بلومبرغ
تسعى شركة استثمارية جديدة في أبوظبي مدعومة من الحكومة لإبرام العديد من الصفقات، وبناء شركة رائدة في تطوير قطاع الرعاية الصحية باستخدام الذكاء الاصطناعي، كما تهدف إلى توسيع نطاقها على الساحة العالمية.
تتطلع شركة "إم 42" (M42)، التي تأسست من خلال دمج أصول الرعاية الصحية لشركتين استثماريتين في أبوظبي العام الماضي، إلى إجراء عمليات استحواذ وتوسيع عملياتها في أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا، وفقاً لما أوضحه الرئيس التنفيذي حسن جاسم النويس.
قال النويس عبر مقابلة في أبوظبي: "نواصل مراجعة حوالي 50 فرصة كل شهر لمعرفة ما الذي سيتكامل حقاً مع خططنا الاستراتيجية في المستقبل.. ولدينا القدرة على ذلك، وتوجد رغبة حقيقية في النمو".
طموحات الإمارات المستقبلية
تُعد هذه التعليقات أحدث علامة على طموحات الإمارة الغنية بالنفط للعمل في صناعات تشمل التكنولوجيا وعلوم الحياة والتمويل. وتعهدت الإمارة، التي تنتج أكثر من 3 ملايين برميل من النفط يومياً، باستثمار عشرات المليارات من الدولارات في مجال الذكاء الاصطناعي وتعاقدت مع "مايكروسوفت" و"إنفيديا كورب"، ضمن أهدافها للاستثمار في مستقبل ما بعد النفط الخام.
ستكون "إم 42"، التي تأسست العام الماضي، انتقائية في إبرام الصفقات الجديدة، وتهدف للاستفادة من استحواذها العام الماضي بقيمة 2.5 مليار دولار على "ديافيريوم" (Diaverum)، وهي واحدة من أكبر مشغلي عيادات غسيل الكلى المستقلة في أوروبا، لمواصلة خططها للتوسع السريع، وفقاً لما قاله النويس.
على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، تهدف "إم 42" إلى التوسع بشكل أكبر في تقديم الرعاية الصحية الأساسية، مع البناء أيضاً على استثمارات أبوظبي في مجال التكنولوجيا لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين التشخيص واكتشاف الأدوية.
وارتفع الإنفاق على الرعاية الصحية للفرد عالمياً بأكثر من 10% في عام 2021، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية، وصعد بنسبة 7% في أبوظبي.
أهداف "إم 42" الإماراتية
تسعى "إم 42" ضمن أهداف أخرى، إلى مواجهة ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة. وقال النويس إن الإنفاق على الرعاية الصحية "إذا لم يجر التحكم فيه، فقد يؤدي إلى تدمير الاقتصادات… وكيف يمكن مواجهة ذلك؟ لا توجد طريقة أخرى غير التكنولوجيا".
أسست "مبادلة" شركة "إم 42" العام الماضي من خلال دمج أصولها في الرعاية الصحية مع تلك التي تملكها "جي 42" (G42)، وهي شركة ذكاء اصطناعي يسيطر عليها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، أحد أفراد العائلة الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة. وتضم "إم 42" تحت مظلتها عدة شركات بما في ذلك مستشفى "كليفلاند كلينك" (Cleveland Clinic) أبوظبي، و"أمانة للرعاية الصحية"، ومختبرات "بيوجينيكس لابس" (Biogenix Labs)، ومستشفى "مورفيلدز" (Moorfieldsl) للعيون في أبوظبي.
قال النويس: "أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا، هذه هي القارات الثلاث التي نريد التركيز عليها في المستقبل". و"في الوقت الحالي، نجري محادثات مع إندونيسيا وماليزيا والهند ومصر"، حول خطط التوسع المحتملة.
ورغم رفضه التعليق على القوة المالية المتاحة لدى الشركة، قال النويس إن "إم 42" ستعتمد على دعم كل من "مبادلة" و"جي 42" للمساعدة في تحقيق طموحاتها.
