بلومبرغ
يُقدّم جون غراي، رئيس مجموعة "بلاكستون"، نصيحة للمستثمرين الذين يتطلعون لفهم سوق العقارات الجامحة في الولايات المتحدة: لا تخشوا الكساد في أي وقت قريباً.
شهدت أسعار المساكن الأمريكية أكبر ارتفاع منذ عام 2005، وشجعت قروض الرهن العقاري الرخيصة المواطنين على شراء منازل جديدة، كما تزايدت تكاليف البناء بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام. وفي الوقت عينه، ينعكس نقص العمال سلبا على مواكبة البناء الجديد للطلب المتزايد. أمّا بالنسبة للعقارات التجارية، فيهدد الإقبال الواسع على العمل عن بُعد خلال تفشي كورونا بإهلاك العقارات المكتبية.
رغم كل ذلك، فإن المرحلة الحالية مواتية جداً للسوق، بحسب غراي، الذي كان في قلب أكبر فترات الازدهار والانهيار للقطاع العقاري على مدار العقود الثلاثة الماضية.
علامات تحذير نموذجية
لا تظهر السوق العقارية علامات التحذير النموذجية، مثل كثافة الرافعة المالية، ووفرة المال، وغزارة أعمال البناء، كما أشار غراي في الحلقة الافتتاحية من "بلومبرغ ويلث مع ديفيد روبنشتاين" (Bloomberg Wealth with David Rubenstein). مُضيفاً أنه ستكون هناك عملية "إعادة اكتشاف" لمدن مثل نيويورك وسان فرانسيسكو، يغذيها المهاجرون والإبداع وريادة الأعمال والتكنولوجيا.
كما تحدث الملياردير أيضاً عن المكان الذي قد يستثمر فيه 100 ألف دولار اليوم، وما الذي يجب تجنب ضخ الأموال فيه، والطريقة المُثْلَى للاستثمار في العقارات، وكيف يمكن لسياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن الضريبية أن تؤثر على مالكي العقارات.
بدأت رحلة غراي في الشركة، التي تتخذ من نيويورك، مقرا لها في عام 1992، حيث عمل على كُتيبات تقديم عروض الدمج والاستحواذ، وعلى طلب العشاء لزملائه في شركة الملكية الخاصة الناشئة. بعد حوالي عام، انهارت سوق العقارات. الأمر الذي وجد فيه مؤسسا "بلاكستون"، ستيف شوارزمان وبيت بيترسن، فرصة لإنشاء شركة عقارية، وجرى الاستعانة بـ غراي للمساهمة بإطلاقها على أرض الواقع، وهو الذي كان آنذاك خريجاً حديثاً من جامعة بنسلفانيا ويفكر باتخاذ الصحافة مهنة له.
بحلول عام 2005، أصبح غراي يدير الوحدة الجديدة، وأمضى السنوات الـ13 التالية في بنائها، لتصبح عملاقاً بأصول تُقدّر بحوالي 115 مليار دولار. وفي عام 2007، حوّل مجموعة فنادق هيلتون العملاقة من عامة إلى خاصة، لكنه اضطر لإعادة هيكلة الصفقة خلال الأزمة المالية المالية، لينتج عن ذلك في النهاية مضاعفة الاستثمار بأكثر من 3 مرّات عندما تخارجت "بلاكستون" بعد مرور 11 عاماً.
"كن مستثمراً راسخ اليقين"؛ جاءت هذه العبارة ضمن ما قاله غراي، البالغ من العمر 51 عاماً، لـ روبنشتاين، المؤسس المشارك لشركة "كارلايل غروب"، خلال المقابلة.. وهنا أبرز ما جاء فيها:
أداء الاقتصاد جيد جداً، لكن من المحتمل أن يتجه نحو الهبوط في مرحلة ما. لذا، لو كنت أرغب بالاستثمار في العقارات، فهل الوقت المناسب هو الآن؟
لا يزال الوقت مناسباً جداً للاستثمار بالعقارات لأسباب عدّة. فعلامات التحذير من وجود خطر تنقسم إلى شقين، الأول كثافة الرافعة المالية ووفرة المال، ونحن لا نلحظ ذلك في هيكل سوق العقارات اليوم. والشق الآخر عبارة عن وجود عدد كبير جداً من الرافعات أي الكثير من أعمال البناء، وبهذا الإطار نحن أقل من المستويات التاريخية لناحية المعروض من العقارات الجديدة.
