بلومبرغ
تتحول منظومة "إيثريوم" وهي الشبكة التجارية الأبرز في مجال التشفير والتي تتعامل مع عمليات بمليارات الدولارات، إلى المركزية بشكل متزايد.
أعلنت الشركة المزودة للبنية التحتية لسلاسل الكتل (بلوكتشين) "بلوكنايتيف" (Blocknative) في 27 سبتمبر الماضي، أنها ستتوقف عن القيام بدور ما يطلق عليه "المُوصلات"، ما يعني توقفها عن المشاركة في إضافة سلسلة من المعاملات إلى سلاسل الكتل الخاصة بـ"إيثريوم".
("المُوصلات" وهي عقود ذكية خاصة بشبكة "إيثريوم"، تعمل على نقل المعلومات بين الكتل المنفصلة، وتقوم بتعقب المعلومات على الكتل والمساعدة في إثبات وجود معاملة ما بين كتلة وأخرى).
هذا القرار سيترك عقود "المُوصلات" بيد 4 لاعبين رئيسيين آخرين فقط، كما يثير القلق من مشكلات محتملة، بدءاً من الرقابة على المعاملات إلى سرقة أرباح المشغلين الرئيسيين الآخرين.
تأتي مشكلة "المُوصلات" هذه في وقت تواجه فيه "إيثريوم" بالفعل مخاوف تتعلق بالمركزية في أجزاء أخرى من عملياتها.
تعمل الشبكة بشكل مشترك من قبل منصات "المُوصلات" المسؤولة عن تجميع معظم المعاملات في كتل والتدقيق بها، بالإضافة إلى أطراف أخرى تُسمى منصات "البناء" تعمل على تنظيم الكتل في سلسلة الكتل. وتهيمن قلة من المشاركين على مهمات "المُوصلات" و"البناء". وعليه، فإن تراجع دور "المُوصلات" هو أمر مثير للقلق بشكل خاص.
قال أوري كلارمان، الرئيس التنفيذي لشركة "بلوكسروت لابس" (bloXroute Labs)، التي تقدم خدمات من بينها "المُوصلات"، إن "هذا الأمر غير مهم طالما أن الأمور على ما يرام، كل شيء على ما يرام حتى يتغير ذلك. وعند حدوث هذا التغيير، فلن يكون هناك وقت لإصلاح هذه الفجوة".
اقرأ أيضاً:"إيثريوم" تتخلف عن مواكبة صعود "بتكوين" وسط غموض تنظيمي للعملات المشفرة
تأثير منصات "الموصلات"
قد ترفض منصات "المُوصلات" تنفيذ معاملات من محافظ رقمية محددة، على سبيل المثال، امتثالاً لعقوبات فرضتها جهات حكومية، أو من تلقاء أنفسها. قال كلارمان إنها من حيث المبدأ، قادرة على سرقة أرباح أطراف تشغيل شبكات رئيسية أخرى.
يمكن أن يؤثر أي خلل في منصات "المُوصلات" أيضاً بشكل كبير على الشبكة، وقد "يؤدي إلى تأخر الكتل أو ضياعها" في السلسلة، بحسب جيم ماكدونالد، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة "أتستانت" (Attestant)، وهي شركة ضخمة مزودة لإيثريوم.
يتعارض هذا التطور مع جوهر عملية التشفير اللامركزية، التي نشأت وسط تداعيات الأزمة المالية العالمية كرد فعل ضد "سيطرة الشركات والحكومات".
في الوقت الحالي، لا تملك منصات "المُوصلات" سوى قدر محدود من الحوافز المالية، والعديد من هذه الحوافز متوفر ببساطة لدعم الشبكة، أو في إطار شركات تقدم هذه الخدمة بشكل فرعي.
قال كلارمان إن تشغيل منصة "المُوصلات" يكلف 500 ألف دولار إلى مليون دولار سنوياً، ولا تجني هذه المنصات أموالاً كافية مقابل ذلك. ويتم البحث في طرق لتعويض المنصات منذ العام الماضي، وتحديداً عندما انتقلت شبكة إيثريوم إلى نظام إثبات الحصة الجديد الخاص بها لطلب المعاملات التي تستخدم هذه المنصات ومنصات البناء والتدقيق، ولكن لم يتم اختيار أي من هذه الطرق.