وقال: "نحن محظوظون لأننا نتبع لشركتين كبيرتين جداً، وتبحثان عن الفرص ودائماً لديهما الاستعداد لدعمنا. لقد نمت أبوظبي من خلال تبني منهج يعتمد على المخاطرة، وحققت نجاحاً كبيراً لدرجة أننا نواصل هذا النهج لبناء المزيد من النمو والنجاح".
تدير "مبادلة" أصولاً تزيد عن 300 مليار دولار، ومنذ بضع سنوات أصبحت أداة استثمارية رئيسية لتحقيق طموحات أبوظبي العالمية. وقد تعاونت مؤخراً مع "سيتي غروب" و"أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management) لضخ استثمارات بقيمة 25 مليار دولار لمنح القروض الخاصة (بعيداً عن البنوك والأسواق العامة). في وقت سابق من هذا العام دعمت إدارة "فورتريس" (Fortress) في الاستحواذ على حصة 90% في شركة لإدارة الاستثمار كانت مملوكة لصالح "سوفت بنك".
دعم استثمارات الذكاء الاصطناعي
تتلقى "إم 42" دعماً من "جي42"، وهي شركة الذكاء الاصطناعي الأكثر شهرة في الشرق الأوسط، مع داعمين آخرين بما في ذلك شركة الأسهم الخاصة الأميركية العملاقة "سيلفر ليك" (Silver Lake) و "مبادلة". كما حصلت مؤخراً على استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار من "مايكروسوفت" بعد الموافقة على إنهاء أي تعاون مع الصين.
يشرف على "جي 42" الشيخ طحنون، الذي يشغل أيضاً منصب مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة ويدير إمبراطورية تضم أصولاً قيمتها 1.5 تريليون دولار أصبحت محور جهود الإمارة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط الخام.
أحد المشاريع الرائدة لـ"إم 42" هو برنامج الجينوم الإماراتي، والذي يهدف إلى رسم خرائط البيانات الصحية للسكان المحليين في محاولة للوقاية من الأمراض المزمنة وعلاجها. ويتوافق هذا التوجه مع اهتمام الشيخ طحنون بالطب المتعلق بالشيخوخة أو إطالة العمر.
بموجب الخطة، تبني "إم 42" واحدة من أكبر قواعد بيانات الحمض النووي في العالم، وتسعى لدمجها مع أدوات في علم الأدوية والذكاء الاصطناعي بهدف تقديم علاجات مخصصة لكل مريض بناءً على حالته الفردية.
أبوظبي.. مركز لعلوم الحياة
الهدف من ذلك هو تمكين الأطباء من تقديم وصفات طبية أفضل، مما يلغي الحاجة إلى تكرار الزيارات من خلال مساعدتهم على توفير الأدوية تناسب المرضى بناءً على بيانات الحمض النووي الخاصة بهم. ويجري حالياً اختبار هذا النظام في أبوظبي.
كما تبني الشركة أيضاً منصة اكتشاف أدوية مدعومة بالذكاء الاصطناعي بموجب خطة لأن تصبح أبوظبي مركزاً لعلوم الحياة، وهو مجال قد يلعب دوراً رئيسياً في عمليات الاستحواذ أو الشراكات المستقبلية، حسبما قال النويس.
من المجالات الأخرى التي تستخدم فيها الشركة الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية فحص مرض السل. وقامت "إم 42" الآن بتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي لمسح الأشعة السينية في اختبارات الفحص للبحث عن علامات المرض. وقال النويس إن ذلك ساعد في خفض التكاليف بنسبة 20% وتعزيز إنتاجية أخصائيي الأشعة بنسبة 30%. مع تحسن التقنية، ومن المقرر نشرها بعد ذلك عبر شبكة العيادات العالمية التابعة لشركة "إم 42".
قال النويس إن "الشركة تبدأ جميع مشروعاتها في أبوظبي، حيث تقوم بإطلاقها وتجربتها وتطويرها، قبل أن تتوسع بها إلى الأسواق العالمية".
واختتم النويس "هذه الأهداف ليست سهلة التحقيق، ونحن لا نسعى إلى الربح السريع. وما نهدف إليه هو إنجاز تأثير سريع لصالح الإنسانية، ونؤمن أنه بمجرد تحقيق هذا الهدف، ستتدفق العوائد المالية بشكل طبيعي".