تحظى فقاعات الاستثمار بسمعة سيئة. ربما ينبغي علينا التقليل من الاستهزاء بها، ونُعرب عن امتناننا لها أكثر قليلاً. لماذا؟ لأنَّها في الوقت الذي تخلف به حالة هائلة من البؤس عقب انفجارها؛ تترك وراءها أيضاً في نهاية المطاف أشياء جيدة مدفوعة من رؤوس أموال أشخاص آخرين.
على سبيل المثال، نتج عن فقاعة الدراجات الهوائية عام 1896، وجود دراجات أفضل، وحسنت بصورة كبيرة من جودة الطرق في الولايات المتحدة. وكما أشار ساندي نيرن في كتابه الصادر عام 2002 بعنوان: "المحركات التي تحرك الأسواق" (وهو كتاب يتوجب أن يقرأه أي فرد يهتم بطريقة تحريك التكنولوجيا الحديثة للفقاعات)، ففي ذلك الوقت؛ "كانت هناك ندرة في الطرق الممهدة"، ومن خلال ظهورها، مهدت طفرة الدراجات الطريق أمام وصول السيارات.
ثورة الفقاعات
قدّم لنا الاستثمار المفرط في تصنيع السيارات مطلع القرن العشرين - 600 شركة تصنيع سيارات جديدة تقريباً جرى إطلاقها في الولايات المتحدة بين 1908 و1910 - سيارات ذات محركات احتراق سريعة، وتتمتع بكفاءة على نحو مذهل. كانت السيارة الأولى بطيئة للغاية، كما أنَّ المعارضين لها اعتادوا الوقوف على جوانب الطرق وهم يصرخون في وجه السائقين "احصل على حصان". حالياً، نحتاج إلى فرض قيود على السرعة لمنع كل الأشخاص من القيادة بسرعة 150 ميلاً بالساعة.
رسوم بيانية تُظهر مخاوف انفجار "فقاعات الأصول" في 2022
خلفت لنا فقاعة جرس الغوص خلال حقبة التسعينيات من القرن التاسع عشر تكنولوجيا غوص أفضل (كل ذلك للعثور على حطام السفن). كما وفرت فقاعة السكك الحديدية لنا سككاً حديدية (في المملكة المتحدة، أحدثت ثورة في علم المحاسبة). وقدمت لنا فقاعة التكنولوجيا، البنية التحتية للإنترنت الحديث، فيما خلفت لنا فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة عام 2007 على الأقل منازل كثيرة على إثرها. حتى فقاعة زهرة الزنبق المتفجرة؛ فقد خلفت لنا بعض زهور الزنبق الجميلة للغاية وبعض اللوحات الفنية الرائعة (شجعت حالة من التركيز على استعراض الزهور). كما أنَّ فقاعة بحر الجنوب في المملكة المتحدة، بينما كانت تقوم بالأساس على حكايات سخيفة؛ فإنَّها طورت البنية التحتية المرتبطة بالشركات المساهمة إلى حد ما.
تستطيع أن تدرك الموقف. بصفة عامة، لا يعد تاريخ أولئك الذين يمتلكون المال وحب القصص الجيدة الذين يتجهون نحو إنفاق رأس المال غير المربح، والذي يعتبر مفيداً في المدى البعيد، تاريخاً سيئاً.
العملات المشفرة
منذ ذلك الوقت حتى فقاعة العملات المشفرة الكبرى حالياً، لسوء الحظ؛ يظهر الأمر وكأنَّه شيء غير مألوف، ولا تخلف وراءها إلا المتاعب عندما تنفجر.
هذا أمر يعرفه سام بانكمان فريد بطريقة سريعة. بلغت ثروة مؤسس بورصة العملات المشفَّرة "إف تي إكس" 26 مليار دولار، وهي حالياً لا تساوي أي شيء. قد تقول، لسبب ما، إنَّ انهياره لا يرتبط بقصور في العملات المشفَّرة بل بالقصور الواقعي بمنصة التداول. هذا صحيح بطريقة جزئية. إنَّها، على صعيد أغلب النواحي، حكاية معتادة للغاية حول الجشع والاحتيال المحتمل (لا تعتبر قصة اقتراض شركة لودائع عملائها لاستخدامها في المضاربة جديدة نهائياً) وأزمة نقص سيولة مالية. ربما لا يوجد من يفرّق ذلك عن نوع من الفجوة المؤقتة بين القيمة المتصورة لمحفظة الأصول وقيمتها الاقتصادية طويلة الأجل التي تظهر مع نهاية كل فقاعة أصول.
"المركزي" الهندي يحذر رئيس الوزراء: العملات المشفرة "أسلوب احتيال"
برغم ذلك؛ يتعين أن تذكرنا الكارثة البائسة بهشاشة حالة سوق العملات المشفَّرة عموماً.
الحياة من دون "بتكوين"
عليك أن تحاول تخيل العالم من دون وجود "بتكوين" و"إيثر"و"ريبل" و"لايتكوين"، وغيرها من العملات المشفَّرة. أظن أنَّك ستجدها مسألة بسيطة. يعود ذلك إلى أنَّها لا تعد جزءاً أساسياً من حياتك بأي صورة من الصور. أنت لا تستخدمها، ولا تنفقها، ولا تفكر فيها كوسيلة للتجارة أو كعملة، وعلى الأرجح لا وجود لها في معاشك التقاعدي. وفي حال سألك أي فرد عن أي مشكلة في حياتك قد تكون هي بمثابة الحل لها، ربما لن تستطيع التفكير في أي منها. هذا أمر منطقي. أنا لا أستطيع ذلك أيضاً.
