بلومبرغ
ليست "ماكدونالدز" الشركة الوحيدة التي تبحث بجدية عن موظفين هذه الأيام – فكذلك شركة "ماكنزي".
حيث تقول شركتان من أصل ثلاث شركات استشارية إنهما تعانيان من نقص الموظفين، كما أن واحدة من أصل خمسة ترفض قبول الأعمال الجديدة نتيجة لذلك، وفقاً لمسح أجرته شركة "سورس غلوبال ريسيرش"، التي توفر الأبحاث والتحليل لصناعة الخدمات المهنية.
كما أشار أكثر من نصف المجيبين إلى إن استبقاء الموظفين أصبح مشكلة أكبر في عام 2021 مقارنة بنهاية العام الماضي، في حين قال حوالي النصف إن التوظيف أصبح أيضاً أكثر صعوبة.
نقص الموظفين
في هذا الصدد، قالت فيونا تشيرنياوسكا، مؤسسة ومديرة "سورس غلوبال ريسيرش": "ينمو الطلب بسرعة، وليس لدى الشركات ما يكفي من الموظفين؛ كما أن السبب الأكبر وراء تخلي العملاء عن المشاريع هو أن الشركات لا تمتلك القدرات المناسبة".
وفي حين تعكس نتائج الاستطلاع جميع قطاعات الاقتصاد، فإن النقص في الاستشاريين ملحوظ، لأن هذه الشركات دائماً ما تكون من بين أصحاب العمل الأكثر طلباً بفضل العمل الصعب الذي يمتد على مستوى العالم، والذي يشمل عمليات الدمج والاستحواذ، وإعادة هيكلة الشركات، والتطبيقات التكنولوجية الكبيرة - ناهيكم عن المزايا السخية والأجور المرتفعة.
ازدهار نشاط الاستشارات
وفي الوقت نفسه، تزدهر الأعمال بسبب حالة عدم اليقين التي أحدثتها الجائحة.
حيث أعلنت شركة "مارش آند ماكلينان"، التي تملك الشركتين الاستشاريتين "ميرسر" و"أوليفر وايمان"، بالإضافة إلى شركة التأمين والمخاطر التي تحمل اسمها نفسه، عن تحقيق مكاسب ربع سنوية بنسبة 12٪ في إيرادات الاستشارات، متجاوزة تقديرات المحللين.
ويخلق هذا ظاهرة محرجة للاستشارات المكلفة برسم خرائط مستقبل آلاف الموظفين الذين يواجهون صعوبة في العثور على مستقبلهم. وقد استطلعت "سورس غلوبال ريسيرش" ومقرها لندن 57 استشارياً يعمل نصفهم تقريباً في شركات توظف أكثر من ألف شخص.
أجور مرتفعة
الجدير بالذكر أن شركات مثل "برايس ووترهاوس كوبرز"، و"مجموعة بوسطن الاستشارية"، و"ديلويت" تُوظف الكثيرين من برامج ماجستير إدارة الأعمال وخريجي جامعات رابطة اللبلاب الأمريكية المرموقة.
حيث يبلغ متوسط الأجر الأساسي حوالي 90 ألف دولار، وفقاً لموقع التوظيف "غلاس دور"، ويمكن للمستشارين الجدد من كلية إدارة الأعمال أن يجنون 150 ألف دولار في السنة.
(في شركة "ماكدونالدز"، حيث يبلغ متوسط الأجر بالساعة 13 دولاراً في المواقع المملوكة للشركة، فإن عامل البرغر الذي يعمل 27 ساعة في الأسبوع، وهو حجم العمل المعتاد استناداً إلى البيانات الحكومية، سيجني ما يزيد قليلاً على 18 ألف دولار سنوياً).
التخلي عن الشركات
قالت الشركات في استطلاع "سورس غلوبال ريسيرش"، إن الزيادة في طلب العملاء كانت من بين الأسباب الرئيسية لنقص المواهب جنباً إلى جنب مع المنافسين الذين يسعون وراء تصيد الموظفين.
وهناك سبب آخر أيضاً، حيث ترك المستشارون ذوو المستوى العالي الصناعة وسط الجائحة؛ فبالنسبة للبعض، جعل العمل عن بُعد الاستشارات أقل جاذبية مما كانت عليه من قبل، عندما كان من يُطلق عليهم محاربو الطريق يقضون معظم وقتهم في المطارات والفنادق، وهم يتنقلون من عميل إلى آخر.
كما لم تعد المهن الاستشارية عالية القدرة مرغوبة كما كانت في السابق للخريجين الذين لديهم ميول ريادية أكثر من الأجيال السابقة، أو الذين يرغبون في العمل في شركات ذات قيم واعية اجتماعياً.
تعليقاً على الموضوع، قال بيتر دلاك، خريج كلية تيبر للأعمال في جامعة كارنيجي ميلون في عام 2020، إن حياة المستشار لم ترُق له لأنهم "يقدمون توصيات لم يكونوا موجودين لرؤيتها تُنفذ".