أضاف كلارمان: "مر عام، وهذا أمر غير مستدام"، مضيفاً أنه "من أجل منع منصات الموصلات من الانسحاب، قد تحتاج منصات البناء مشاركة الإيرادات معها".
كذلك، تتسم فئة منصات البناء بالمركزية الشديدة. وقبل عام، هيمنت منصة "فلاش بوتس" (Flashbots) فقط على السوق، إلا أن المشهد الحالي يضم 4 منصات بناء، بما في ذلك منصة تديرها شركة صناعة سوق التشفير "وينترميوت" (Wintermute)، حيث تفيد بيانات شركة "ريلايسكان" (Relayscan.io) أن هذه المنصات تمثل غالبية عمليات بناء السلاسل.
اقرأ أيضاً: أكبر مُزود لخدمات الرهان على "إيثريوم" يواجه مشكلة "المركزية"
مخاوف التزوير
قال ليلاند لي، نائب الرئيس في "غالاكسي ديجيتال" (Galaxy Digital) والخبير المعتمد في مجال مخاطر تركيز العملات المشفرة إن "الطابع المركزي لمنصات البناء يمثل المشكلة الأولى التي تواجهها شبكة إيثريوم، بالإضافة إلى مشكلة النمو بالطبع".
يعمل مبرمجو "إيثريوم" على حلول محتملة، والتي يمكن تسريع تطويرها إذا لزم الأمر، بحسب بن إدغنغتون، وهو مالك منتج في شركة "كونسنسيس" (Consensys) للبنية التحتية لـ"إيثريوم".
وقال إنهم يبحثون في عدد من الحلول، مثل الكشف التلقائي عن المعاملات الخاضعة للرقابة، وفرض عقوبات على منصات البناء ومراقبتها.
ما يفاقم هذه المشكلات أن مجموعة تسمى "ليدو" تهيمن حالياً على حصة 32.3% من إجمالي قوة التدقيق. وتُمكّن السيطرة على 34% من قوة التدقيق المنصة من تزييف المعاملات في حال رغبت بذلك.
ذكر تقرير حديث لشركة الأبحاث "ميساري" (Messari) أنه من غير المرجح أن تهاجم مجموعة "ليدو" إيثريوم بأي هيمنة، لإنَّ "الضرر المحتمل من أي هجوم يزداد بعد أن تتجاوز ليدو حصة 33%. يجدر بشبكة إيثريوم أن تتخلص من احتمال وقوع مثل هذا الهجوم".
قال جيم ماكدونالد إن التغيير في برنامج إيثريوم الذي من المتوقع أن يحدث في غضون بضعة أشهر، ويحد من دخول منصات تدقيق جديدة، يمكن أن يساعد "ليدو" وعملاتها المشفرة بما في ذلك عملة "ستيث" (stEth)، على النمو بشكل أكبر.
تعمل "ليدو" على تحقيق اللامركزية في عملياتها، حتى لا ينظر إليها ككيان واحد، أو أنها تعمل وفق هذا التصور، لكنها لم تصل إلى هذا المستوى.
قال إدغينغتون: "بروتوكول المعاملات لا يتضمن بنداً يُمكنّا بشكل واقعي من تقليص حصة ليدو. فبالإضافة إلى التوافق المجتمعي على عدم زيادة الاستثمار في عملة ستيث، فإن الرافعة الوحيدة لدينا هي التهديد باستبعاد أو فرض رقابة على منصات التدقيق التي تسيطر عليها ليدو في المستقبل، إذا كان يُعتقد أنها تمارس أنشطتها بما يخالف البروتوكول".
ومع ذلك، فإن مثل هذا القرار "لن يطال فرق العمل المركزية فحسب، ولكنه سيشمل جميع أصحاب المصلحة الذين يديرون شبكات تبادل المعاملات. يمكن اعتبار هذا الخيار الملاذ الأخير، ولكنه قابل للتطبيق في النهاية".