة كافية، وكان التعدين سهلاً وممكناً بأي جهاز كمبيوتر منزلي.
حين كبرت الشبكة، وتضاعف عدد المستخدمين وقفز سعر بتكوين من عدة سنتات إلى آلاف الدولارت، لم تعد هذه الآلية مجدية على الإطلاق. صارت الشبكة أبطأ، وأقل قدرة على أن تصبح "كاش إلكتروني" كما كان مخططاً لها، وتضاعفت كلفة إجراء المعاملات حتى فاقت تلك التي تفرضها البنوك بآلاف المرات. تدهورت الشبكة أكثر حين ابتكر خبراء التعدين أجهزة خاصة مكرسة فقط لهذه المهمة، أسرع مئات المرات من أي كمبيوتر منزلي، ثم بدأ الكبار بالدخول في تحالفات تضمن فوزهم في سباقات التعدين، وتوزيع الجوائز في ما بينهم، وإخراج صغار المعدنين من الساحة.
شوكة في الحلق
كان ساتوشي قد انسحب تماماً من المشهد عام 2010، تاركاً إرثه الإلكتروني في يد مجموعة من الرعيل الأوائل. وقد أدى الخلاف إلى انقسامهم لمجموعتين. مجموعة "الأصوليين" الذين يرون كود بتكوين نصاً لا يجوز تغييره، وأن أي تعديل على الكود يجب أن يقتصر على صيانته والحفاظ على عمله بكفاءة من دون تغيير، ومجموعة "المجددين"، وعلى رأسهم فير، الذين يطالبون بتكبير حجم الكتلة للسماح بتدولات سريعة ورخيصة، وهو ما سيؤدي بدوره لانخفاض العوائد الباهظة التي يحصدها المعدنون، وعودة التعدين لأصوله المساواتية التي يمكن للجميع المشاركة فيها من منازلهم. كل مجموعة اتهمت الأخرى بخيانة العهد، وكل مجموعة نقبت في كلمات ساتوشي، واجتهدت في تفسيرها بما يخدم رؤيتها.
بحلول 2017، كان المبرمجون الأساسيون لبتكوين يصفون روجر فير بأنه "يهوذا بتكوين"، بعد أن قرر تنفيذ "شوكة صلبة" (Hard Fork). وهذا المصطلح هو تعبير تقني معناه نسخ عملة رقمية موجودة بالفعل، ثم إضافة خانات جديدة موازية، لخلق سلسلة كتل جديدة، لا علاقة لها بالسجل الأصلي.
بهذا، أنشأ فير عملة "بتكوين كاش"، المشابهة لبتكوين، والتي تحمل تاريخ العملة المشفرة الأساسية، مع فارق أن حجم الكتل الجديدة فيها يصل إلى 8 ميغابايت، ثم زادها لاحقاً إلى 32 ميغابايت، ما يسمح نظرياً بمئة عملية تداول في الثانية.
اقرأ أيضاً: هيئة الأوراق المالية الأميركية تحذر "روبن هود" من دعوى قضائية
لم تجذب "بتكوين كاش" عدداً كافياً من المستخدمين لاختبار صحة هذه الفرضية، وظلت جماعة "بتكون كاش" تدعو مؤيدي الكريبتو، ألا يتركوا الطريق الصحيح لقلة سالكيه، وأكدت أن العملة الجديدة الأصدق تعبيراً عن الرؤية الأصلية لساتوشي، وأنه كان لينحاز إليهم إن كان حاضراً.
الثورة التي لم تكن ثورة
يقر فير في كتابه أن المستخدمين الأوائل من متبني العملة المشفرة قد فشلوا في معركتهم. بتكوين لم تستبدل البنوك والمؤسسات المالية الكبرى، ولم تحرر الشعوب من سلطة الحكومات، ولم تشعل شرارة الثورة. لا أحد يهتم ببتكوين إلا لأنها أداة مضاربة عالية المخاطر. وفوق أحلام المضاربين نشأت صناعة ضخمة من بورصات العملات الرقمية وصناديق الاستثمار التي تحصد منهم الرسوم وبدلات الإدارة. ناهيك عن المجموعة المحدودة من الشركات التي استثمرت مئات الملايين، لبناء شبكة معقدة من مزارع التعدين حول العالم، حتى سيطرت على العملية كلها.
يظل فير متفائلاً لأن تقنية سلاسل الكتل ما زالت حديثة في عمر البشرية، بحسب تعبيره، ولأنه يأمل أن يتعلم الجيل الجديد من أخطائه، وهنا نقطة خلافي مع سرديته.
