هناك عملة مشفرة مستوحاة من حيوان أليف –وهي لا تحتاج إلى دعاية إضافية مني- تدعم تسويق بضاعتها الرقمية في نظام النقل العام في لندن. لكن في هذه المرة، تحمل إعلاناتها بصمات الجهات التنظيمية. بعد أن تم حظر حملة أولية كانت تَعِدُ المستثمرين بجني مكاسب ضخمة، أصبحت الآن هذه العملة المشفرة تعلن عن نفسها على أنها مصدر لـ"نظم التشفير" و"تعليم التشفير".
تُذكّر العبارات التحذيرية في زاوية الإعلان الركاب بأن العملة المشفرة غير خاضعة لقواعد تنظيمية، ويمكن أن تنخفض أو ترتفع – ليس بالضبط شيء على نمط مسلسل "ماد مان" (Mad Men) أو (رجال غاضبون). لكن هذه العملة تمثل رمزاً لقطاع يحركه الضجيج، والذي تم تأديبه بعد تساقط رقاقات الثلج الأولى في شتاء العملات المشفرة، عندما أفسحت طفرة المضاربة خلال الوباء الطريق أمام انخفاض الأسعار، وخفض الوظائف، والإجراءات التنظيمية.
اقرأ أيضاً: تزايد احتكار المنصات لتداولات العملات المشفرة
لكن في عالم وسائل التواصل الاجتماعي سريع الحركة، تختلف الأمور قليلاً. إن "كريبتو تويتر" (Crypto Twitter)، الذي يبدو أن إيلون ماسك سيتولى مسؤوليته، لا يُظهر مثل هذا التقييد - وإلى جانب المنصات الأخرى، كانت منصة "تويتر" منذ فترة طويلة نقطة جذب للضجيج، ولنصائح بحثية احتيالية، ولعمليات النصب الحقيقية. أبلغ أكثر من 95 ألف شخص عن خسائر بلغ مجموعها 770 مليون دولار بسبب الاحتيال على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2021، وفقاً لـ"لجنة التجارة الفيدرالية" الأمريكة.
اقرأ المزيد: عودة الانتعاش لسوق الرموز المشفرة بعد أشهر من الاضطراب والتدهور
وعد التطهير
وعد ماسك بتطهير الشبكة من عمليات الاحتيال والبريد المزعج والحسابات التي تشغلها روبوتات - وهو هدف يستحق الجهد، لكنه متناقض، نظراً لأن تلك العمليات تزدهر في الوقت ذاته على خلية الاتصالات غير الاحتكاكية التي تجني شركة "تويتر" الأموال منها. يبدو أن ماسك يريد أيضاً ربط عربة "تويتر" بالقرب من قطار العملات المشفرة، ونشر تغريدات عن أفكار مثل إصلاح خدمة الاشتراك بـ"تويتر" لتشمل خدمة الرموز غير القابلة للاستبدال، وقبول مدفوعات "دوج كوين". رسمياً، يتم تقييد معظم إعلانات العملات المشفرة على "تويتر"، حيث تتطلب موافقة مسبقة، على الرغم من أن المروجين وجدوا طرقاً أخرى لإيصال محتواهم.
نظراً لرياح التغيير التنظيمي التي تهب بشكل أقوى هذه الأيام، فقد يكون هذا وقتاً مثالياً بالنسبة إلى ماسك للوفاء بتطهيره الموعود. هو يحب الترويج لنفسه باعتباره نصيراً لحرية التعبير، وربما يخطط لمحاكاة نجاح وسائل التواصل الاجتماعي الآسيوية في جني الأرباح من الرموز الرقمية. ولكن، إذا استمر الاحتيال في النمو، على الأرجح، ستبدأ جهات مراقبة حماية المستهلك في طرق أبواب عالم الإنترنت.
بعض هذه الأمور، يحدث بالفعل. فقد تعهدت حكومة المملكة المتحدة مؤخراً بجعل أكبر منصات الوسائط الاجتماعية مسؤولة عن مكافحة الإعلانات الاحتيالية على خدماتها، وتريد أيضاً اتخاذ إجراءات صارمة ضد الإعلانات التي تحتوي على ما يسمى ببرامج "التعدين الخبيث" التي تعدّن العملات المشفرة دون إذن.
أكثر من مجرد حرية تعبير
في خطاب ألقاه هذا الأسبوع، طرح فابيو بانيتا من البنك المركزي الأوروبي، قضية التشديد الشامل للوائح العملات المشفرة، وانتقد مفاقمة وسائل التواصل الاجتماعي لشعور "الخوف من ضياع الفرصة" بين الوافدين الجدد لدخول لعبة التداول مع تقليلها من المخاطر المرتبطة بذلك. يتم تحفيز أكثر من نصف الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً للقيام باستثمارات عالية المخاطر بسبب ذلك، وفقاً لـ"هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة".
من دون قيامها بالتغيير، ستكون "تويتر" في خطر من أن يرتبط اسمها بما هو أكثر من مجرد حرية التعبير. لقد أصبحت جزءاً من سوق العملات المشفرة التي تعتمد على كلام الناس لتروج لنفسها وتستمر في جذب مستخدمين جدد لتبرير الأسعار المتضخمة. عندما وصف سام بانكمان فرايد، رئيس بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" (FTX)، مؤخراً مشروع تشفير تخيلي لزراعة عائد التشفير بأنه ينمو في القيمة من خلال "سحر" الهندسة المالية وكلام الناس، كان يفترض جدلاً أن زمرة الناس التي تتسكع وتتحدث بشكل غير رسمي على "تويتر"، هي فئة مشاركين رئيسية في تعزيز القيم الافتراضية.
لعب موقع "تويتر" أي دور ممكن يلعبه في العادة مروّجو الأسهم. قد يجلب له هذا الأمر المطاردة لاحقاً. غرد المؤسس المشارك ومتداول "بتكوين" جاك دورسي في أكتوبر حول "التضخم المفرط" الذي يلوح في الأفق. منذ ذلك الحين، ارتفعت معدلات التضخم، إلا أن عملة "بتكوين" كانت بمثابة تحوط بالغ السوء، إذ انخفضت بأكثر من 40%.
"تويتر" و"تسلا"
مما لا شك فيه، أنه من غير المرجح أن يدير ماسك ظهره فجأة عن مكبر الصوت المضارب الذي يصدح منه صوت محرضي العملات المبشرة والمبشرين بها والمبتدئين على حد سواء. في المحصلة، إن كان ماسك في كثير من الأحيان يمثل هدفاً يقلّده المحتالون، ذلك لأنه هو بنفسه مستفز. لقد استخدم ماسك "تويتر" للإعلان عن خطة "تسلا" لقبول المدفوعات بعملة "بتكوين" وعن تراجعها اللاحق عن تلك السياسة. أدى انشغاله السطحي في "دوج كوين" إلى إطلاق العنان لإمكاناته في مجال أسهم الـ"ميم" و"ميم كوين".
لكن إذا كانت "تويتر" تريد أن تحقق شبكتها الدخل بطرق أخرى غير الإعلانات، فإن جعلها مكاناً أقل خطورة بالنسبة إلى محافظ الأشخاص، سيكون بمثابة البداية. يجب كبح جماح الترويج للعملات المشفرة المستوحاة من الحيوانات الأليفة في كل مكان - عبر الإنترنت، وكذلك في حافلات لندن.