الشيء الآخر الذي أود الإشارة إليه هو أن مؤشر "ستاندرد آند بوزر" قدّم عوائد للمستثمرين تناهز نحو 4 أضعاف عوائد صناديق الاستثمار العقارية منذ بداية عام 2020، قبل تفشي جائحة كورونا. لذا فإن العقارات تتأخر بالخروج من الركود والانتعاش، لأنه من الواضح أن الناس لديهم هواجس بشأن عودة الحياة الطبيعية. لكن مع إعادة فتح الاقتصاد، يعود الناس لطلب مساحات سكنية أكبر، فتشهد العقارات وثبة خفيفة. إنما يبقى الخطر قائماً إذا تحركت أسعار الفائدة كثيراً.
كذلك، فإن أحد الأشياء الإيجابية بما يتعلق بالعقارات هو أن التضخم يرفع تكلفة استبدال المباني، الأمر الذي يمنح وسادة أمان نوعاً ما للعقارات القائمة.
العوائد والمخاطر
هل العقارات السكنية أقل أو أكثر خطورة من العقارات التجارية؟
إذا كنا نتحدث عن عرض منزل يتسع لأسرة واحدة للبيع، فمن المحتمل أن تكون هناك مخاطر أكبر، بمعنى أنك تبني شيئا ما وتبيعه، وهذا الأمر يخضع للسوق. أما إذا تحدثنا عن مُجمّع سكني حيث يتم تأجير الوحدات، فإن هذا يميل لأن يكون أقل خطورة باعتباره أقل تقلباً. عموماً، الناس لا يتخلون عن مساكنهم، وهناك بعض التقلبات بسوق العقارات السكنية، لكنها لا تُضاهي التقلبات بالمباني المكتبية والفنادق.
وأود الإشارة إلى أن العقارات التجارية تشمل مباني المكاتب، والمستودعات، التي كانت محور تركيزنا على مدار السنوات العشر الماضية، والفنادق، ومراكز التسوق، ودور المسنين. وكل منها لديه عوائد إلى المخاطر بنسبة مختلفة، وبحسب المنطقة الجغرافية.
شهدت مدينة نيويورك مغادرة الكثير من الناس خلال تفشي كورونا. هل تتوقع أن يعود الناس، ويعملون 5 أيام في الأسبوع، ويستخدمون كافة المساحات المكتبية المتوفرة في نيويورك، أو المدن المماثلة، كما كانوا من قبل؟
هناك نوع من التحيز لدى الناس لكل ما هو جديد. وأعني به هنا افتراض الناس أن العمل من المنزل هو ما سيكون عليه الأمر من الآن وصاعداً. عندما نفكر في شركتنا، نحن نعلم أننا نكون أفضل عندما نكون معاً. أفضل لجهة حل المشاكل، وأكثر إبداعاً، ولناحية تدريب الشباب بشكلٍ أمثل. فعملنا قائم على التدريب المهني وتعلُّم كيفية الاستثمار، ولدينا الكثير من الأشخاص الأذكياء والموهوبين والذين لديهم ترابط ثقافي، لذلك فالتواجد معاً أمر مهم.
صحيح أن بعض الشركات سترى أنها لا تحتاج إلى مكاتب كبيرة جداً، لذا سيخلق ذلك بعض المساحات الشاغرة الإضافية. بموازاة ذلك، ستهتم بعض الشركات بامتلاك مباني المكاتب بدل استئجارها، وقد يخلق ذلك فرصة. وعليه، أرى أنه ستكون هناك بعض الرياح المعاكسة لعدد من السنوات، وبعد ذلك، مع مرور الوقت، ستتعافى الأمور.
أود أن أشير، بالمقابل، إلى أنه خارج الولايات المتحدة، كالصين على سبيل المثال، عادت المباني المكتبية إلى طاقتها الاستيعابية الكاملة. وكذلك في أوروبا، ليس لدى الناس مساحة كبيرة في منازلهم لتخصيصها للعمل عن بُعد. إذن، الأمور لا تجري في كل المناطق الجغرافية بنفس الطريقة. وحتى هنا، أعتقد أنه سيكون هناك ميل لفكرة العودة إلى العمل من المكتب، رغم أن الوضع لن يكون كما كان من قبل تماماً.