كما كان السفر أيضاً منعطفاً بالنسبة لـ"دلاك"، وهو شخص يصف نفسه بأنه محب للاستقرار، حيث خطب مؤخراً ولديه كلبان في منزله في بيتسبرغ. وبدلاً من ذلك، فإنه يعمل في برنامج تطوير القيادة في سلسلة التوريد في شركة "فيليبس" لصناعة الأجهزة الطبية.
تكتيكات جديدة
تحوَّل المستشارون، الذين يتمتعون بحضور كبير في الحرم الجامعي عادةً، إلى اجتماعات ومقابلات افتراضية أثناء الجائحة. حيث قالت تشيرنياوسكا، إن البعض يوسع نطاق شبكاتهم إلى ما هو أبعد من الجامعات المرموقة لتوظيف موظفين يحملون شهادات دراسة لمدة عامين.
من جانبه، قال كيث بيفانز، رئيس قسم توظيف الاستشاريين العالميين، إن شركة "بين أند كو" تقوم بالتوظيف على مدار العام وليس فقط عند وصول الطلاب في شهر سبتمبر. حيث تجذب شركة "بين" الأشخاص أيضاً من وظائف الشركات وبرامج ماجستير إدارة الأعمال بدوام جزئي، بالإضافة إلى مرشحي الدكتوراه.
وأوضح بيفانز: "خلقت الجائحة فرصة للابتكار بطرقٍ طال انتظارها".
مما لا شك فيه أن شركة "بين" ستواجه الكثير من المنافسة، حيث قال 4٪ فقط من المشاركين في استطلاع "سورس غلوبال ريسيرش" إنهم لم يكونوا يفتقرون إلى الاستشاريين.
هذا وتقوم "مجموعة بوسطن الاستشارية" بالتوظيف بوتيرة سريعة، وفقاً لـ"أمبر غريوال"، الرئيس العالمي للمواهب والتوظيف، كما ستستقطب المزيد من الأشخاص هذا العام أكثر من أي وقت مضى، لدرجة أنها أنشأت عملية توظيف رقمية أطلق عليها اسم "الموهبة الآلية" (Bionic Talent).
فضلاً عن ذلك، قال توم رودنهاوزر، الشريك الإداري في شركة "كينيدي ريسيرش ريبورتس"، التي تتعقب هذه الصناعة، إن الوكالات بحاجة إلى منهجيات جديدة لأن "الاستشارات كمهنة ليست جذابة كما كانت قبل 10 أو 15 عاماً؛ كما أن الحجم الهائل للشركات العالمية، واعتمادها على التوظيف من نفس كليات الأعمال، يفرض تأثيره على المواهب. بالإضافة إلى أن الاستشارات ليست ذات أثر "يُغير العالم" مثل المهن الأخرى؛ فهذه الشركات لا تبتكر خدمات مثل"أوبر" أو سيارات مثل تسلا".
الطابق الأرضي
بالنسبة لطلاب مثل هارديك تيواري، الذي تخرج للتو من كلية كيلوغ للإدارة بجامعة نورث وسترن، كانت التكنولوجيا هي الطريقة الصحيحة للمضي قدماً؛ حيث سيبدأ في شهر أغسطس العمل كمدير منتج لشركة "إنتيوت"، مع التركيز على إدارة شركته الخاصة في نهاية المطاف.
وأشار إلى أن الراتب الأولي في التكنولوجيا يمكن أن يتجاوز الاستشارات، بالإضافة إلى أن هناك فرصة للاستفادة من خيارات الأسهم.
كما أوضح تيواري قائلاً: "الأدوار عالية الطلب في التكنولوجيا ليست مفتوحة لشخص قادم من خلفية غير تقنية".
ومع ذلك، ما تزال الشركات الاستشارية تحصل على حصة جيدة من حديثي التخرج من ماجستير إدارة الأعمال، مثل شرينا شاه، زميلة تيواري، التي اجتذبتها الوتيرة السريعة والمهارات الواسعة المطلوبة.
وقد اختار 36٪ من طلاب ماجستير إدارة الأعمال في كلية كيلوغ لعام 2020 مجال الاستشارات، وهو أعلى مستوى في خمس سنوات.
ومع ذلك، قبِل 24.5٪ فقط من طلاب ماجستير إدارة الأعمال في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا لعام 2020 عروضاً بدوام كامل في مجال الاستشارات، بانخفاض عن نسبة 29٪ في عام 2010.
وقال رودنهاوزر، إن الأشخاص الأصغر سناً ليسوا مستعدين للانتظار لعقد أو نحو ذلك لجني ثمار أن يصبحوا شركاء في شركة استشارية: "فهم يريدون المزيد، ويريدونه بشكل أسرع".