يخبرنا المؤيدون أنَّه بفضل المعروض الضئيل، تعتبر "بتكوين" وسيلة تحوط بارعة ضد التضخم، ومن ثم فهي مخزن رائع للثروة. لكن بينما تولد الندرة المقترنة بالمنفعة أو الجاذبية قيمة جوهرية؛ فإنَّ الندرة وحدها لا تقوم بذلك. ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة بمعدل 11.1%، وهبطت عملة "بتكوين" 62% بالجنيه الإسترليني خلال العام الجاري (66% بالدولار الأميركي). لغاية الآن؛ يعتبر هذا الأمر سيئاً تماماً. لذلك هل يوجد سبب للاعتقاد بأنَّ هناك سيناريو للاستخدام الجيد للعملات المشفَّرة سيُضيف قيمة مع مرور الزمن؟
يقول المؤمنون بها، نعم - إنَّها قابلة للتحويل، وللتقسيم ببساطة، وللتحول لسيولة مالية، وهي مستقلة عن الحكومة، وتمثل ملكية خاصة، وإنَّ هذه الأمور تجعل منها جذابة. مع افتراض أنَّ منصتك لم تنهار، فقد تكون أول 3 أمور صحيحة. لكن؛ ألا يوفر حسابك المصرفي الأمر ذاته؟ وفيما يتعلق بالملكية الخاصة والمستقلة عن الحكومة؟ نستطيع العودة إلى ذلك بعد الفيض التنظيمي المقبل. والأسوأ من ذلك، أنَّه في حال كنت لا تستعمل منصة (يعتقد المتخصصون أنَّه من المفترض ألا تفعل ذلك)؛ قد تصبح كل هذه الأمور على نحو سريع غير ملائمة. ليس هناك دعم للعملاء. هل فقدت كلمة مرور الحساب الخاص بك؟ من المؤسف تماماً حدوث ذلك. لقد فقدت عملتك المشفَّرة أيضاً.
مخزن للقيمة
لا شيء من كل هذه الأمور يهم، قطعاً؛ إذا انجذب عدد كافٍ من الأفراد للموضوع بأكمله. إذا بدأ الجميع في قبول الأمر الواقع؛ فستصبح هذه العملات ذات قيمة حقيقية. في وقت سابق من العام الجاري، أشار مصرف "غولدمان ساكس" إلى أنَّ سعر عملة "بتكوين" ربما يبلغ 100 ألف دولار خلال 5 أعوام، إذا استخدمها أشخاص أكثر على اعتبار أنَّها مخزن للثروة بنفس حجم استخدام الذهب. هذا يعني، برغم ذلك، أنَّه في حال رآها عدد أقل من الناس على أنَّها مخزن للثروة (وأعتقد أنَّه باستطاعتنا افتراض أنَّ هذا هو الوضع حالياً)؛ فربما يبلغ السعر مستوى الصفر.
العملات المشفرة.. مخزن للقيمة أم فقاعة؟
المغزى، هو أنَّه بينما من الممكن أن يتخلف قدر من البنية التحتية المالية المفيدة على غرار فقاعة بحر الجنوب، يبدو من المرجح أنَّه بمجرد تخلي الأفراد الذين يؤمنون بعملة "بتكوين" عن الإيمان بها، لن يتبقى أي شيء إلا خسارة رأس المال، لا بصيلات زنبق، ولا دراجات هوائية، ولا أجراس غطس، ولا لوحات فنية. فما الذي تبقى للرسم؟
النبأ السار هو أنَّه، إذا كنت ترغب في الاحتفاظ بشيء يقوم حقاً بغالبية الأمور التي يرغب الأشخاص في أن تقوم بها عملة "بتكوين"؛ فهذا سيكون في متناولك. يحظى الذهب بالقبول على مستوى العالم كمخزن قيمة طويل الأجل. يؤدي المعدن النفيس وظيفته بصورة ملائمة باعتباره وسيلة للتحوط ضد التضخم، إذ صعد سعر الذهب للعقود الفورية بالجنيه الإسترليني 10.6% منذ مطلع العام الجاري. لذلك؛ من المفترض أن يشعر حائزوه في المملكة المتحدة بالسعادة. لا يحتاج ذلك إلى منصة أو كلمة مرور إذا كنت ترغب في إخراجه من مخبأه. يبدو الأمر لطيفاً ومفيداً ويصعب تزييفه، ويمكن تقسيمه ببساطة، ولا يعد موضوعاً لمناقشات لا نهائية حول محاولات تتعلق بطريقة تنظيمه.
ختاماً، تجدر الإشارة إلى أنَّ البنوك المركزية (التي تقبّلت حالياً أنَّ التضخم ليس مؤقتاً) يبدو أنَّها معجبة به للغاية. إنَّهم يشترون كميات كبيرة من الذهب، وهو رهان يدركون أنَّه جيد في المدى البعيد. ما لا يقومون بشرائه هو عملة "بتكوين"، وهو الأمر الذي يعلمون - على الأرجح - أنَّه غير جيد.