بلومبرغ
منذ أقل من شهرين، كانت أسهم شركة "تسلا" تتجه لتسجيل ثالث خسارة سنوية في تاريخها الممتد لأكثر من خمسة عشر عاماً كشركة عامة، لكن بعد انتعاش مذهل خلال الأسابيع السبعة الأخيرة، أصبحت أسهم "تسلا" فجأةً من بين الأفضل أداءً على مؤشر "إس آند بي 500" لعام 2024.
ما الذي أدى إلى هذا التحول المفاجئ؟ لم يحدث أي تغيير داخل شركة "تسلا" نفسها، حيث لا يزال الطلب على سياراتها غير مستقر والمستقبل يبدو أكثر غموضاً. السبب يعود إلى ما يعتبره المستثمرون خطوة سياسية ذكية من قِبَل قائد "تسلا"، إيلون ماسك، حيث قدم دعماً حازماً للرئيس المنتخب دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية، وتولى دوراً غير رسمي في إدارته.
يتساءل ستيف سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في شركة "إنتراكتيف بروكرز" (Interactive Brokers): "كيف يمكنك تقدير أهمية وجود ماسك في موقف يتيح له نفوذاً عميقاً في الإدارة القادمة؟". ورأى أنه "يمكن أن يكون لهذا الأمر قيمة كبيرة يصعب تحديدها برقم ثابت".
أداء سهم "تسلا"
يبدو أن المستثمرين يفعلون ذلك حقاً. قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، كانت أسهم "تسلا" منخفضة بنسبة 2.3% لهذا العام. ولكن منذ يوم الانتخابات، ارتفعت بنسبة 73%، مما يجعل نسبة الزيادة السنوية 69% لعام 2024. هذا يعني أن الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية أضافت في أقل من شهرين مبلغاً مذهلاً قدره 572 مليار دولار إلى قيمتها السوقية، لتصل قيمتها إلى حوالي 1.4 تريليون دولار، على الرغم من عدم حدوث أي تغيير جوهري في الشركة نفسها.
تباطأت أسهم "تسلا" هذا الأسبوع، حيث خسرت 3.5% بعد أن قفزت بأكثر من 12% في كل من الأسبوعين السابقين، حيث أشعل التحول المتشدد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي موجة بيع أوسع في الأسهم. يصادف يوم السبت الذكرى السنوية الرابعة لانضمام السهم إلى مؤشر "إس آند بي 500".
لم تستجب الشركة لطلب التعليق.
على الرغم من نفور ترمب المعروف من السيارات الكهربائية، يبدو أن المستثمرين يراهنون على أن استمرار قرب ماسك من الإدارة من شأنه أن يسهل الطريق أمام طموح "تسلا" في بناء سيارة ذاتية القيادة بالكامل.
رفع العديد من المحللين في "وول ستريت" أهدافهم السعرية للسهم بشكل كبير. وهم يرون أن البيت الأبيض بقيادة ترمب يمثل نقطة تحول في مجال تكنولوجيا القيادة الذاتية، وأن تحالف "تسلا" مع الإدارة الجديدة، يفيد الشركة من خلال تخفيف القيود التنظيمية.
أسس غير مستقرة
في الوقت نفسه، انخفضت توقعات أرباح وإيرادات صانعة السيارات الكهربائية لعامي 2025 و2026 هذا العام. ولا يزال من غير الواضح متى ستبدأ مبادرة سيارات الأجرة الآلية في جني الأموال. أثار هذا الغموض بشأن السنوات القليلة المقبلة قلقاً لدى بعض المستثمرين من أن القيمة السوقية الضخمة لشركة "تسلا" مبنية على أسس غير مستقرة.
"هناك عقبات هائلة أمام أسهم (تسلا) في عام 2025. ومن الصعب تخيل سيناريو صعودي من هذه النقطة"، بحسب كريس جاناتي، رئيس الأبحاث العالمية في "ويزدوم تري" (Wisdomtree).
وفقاً لمحلل "إيفر كور" (Evercore) كريس ماكنالي، فإن ما بين 500 مليار دولار و600 مليار دولار من القيمة السوقية لشركة "تسلا"، تعتمد على أعمالها في مجال السيارات الكهربائية والطاقة، فيما يعتمد الباقي إلى "أشياء قادمة"، مثل السيارات ذاتية القيادة والروبوتات الشبيهة بالبشر.
وتُظهِر الحسابات التي أجراها نيكولاس كولاس، المؤسس المشارك لشركة "داتا تريك ريسيرتش" (DataTrek Research)، أن أكثر من 90% من سعر سهم "تسلا" مرتبط بما قد تفعله الشركة في المستقبل.
يمكن ملاحظة ذلك عند مقارنة تقييمات أرباح الشركة مع شركة أخرى ذات أداء متميز مثل شركة "إنفيديا"، عملاق رقائق الذكاء الاصطناعي. حتى وقت قريب، كانت "إنفيديا" تُعتبر السهم الأكثر جاذبيةً في السوق، لكن الآن حان دور "تسلا". ومع ذلك، بناءً على نسب السعر إلى الأرباح، يتضح أن هاتين الشركتين تعملان في مجالين مختلفين تماماً. يتداول سهم "إنفيديا" حالياً عند 32 ضعف أرباحها المتوقعة للإثني عشر شهراً القادمة، بينما يُتداول سهم "تسلا" عند 129 ضعفاً.
التشريعات المرتقبة
هذه فجوة كبيرة، خاصة في ضوء المخاطر التي تواجه أداء "تسلا" في الأمد القريب. تريد إدارة ترمب خفض الدعم الفيدرالي للسيارات الكهربائية، مما سيجعل المركبات، والتي تعد باهظة الثمن بالفعل، أكثر تكلفةً من السيارات التي تعمل بالوقود.