الوجهات المزدهرة
انتقل الكثير من الناس إلى ولايتي فلوريدا وتكساس، ربما بسبب الطقس الدافئ، أو لأن هاتين الولايتين لا تفرضان ضرائب على الدخل. هل تعتقد أن هذا الاتجاه سيستمر؟ وهل يشكلان خياراً جيداً للاستثمار في العقارات الآن؟
هناك مزيج يلعب دوراً بهذا الخصوص، كالطقس وانخفاض تكلفة المعيشة وانخفاض الضرائب والهواجس المتعلقة بنوعية الحياة. وتُعتبر تكساس إحدى أسرع الولايات نمواً في البلاد، وأعتقد أن ذلك سيستمر، علماً أن هذا النمو تسارعت وتيرته قليلاً بسبب كورونا. من ناحية أُخرى، تُعدُّ مدينتا نيويورك وسان فرانسيسكو، مكانين رائعين. وعندما تفكر في التكنولوجيا والابتكار وريادة الأعمال والمهاجرين، ستكون هناك إعادة اكتشاف لهذه المدن. لكن، نعم، تكساس وفلوريدا تتمتعان أيضاً بمكانة جيدة.
لقد اشتريت الكثير من الوحدات السكنية المخصصة للتأجير. هل هذا لأنك تعتقد أن الشباب مهتمين باستئجار المنازل أكثر من شراء مساكنهم الخاصة؟
انخفضت معدلات ملكية المنازل قليلاً، لكن إذا نظرنا للاثني عشر شهراً الماضية، خلال فترة تفشي وباء كورونا، فقد كان هناك ارتفاع في عدد الأشخاص الراغبين في امتلاك منازل. أما استثمارنا في المساكن المخصصة للتأجير، فيعود إلى كونه لم يتم بناء الكثير من المساكن منذ عامي 2008 و2009. وقد أدى ذلك إلى زيادة قيمة المنازل الملائمة لأسرة واحدة، كما عزز القيم التأجيرية أيضاً. والآن، مع إعادة فتح الاقتصاد، سيصبح النقص في المعروض من المنازل أكثر حدة، لذلك تستمر رغبتنا بالاستثمار في قطاع المساكن المخصصة للتأجير.
أحد أكثر الأجزاء تفضيلاً في قانون الضرائب للعقارات هو التبادل المماثل وفقاً للبند رقم 1031. لكن الرئيس بايدن اقترح تعديله. هل سيؤثر ذلك على سوق العقارات بشكل مباشر؟
سيؤثر على المستثمرين الأفراد الذين امتلكوا أصولاً لفترة طويلة، حيث سيحصدون الأرباح ثم يشترون قطعة جديدة من العقارات. أما بالنسبة للمستثمرين المؤسسيين، فسيكون تأثيره أقل لأننا نبيع وندفع الضرائب. الجانب الوحيد الذي قد يؤثر علينا هي إذا كان هناك بيع أقل نتيجة لذلك. الأمر عينه يمكن أن يحدث إذا تم رفع الضرائب على أرباح رأس المال. يمكنك أن ترى بعض مالكي العقارات الأفراد أكثر ترددا، لكنني لا أعتقد أن ذلك سيكون له تأثير كبير على سوق المؤسسات.
التكنولوجيا تقود الجميع
إذا كان لدي 100 ألف دولار، فأين أضعها اليوم؟
في العقارات. نحن نحب ما نقوم به في مجال صناديق الاستثمار العقارية الخاصة (مستثناة من الإدراج في البورصة وتباع فقط للمستثمرين المؤسسيين). كما يمكنك الاستثمار في سلة جيدة من صناديق الاستثمار العقارية العامة أيضاً. بشكل عام، أعتقد أن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 سيكون جيداً على مدار فترة زمنية طويلة. هناك الكثير من التعرض لشركات التكنولوجيا سريعة النمو هناك.
أين يجب ألا أستثمر أموالي؟
يجب عليك الابتعاد عن الأعمال التجارية التي تعاني من التقادم، مثل شركات الهاتف الأرضي وبعض تجار التجزئة القدامى وعدد من شركات الإعلام القديمة. فعليك التركيز على المستقبل. في مجال العقارات، على وجه الخصوص، إذا كانت لدي نصيحة واحدة فستكون أن تذهب إلى حيث توجد أنواع الإبداع والتكنولوجيا، لأن هذه هي الأسواق التي سيكون فيها النشاط الاقتصادي الأكبر، كما هو الحال في مناطق الساحل الغربي حيث مدينة أوستن في ولاية تكساس، ومدينة كامبريدج في ولاية ماساتشوستس، فضلاً عن شنجن الصينية ولندن وأمستردام وتل أبيب وبنغالور بالهندية.. التكنولوجيا تقود إلى حد كبير النمو في هذا الاقتصاد العالمي.