ظهرت بتكوين منذ 16 عاماً، وهي في مقياس التكنولوجيا عمر مديد ودهر تليد. بتكوين أقدم من نتفلكس، وتيك توك، والجيل الخامس من الاتصالات، وكريسبر لتعديل الجينات، ونظارات الواقع الافتراضي، والحوسبة السحابية، والصورايخ التي تصعد وتعود من السماء سالمة، ومئات التقنيات الأخرى التي غيرت العالم كما نعرفه، في حين ظلت هي من دون أثر يذكر على الحياة، سوى أنها أثرت مجموعة قليلة من المحظوظين. وأغلب هؤلاء المحظوظين لا يعنيهم إن كان مبرمجي بتكوين يعتنقون الأناركية أو أي أفكار أخرى، ولا يعنيهم إن كان حجم الكتلة كبيراً أو صغيراً أو متوسطاً.
اقرأ أيضاً: "كريبتو دوت كوم" تخطط لتعزيز حضورها في رعاية الألعاب الرياضية
بحسب الدراسة التي أجراها باحثو "جامعة إلينوي" عن مستخدمي بتكوين الأوائل، فإن الفجوة الطبقية بين المعدنين والمستخدمين العاديين تفاقمت بسرعة شديدة، فبحلول عام 2009، أي بعد عام واحد من انطلاق العملة المشفرة، كان المعدنون يملكون ضعف عملات بتكوين التي يملكها سواهم. وقد ظن البعض أن اقتصادات السوق وتأثير اقتصاد التنقيط من أعلى (Trickle Down Economy) سيغيران الوضع، وأثبت الزمن أنهم واهمون.
من هنا تبرز نقطة خلافي الثاني في سردية فير. فشل بتكوين لم يكن بسبب خسارة المعركة ضد المعدنين الكبار، بل بسبب التناقضات الأيديولوجية العميقة التي تجلت في سطور الكود، وكتبت فشلها المحتوم. فكيف تبني شبكة قائمة على معادلة صفرية من المنافسة الشرسة، وتتوقع أن ينتج عنها عملاً جماعياً يصب في مصلحة الغالبية؟ كيف تصمم منظومة تكافئ الطمع، وتصاب بالدهشة حين يتمسك الطامعون بمكاسبهم؟ ألم يكن الفشل الذريع لبتكوين، والإقبال المحدود على البديل الذي يوصف بأنه "الأكثر ديمقراطية" أي "بتكوين كاش" دافعاً كافياً لفير كي يراجع أفكاره؟
الموت والضرائب
بحسب آخر فيديوهات ظهر فيها فير، فالإجابة باختصار: لا. ظل فير مستثمراً مغامراً في مشاريع الكريبتو، ومتحدثاً نشطاً يجوب المؤتمرات المختلفة حول العالم. لا يتورع في رفع إصبعه الأوسط في وجه مخالفيه، وهو يحدثهم بحماس عن الحرية المطلقة، وعن الفردانية المتطرفة، والمستقبل الذي يعيش فيه كل إنسان متحرراً من كل التزام تجاه أي حكومة وكل مجتمع.
يوم 29 أبريل الماضي، وصلني بريد إلكتروني من مساعدة فير تخبرني بأنه سيضطر لتأجيل حوارنا أسبوعين على الأقل، لأسباب شخصية طارئة. يوم 30 أبريل، أعلنت وزارة العدل الأميركية القبض على روجر فير في إسبانيا خلال قضائه عطلة نهاية الأسبوع، وأنها ستطالب بترحيله إلى الولايات المتحدة، بتهم الاحتيال البريدي والتهرب الضريبي.
بحسب صحيفة الاتهام، فإن فير حين أراد تصفية أعماله ودفع ضرائبه تمهيداً لتخليه عن جنسيته الأميركية، أخفى نحو 70 ألف عملة بتكوين كانت تحت إدارة شركاته، ثم باعها لحسابه في وقت لاحق بحوالي 240 مليون دولار. تقول وزارة العدل إنه من خلال الألاعيب المحاسبية المعقدة، أضاع على مصلحة الضرائب نحو 50 مليون دولار.
اقرأ أيضاً: هبوط بتكوين تحذير للأسواق العالمية من "مشاكل مقبلة"
هكذا، فقدت فرصتي في لقاء "مبشر بتكوين"، ولم يبق أمامي سوى فيديوهاته وحواراته الصحفية وكتابه الوحيد، ليرسموا 13 عاماً من المعارك السياسية والفكرية والاقتصادية التي أحاطت بالعملات المشفرة. يقول المثل الأميركي أن "لا شيء دائم في الحياة سوى الموت والضرائب". ما زال فير في الخامسة والأربعين من عمره، وقد أدركته الضرائب، ولربما يمتد العمر بنا حتى أجري معه حوارنا المخطط، قبل أن يدرك أحدنا الديمومة الأولى.