بلومبرغ
تشهد تركيا تحركات لطرح مطار إقليمي في غرب البلاد للبيع عبر الشركة المشغلة، وهي خطوة تمثل إدانة نادرة لنظام الشراكات بين القطاعين العام والخاص، التي تعوق موارد الدولة المالية.
تنتظر شركة "آي سي إجتاش" ( IC Ictas)، التي دخلت في شراكة مع الحكومة قبل 9 سنوات لبناء وتشغيل مطار "ظافر"، تلقي العروض بعد تراجع أعداد المسافرين، وفقاً لرئيس المطار، عبد الله كيليس.
بُنِيَ مطار "ظافر" بتكلفة تزيد على 50 مليون يورو (59 مليون دولار) ، ويقع على بُعد نحو 374 كيلومتراً (234 ميلاً) جنوب إسطنبول، وكادت الحركة أن تتوقف فيه إبان تفشي الوباء.
في عام 2020، قبل تفشي الفيروس، سجّل المطار ما يزيد قليلاً على 6% من المستوى المستهدف البالغ 1.3 مليون مسافر، وهو أقل ما يسمح لـ "آي سي إجتاش" بالحصول على مدفوعات مضمونة من الحكومة. ارتفع عدد المسافرين بالكاد فوق 7000 منذ بداية 2021. وقال كيليس خلال مقابلة من إسطنبول: "نحن مستعدون لنقل المطار إلى أي طرف يدفع لنا ما استثمرناه ويتحمل الدَّين".
يقول المنتقدون إن أوجه القصور لدى مطار "ظافر" بمثابة دليل على كيفية تبديد حكومة رجب طيب أردوغان أموال دافعي الضرائب من خلال حملة بتكلفة 140 مليار دولار لبناء كل المرافق، بما في ذلك الطرق ومحطات الطاقة والمستشفيات على أساس الشراكات بين القطاعين العام والخاص، التي تخلق في كثير من الأحيان ما يسمى بـ"الأفيال البيضاء"، بعدما دفعت الشركات المشغلة أموالاً طائلة. ويستخدم تعبير "الفيل الأبيض" في الاقتصاد للتدليل على الاستثمار الحكومي أو الخاص في مشروع أو مشاريع ضخمة هائلة التكلفة غير مجدية اقتصادياً ولا تحقق فوائد أو عوائد مجزية على أرض الواقع. وتترقب السوق التركية الأسوأ من ذلك، إذ إنه في حال عدم تحقيق نقطة التعادل المستهدفة فإن ذلك يشكل عبئاً على تركيا لا تستطيع تحمله.
يقول أوجور إيميك، المسؤول السابق في مجلس تخطيط الدولة المنحل حالياً، إن حساب الالتزامات الطارئة –وهو طريقة يستخدمها صندوق النقد الدولي للنظر في أسوأ السيناريوهات- يُظهِر أن تركيا ستواجه سداد فاتورة ما يعادل خُمس قيمة اقتصادها البالغ 729 مليار دولار، إذا لم تحقق المشروعات عوائد خلال ربع القرن القادم. ورغم أن هذه نتيجة نظرية، لكن الصعوبات التي تمثلها المشاريع ستظل تؤرق تركيا لسنوات قادمة.
ذكر إيميك في مقابلة من أنقرة، حيث يعمل أستاذاً للاقتصاد في جامعة باشكنت بالمدينة: "إنهم يضرون بالقدرة التشغيلية والميزانية للحكومات القادمة.. حتى اليوم، تشكل المدفوعات المتعلقة بمستشفيات المدينة ثلث ميزانية وزارة الصحة".
هناك أمثلة وفيرة على المشاريع الأخرى لاستنزاف الأموال، فحسب صحيفة "خبر ترك"، اضطرت الحكومة إلى تقديم ضمانات بنحو 2.2 مليار ليرة (250 مليون دولار) العام الماضي لمشغلي طريق شمال مرمرة السريع الذي يبلغ طوله 250 ميلاً، والذي يمتد من إسطنبول إلى ولاية صقاريا.
قالت الصحيفة أيضاً إن الحكومة التركية دفعت 1.6 مليار ليرة في النصف الثاني من عام 2020 لطريق جبزي-إزمير السريع الذي يربط إسطنبول بميناء إزمير على بحر إيجة.
وفقاً لحزب الشعب الجمهوري المعارض فإن تركيا ستدفع ثلاث مرات ثمن الطاقة من محطة "أكويو" النووية الروسية، عند اكتمالها خلال السنوات القليلة المقبلة، فيما يتمسك حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، بسلامة نهجه.
قال ياسر كيركبينار، عضو الحزب الحاكم وعضو لجنة الميزانية في البرلمان، إن الحكومة "ستواصل الدفاع عن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص". وأضاف أن مطار "ظافر" يمثل "جزءاً صغيراً" من نظام نجح فيه 70% من المشاريع.
طفرة البنية التحتية
تظهر البيانات الرسمية أنه منذ أن أصبح أردوغان رئيساً للوزراء في عام 2003 ، أطلقت تركيا 181 مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص، جرى تصميم أكثر من نصفها وفق نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية، ويستلزم كثير منها ضمانات دفع حكومية تستند إلى توقعات متفائلة حول الاستخدام المستقبلي على مدى فترات تقاس عادة بعشرات السنوات. خصصت تركيا ميزانية قدرها 30 مليار ليرة (3.5 مليار دولار) من هذه المدفوعات هذا العام، وفقاً لإيميك، وهو مبلغ يقول إنه من المرجح أن يكون أعلى بسبب انخفاض قيمة الليرة. وتراجعت العملة التركية بنحو 11% مقابل الدولار منذ بداية 2021.
يظل الافتقار إلى الشفافية بشأن التزاماتها الطارئة مصدر قلق بالنسبة إلى حكومة ظلت موازنتها العامة تتسم بالمرونة حتى مع انتقال البلاد من أزمة إلى أخرى. ودعا صندوق النقد الدولي إلى تقديم مزيد من المعلومات حول "عملياتها شبه المالية"، والحث على زيادة الرقابة على الشراكات.
تقدر قيمة الشراكة بنحو 600 مليون دولار لكل مشروع، وقد وصلت إلى أعلى متوسط حجم استثمار بين جميع الدول الناشئة. ويمكن للالتزامات الأخرى، بما في ذلك الواردة من صندوق ضمان الائتمان المدعوم من الحكومة، أن تضع مزيداً من الضغط على المالية العامة للدولة.
قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير أصدرته خلال يناير إنه "على الرغم من أن نسبة الدَّين العام الرسمية منخفضة نسبياً، فإن التكلفة المحتملة للالتزامات الطارئة التي تنتج عن الإجراءات شبه المالية تشكل مخاطر تصاعدية بالنسبة إلى القدرة على تحمل الدَّين".
وفي ما يتعلق بـ"ظافر"، ومعناه "النصر" باللغة التركية، فإن المزاج العام ليس كذلك، إذ يتجاهله السكان المحليون لصالح المطارات الأخرى الأقرب إلى مراكز زيارة المعالم السياحية مثل "اسكي شهير"، على بُعد 113 كيلومتراً، كما يقول كيليس، الذي أضاف قائلاً: "شركتنا لم تتلقَّ أيّ عائد من (ظافر) حتى يومنا هذا.. بالعكس، نضطر إلى ضخ رأسمال جديد فيه كل عام"، رغم ضمانات الدولة.