بلومبرغ
في أقل من أسبوع، تمَّ الإفراج عن توم باراك حليف ترمب مقابل 250 مليون دولار، وإطلاق سراح تريفور ميلتون مؤسس شركة "نيكولا" للسيارات الكهربائية، مقابل 100 مليون دولار؛ وهما من أعلى مبالغ الكفالة في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
تسلِّط مبالغ الكفالة الضوء على جزء غير مفهوم قليلاً من نظام العدالة الجنائية، إذ تُعقد الصفقات خلف الأبواب المغلقة، وهو ما يقول النقاد عنه، إنَّه نظام يحاصر الفقراء.
كتب داريل براون، أستاذ القانون في جامعة فيرجينيا، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "الكفالات المطلوبة لباراك وميلتون مرتفعة بشكل غير عادي، لأنَّ كلا المتَّهمين ثريان بشكل غير عادي. الغرض من الكفالة هو ضمان عودة المدَّعى عليه إلى المحكمة، وعدم فراره من البلاد. كما يجب أن يكون مبلغ الكفالة مرتفعاً بما يكفي بحيث
لا يكون المدَّعى عليه على استعداد للتخلي عنه".
صحيح أنَّ حزمتي الكفالة تستندان إلى مبلغ من تسعة أرقام، وهو أمر غير عادي، إلا أنَّ الكفالات الضخمة ليست ظاهرة جديدة. و يُعتقد أنَّ أعلى كفالة أمريكية بلغت 3 مليار دولار، حددها قاضٍ في تكساس لوريث العقارات روبرت دورست في عام 2003، بعد أن خالف بالفعل شروط الكفالة السابقة. وخفَّضت محكمة الاستئناف في وقت لاحق المبلغ إلى 450 ألف دولار.
وتمَّ الإفراج عن راج راجاراتنام من "غاليون غروب" (Galleon Group) بكفالة قيمتها 100 مليون دولار في عام 2009، في حين واجه مايكل ميلكن مَلِك السندات غير الاستثمارية طلب كفالة بربع مليار دولار في عام 1989. وبلغت كفالة بيرني مادوف بمبلغ 10 مليون دولار، وكان يكافح من أجل الوفاء بها، ولم يتمكَّن من العثور على أربعة أشخاص يشاركون في توقيعها من أجله.
النظام الفيدرالي
قال جاستين بابيرني، المصرفي الاستثماري السابق في "يو بي إس غروب" (UBS Group) الذي قضى 18 شهراً في السجن بتهمة تزوير الأوراق المالية، وهو الآن مدير في "وايت كولر أدفايس" (White Collar Advice)، وهي شركة استشارية للسجون: "غالباً ما يكون لديهم مال قليل، لكنَّهم فقدوا وظائفهم، وأعمالهم، ومصادر دخلهم".
و في النظام الفيدرالي، يجب على القاضي نظرياً أن يرفض فقط إطلاق سراح المدَّعى عليه قبل المحاكمة إذا كان هناك خطر هروب الشخص، أو يشكِّل تهديداً للمجتمع.
و تمَّ الإفراج عن ألين فايسلبرغ المديرة المالية لمنظمة "ترمب" في وقت سابق من هذا الشهر دون الحاجة إلى دفع أي كفالة، بعد اتهامها بارتكاب جرائم متعلِّقة بالضرائب. من ناحية أخرى، حُرمت جيسلين ماكسويل من الكفالة عدة مرات لأنَّها تنتظر المحاكمة بتهمة الاتجار بالجنس، حتى بعد أن عرض محاموها صفقة بقيمة 28.5 مليون دولار.
عقد صفقة
هناك طريقتان يستخدمهما المدَّعى عليهم للحصول على الكفالة، إذ يمكن لمحاميهم إبرام صفقة خلف أبواب مغلقة مع المدَّعين العامين، التي ستحتاج بعد ذلك إلى موافقة القاضي، أو إذا لم يتمكَّنوا من الاتفاق مع المدَّعي العام على شروط الإفراج، فيمكن ترك الأمر للقاضي.
قالت أليسون سيغلر، مديرة العدالة الجنائية الفيدرالية في كلية الحقوق بجامعة شيكاغو: "من النادر أن يسحب القاضي رقماً من القبعة ويقول: أنت، ادفع كفالة بقيمة 100 ألف دولار، أو 250 ألف دولار. بدلاً من ذلك، عادة ما يأتي الرقم كاقتراح من المدَّعى عليهم ومحاميهم، أولاً إلى المدعي ثم إلى القاضي".