هل يأتي الناس إليك في حفلات استقبال الكوكتيل ويطلبون منك نصيحة استثمارية؟
غالبا ما يسألونني عن أسعار المساكن، وهذا ليس مجال خبرتي. ما أقوله للناس هو التركيز على المدى الطويل. ما يجب قوله هو: "هل هذا عمل جيد بشكل أساسي؟ هل هو في قطاع جيد؟ هل هذه قطعة جيدة من العقارات، حيث العرض محدود والطلب قوي؟ وإذا كنت تمتلك شيئاً جيداً، فاحتفظ به لفترة طويلة من الزمن. ابحث عن تلك الأحياء المناسبة للاستثمار فيها، واستخدم رأس المال الخاص بك، ثم تحلى بالصبر.
ماذا فعلت في البداية في شركة "بلاكستون"؟
أول صفقة عملت عليها كانت مركزا للتسوق في مدنية "تشيسابيك" بولاية فيرجينيا. لقد كانت صفقة بقيمة 6 ملايين دولار. اقترضنا 4 ملايين دولار، وأضفناها إلى رأس المال البالغ مليوني دولار. البعض اعتقد أنني أعمل على شراء جزيرة مانهاتن، حيث مكثت هناك لمدة ثلاثة أسابيع، وقابلت كل مستأجر، وكنت أحصي حركة مرور السيارات، لقد كنت أتعلم عن النشاط العقاري. كانت تجربة رائعة، كان حجم الصفقة صغيراً وكنت أتعلم عن كثب.
صفقة هيلتون
ماذا عن شراء "بلاكستون" لمجموعة "هيلتون" للفنادق.. هل كانت لعبة عقارية أم لعبة تجارية؟
كان مزيجاً من الأمرين معاً. لقد أجرينا الصفقة من خلال صناديق الملكية الخاصة العقارية التابعة لنا، بالإضافة لصندوق الملكية الخاصة لدينا المتخصص بالاستثمار بالشركات، لأن شركة "هيلتون" تمتلك عقارات رائعة، مثل "والدورف أستوريا" و"هيلتون هاواي فيليدج"، لكن كان لديها أيضاً نشاط مذهل بما يتعلق بعقود الامتياز والإدارة لفنادق الغير.
كما اعتقدنا أيضاً أن مضاعف الربحية كان معقولاً، إذ دفعنا 13 أو 14 ضعف التدفق النقدي لما اعتقدنا أنه نشاط تجاري رائع. لكن خطأنا أن توقيتنا كان فظيعاً، حيث أنهينا الصفقة في نهاية عام 2007، وخلال أقل من عام انهار بنك "ليمان" وتداعى الاقتصاد العالمي، ما أدّى لهبوط نشاط السفر العالمي على نحو كبير.
رغم ذلك، كنا ما زلنا نرى فرصة هائلة لتنمية الشركة في جميع أنحاء العالم، لذا استثمرنا 800 مليون دولار إضافية عندما كانت في الحضيض، وتمسكنا بالشركة، فبدأت بالعودة للتعافي ومن ثَمَّ النمو. وفي النهاية أدرجناها في البورصة، بعد تقسيمها إلى ثلاث شركات مختلفة تشمل شركة امتياز إداري، وشركة مشاركة بالوقت، وشركة أعمال عقارية، وحققنا 14 مليار دولار أمريكي لمستثمرينا. لذلك انتهى الأمر بشكل جيد.
لذا عندما كنت تقوم بهذه الصفقات الكبيرة، هل اتصل بك أصدقاؤك من الكلية وقالوا: "اعتقدنا أنك ستصبح صحفياً، والآن أنت رجل رأسمالي"؟
عندما التقيت بزوجتي في فصل دراسة الشعر الرومانسي، كنت مرتدياً بدلة وربطة عنق، بينما كان الجميع في الصف يرتدي حذاء "بيركنستوك". لذلك كان من الواضح أنني اتخذت قراراً بشأن المسار الذي أسلكه.
ما هي أفضل نصيحة استثمارية تلقيتها على الإطلاق؟
أن تكون مستثمراً على درجة عالية من الثقة. فعندما تكون مبتدئاً، وتضع الأموال في أنشطة لا تعرفها أو تفهمها، فإن النتيجة تميل لأن تكون سيئة. لكن عندما ترى شيئا ما، مثل مسكن لأسرة واحدة، شبكة اللوجستيات العالمية، حركة كل شيء عبر الإنترنت، وتميل لذلك، عندها تحقق أفضل النتائج.