كتب المحلل دان ليفي من "باركليز" في مذكرة للعملاء هذا الأسبوع، أن حوالي ثلثي مبيعات "تسلا" في الولايات المتحدة، أو حوالي 20% من مبيعاتها العالمية، تستفيد من الإعفاء الضريبي. ومع ذلك، من المرجح أن تلحق هذه الخطوة الضرر بمنافسي الشركة المحليين الأصغر حجماً، وهو ما قد يفيد "تسلا" من خلال تعزيز مكانتها في السوق بشكل أكبر.
مع ذلك، فإن الرهان على تخفيف القواعد التنظيمية أمر محفوف بالمخاطر، لأن إنجازه قد يستغرق بعض الوقت. وحتى لو حدث ذلك، فلا يوجد ما يشير إلى أن سيارة الأجرة ذاتية القيادة "سايبر كاب" التابعة لـ"تسلا" جاهزة للانطلاق على الطريق. في الواقع، تسهيل القواعد قبل أن تصل تكنولوجيا "تسلا" إلى المستوى المطلوب، قد يفيد المنافس الرئيسي لها في مجال سيارات الأجرة الذاتية القيادة، شركة "وايمو" التابعة لـ"ألفابيت".
قال توماس ثورنتون، مؤسس شركة "هيدج فند تيليمتري": "ليست القواعد التنظيمية هي التي يعيق (تسلا) عندما يتعلق الأمر بالقيادة الذاتية".
الرهان على القوة
تكثر النظريات حول الارتفاع الهائل لسعر سهم "تسلا" في "وول ستريت". يريد المستثمرون الرهان على القوة المتنامية لماسك في واشنطن، وتعزز الشعبية الهائلة للشركة بين تجار التجزئة هذه الخطوة. ويمكن لفوز ترمب في الانتخابات أن يغير مسار شركة السيارات الكهربائية، ويقدم فوائد مستقبلية هائلة.
اعتبر كول ويلكوكس، مدير المحفظة في شركة "لونغبورد آسيت مانجمنت" (Longboard Asset Management) أن "الأشخاص الذين راهنوا ضد ماسك و(تسلا) أثبتوا أنهم كانوا مخطئين مراراً وتكراراً". أضاف: "لا يوجد شيء يعوق طريقه الآن لمنعه من تحقيق رؤاه".
من نواحٍ عديدة، أصبحت "تسلا" و"بتكوين" رمزاً للانتعاش الذي شهدته الأسواق بعد الانتخابات، والذي أشعلته عودة روح المغامرة إلى الأسواق.
"يذكرنا هذا الارتفاع بالتحركات التي شهدناها في عامي 2020 و2021، لكن هذه المرة تحتوي قصة (تسلا) على العديد من العناصر غير الملموسة"، وفق سوسنيك، كبير الاستراتيجيين في شركة "إنتراكتيف بروكرز". ارتفع السهم بأكثر من 740% في عام 2020، ثم ارتفع بنسبة 74% أخرى حتى 4 نوفمبر 2021 ليسجل أعلى مستوى له على الإطلاق. والفرق هو أن هذه المكاسب جاءت مع ارتفاع مبيعات وأرباح "تسلا"، وكانت توقعات الطلب على السيارات الكهربائية مشرقة.
سوق الخيارات
لكن مع انتهاء جنون التكنولوجيا في عام 2021 وسط مخاوف من ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، تراجعت أسهم "تسلا" بشكل حاد. ثم جاءت التحذيرات من تباطؤ غير متوقع في مبيعات السيارات الكهربائية، وتقليص هوامش الربح، وعانى السهم للعودة إلى مستوياته المرتفعة السابقة. سجل أول رقم قياسي جديد له منذ عام 2021 بعد انتخاب ترمب.
يروي سوق الخيارات قصة مشابهة. تُعَد شركة "تسلا" من الشركات المفضلة بين تجار المشتقات المالية، حيث كانت في الشهر الماضي خامس أكبر مركز لخيارات الأسهم في الولايات المتحدة من حيث الحجم الإسمي، وفقاً لروكي فيشمان، مؤسس "آسيم 500" (Asym 500). والأربعة الأوائل هم "إس آند بي 500"، و"إس بي دي آر إس آند بي500 إي تي إف" (SPDR S&P 500 ETF Trust)، و"إنفيسكو كيو كيو كيو تراست سيريز" (Invesco QQQ Trust Series)، ومؤشر "ناسداك 100".
لفت توم كين، تاجر الخيارات في "بايبر ساندلر" (Piper Sandler)، إلى أن "هناك سعياً كبيراً لتحقيق مكاسب". أضاف: "بما أن امتلاك خيارات الشراء على الأسهم حقق نتائج جيدة، فإن الناس يستمرون في القيام بذلك".
الآفاق المستقبلية للسهم
طالما استمرت هذه الحالة، يمكن أن تستمر أسهم "تسلا" في الارتفاع. في النهاية، مستثمروها معتادون على مثل هذه الارتفاعات السريعة. ومع مشاركة إيلون ماسك في إدارة ترمب، يصعب التنبؤ بالمكان الذي ستؤول إليه الشركة في النهاية.
اعتبر كولاس من "داتا تريك" أن "المشكلة تكمن في وجود خيارٍ وحيد للاستثمار في الأسواق العامة المرتبطة بإيلون ماسك، وهذه الفرصة تتمثل في سهم (تسلا)". تابع: "هذا يجعلها محور اهتمام المستثمرين العالميين، وحقيقة الأمر أن العديد منهم لا يهتمون كثيراً بتقييم السهم قبل الاستثمار فيه".