قبل أي جلسة استماع بشأن الاحتجاز، يجتمع كل متهم جنائي مع إدارة ما قبل المحاكمة. ويتمُّ إجراء مقابلات معهم حول الأصول، والالتزامات، والإيرادات، والمصروفات. يمكن للمدَّعى عليهم استخدام أي نوع من الأصول تقريباً كضمان للكفالة، أو يمكنهم أن يطلبوا من أحد أفراد الأسرة، أو الأصدقاء المقرَّبين طرح أصولهم والمشاركة في التوقيع.
ضغوط أخلاقية
كتب دانييل ريتشمان، المدَّعي الفيدرالي السابق وأستاذ القانون في جامعة كولومبيا، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "بشكل عام، تبحث الحكومة عن الأصول غير الملوثة التي يمكن الحصول عليها بسرعة أكبر إذا لزم الأمر..قد تسعى أيضاً إلى الحصول على ممتلكات في أيدي أطراف أخرى يمكن الاعتماد عليها لممارسة الإقناع الأخلاقي أو السيطرة على المدَّعى عليه لضمان ظهوره".
أمضى "باراك" ثلاث ليالٍ في السجن إلى أنْ تمَّ التفاوض على صفقة الكفالة، و تمَّ إطلاق سراحه بعد أن قدَّم منزله، و 5 مليون دولار نقداً ووحدات في "ديجيتال بريدج" (DigitalBridge Group)ـ وهي الشركة التي ورثت شركته السابقة "كولوني كابيتا" (Colony Capital)، كما شاركت زوجته السابقة، وابنه، وشريكه التجاري السابق أيضاً بممتلكاتهم كضمان.
ضمن "ميلتون" كفالته بقيمة 100 مليون دولار بعقارين بقيمة 40 مليون دولار. قد يعيش "ميلتون" في واحدة منهما، وهو عبارة عن مزرعة مساحتها 2700 فدان في ولاية يوتا، إذ ينتظر المحاكمة بتهم تضليل المستثمرين بشأن الشركة. ودفع كلا الرجلين ببراءتهما.
قالت ساندرا ميسون الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة بنسلفانيا كاري، إنَّ الغالبية العظمى من الأشخاص الذين تمَّ القبض عليهم، ووجِّهت إليهم تهم لا يمكنهم تحمُّل كلفة الإفراج عنهم، ويقبعون في السجن دون سبب وبتكاليف بشرية واقتصادية باهظة حتى لو تمَّ تعيين الكفالة بمئات أو آلاف الدولارات، في حين يمكن للعملاء الأثرياء استعادة أي نقود تمَّ دفعها مقابل الكفالة، و غالباً ما يدفع الشخص المضطر إلى وكيل كفالات مقابل المال الذي يحتاجونه للخروج من السجن. وحفَّز هذا الظلم حركة وطنية لحظر الكفالة النقدية.
حصلت الحركة على حافز من أعلى محكمة في ولاية كاليفورنيا التي قالت في مارس، إنَّ على القضاة أن يُقدِّروا قدرة المتهم على الدفع.
قال القضاة في رأي جماعي، استناداً إلى قضية رجل أسود يبلغ من العمر 66 عاماً في سان فرانسيسكو تمَّ اتهامه بسرقة 7 دولارات وزجاجة ماء من شخص عمره 79 عاماً، وحدَّدت كفالة المتهم في البداية بمبلغ 600 ألف دولار، برغم أنَّ القاضي خفَّضها لاحقاً إلى 350 ألف دولار.
و حتى مع وجود ضامن يتقاضى 10% فقط لدفع مبلغ الكفالة بالكامل، أشار المحامي العام في القضية إلى أنَّ المدَّعى عليه كان فقيراً للغاية، إذ لا يمكنه دفع الكفالة المخفَّضة.
قالت إنشا رامان، نائب رئيس المحاماة والشراكات في معهد فيرا للعدالة: "إنَّ قضية السيد باراك رفيعة المستوى تؤكِّد فقط ما تعرفه الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يعانون من النظام القانوني الجنائي الأمريكي جيداً؛ هناك نظام عدالة للأثرياء، وآخر للفقراء".