دول الخليج تبيع أصولاً نفطية "جواهر التاج" لجمع مليارات الدولارات

time reading iconدقائق القراءة - 8
شعلة نيران في حقل الشيبة النفطي التابع لشركة أرامكو السعودية في صحراء الربع الخالي - المصدر: بلومبرغ
شعلة نيران في حقل الشيبة النفطي التابع لشركة أرامكو السعودية في صحراء الربع الخالي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تزايدت وتيرة لجوء الدول النفطية في الشرق الأوسط إلى بيع حصص في شركات الطاقة التي توصف بأنَّها "جواهر التاج" لجمع السيولة النقدية من المستثمرين الأجانب.

وفي غضون أسابيع قليلة، قامت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وسلطنة عمان، والكويت، بتسريع خطط بمليارات الدولارات لبيع أصول من شركات الطاقة أو إصدار سندات بضامنها.

وفي أحدث خطوة في المسار نفسه، قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الثلاثاء الماضي، إنَّ المملكة تجري محادثات مع "شركة طاقة عالمية"، لم يحددها، لبيع حصة تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار في شركة النفط الحكومية العملاقة "أرامكو".

تعزيز الموارد المالية المتضررة

ويسلط هذا التحول الضوء على كيفية استفادة البلدان في المنطقة التي تحوي

ما يقرب من نصف احتياطيات النفط العالمية، من تعافي أسعار الطاقة بعد الانهيار الناجم عن فيروس كورونا في 2020، لتعزيز مواردها المالية المتضررة.

ويزيد التحول عالمياً إلى اعتماد مصادر الطاقة النظيفة، والأكثر ملاءمةً للبيئة ، من الحاجة لبيع حصص في شركات الطاقة، إذ تحتاج الحكومات سيولة نقدية جديدة جديدة للاستثمار في قطاعات جديدة وتنويع اقتصاداتها.

ويستغل المستثمرون، الذين تضرروا من أسعار الفائدة المنخفضة القياسية، هذه الفرصة.

وقال جوستين ألكسندر ، كبير الاقتصاديين في "مينا أدفايزرز " (MENA Advisors) ، لخدمات الاستشارات، ومقرّها بريطانيا: "من المنطقي أن تبيع هذه الدول حصصاً عندما تكون التقييمات جيدة... بيع بعض الحصص لأسباب مالية، ... وبعضها بمثابة اعتراف متزايد بسرعة التحول في قطاع الطاقة والحاجة إلى تحقيق قيمة من تلك الأصول ".

ارتفاع عجز ميزانيات دول المنطقة

وشهدت الدول المصدِّرة للنفط في الشرق الأوسط خلال 2020، ارتفاعَ عجز الميزانية ​​إلى 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي من 3% فقط، وفقاً لصندوق النقد الدولي، كما انكمش الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر بأكبر معدل في نحو 30 عاماً.

"أرامكو" و"أدنوك"

وكانت "أرامكو" السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، وشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، المسؤولة عن كلِّ إنتاج النفط والغاز في الإمارات العربية المتحدة تقريباً، أكثر الشركات الحكومية نشاطاً في المنطقة.

وبدأت كلتا الشركتين الاتجاه نحو الخصخصة قبل تفشي وباء كوورنا، مع طرح "أرامكو" حصة 1.5% في سوق الأوراق المالية السعودي في عام 2019، وباعت "أدنوك" حصة من أسهم شركة "أدنوك للتوزيع" في أواخر عام 2017، من خلال طرح عام أولي أيضاً.

ومنذ ذلك الحين، تسارعت وتيرة الصفقات من ناحية العدد والخبرة العالية، كما زاد التركيز على جذب الأموال الأجنبية.

وفي 10 أبريل 2021، أعلنت "أرامكو" السعودية عن توقيع اتفاقية بيع حصة 49 % من الملكية في "شركة أرامكو لإمداد الزيت الخام" (شركة تابعة مملوكة بالكامل لأرامكو السعودية تمَّ تأسيسها حديثاً) لصالح "إي آي جي غلوبال إنرجي بارتنرز" (EIG Global Energy Partners LLC)، مقابل مبلغ 12.4 مليار دولار (46.5 مليار ريال سعودي).

وقد تكون الصفقة التالية لـ "أرامكو"، بيع حصة في شبكة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي ضمن هدفها لجذب المزيد من المستثمرين الدوليين إلى المملكة.

من جانبها، وتخطط "أدنوك" إتمام الطرح العام الأولي لوحدات "الحفر"، و"الأسمدة" الخاصة بها.


وتأتي عمليات الطرح أو البيع بعد سلسلة من الصفقات منذ يونيو 2020 التي شهدت استثمار شركات مثل" بروكفيلد آسيت مانجمنت إنك" ( Brookfield Asset Management Inc)، و " أبولو غلوبال مانجمنت إنك" ( Apollo Global Management Inc) حوالي 15 مليار دولار في خطوط أنابيب الغاز والعقارات التابعة لـ" أدنوك"، ومقرُّها أبوظبي.

ويرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، أنَّ "أرامكو" جزء رئيسي من رؤيته لـ 2030، المشروع الكبير الذي يهدف لتعزيز كل القطاعات بما في ذلك السياحة والاستثمار في محطات الطاقة الشمسية، والمستحضرات الصيدلانية.

ولدى الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، أفكار مماثلة بالنسبة لـ "أدنوك"، وفي مارس منح نفسه المزيد من السيطرة على شركة بدأ في إحداثها لانتزاع المزيد من الأموال من أصولها.

الحفاظ على السيطرة

وسط فورة النشاط، كانت الشركات حريصة على هيكلة المعاملات، ببشكل لا تفقد سيطرتها على الأصول البارزة، فعندما يتمُّ بيع الشركات التابعة، فإنَّها تحتفظ بالجزء الأكبر من الأسهم.

وفي صفقات الأنابيب، عرضت "أرامكو"، و"أدنوك" حقوق التأجير لمدة عقود بدلاً من حقوق الملكية المباشرة.

ويعمل بنك الاستثمار "مويلس آند كو" الأمريكي مستشاراً لكلٍّ من " أرامكو"، و

"أدنوك")، ولصياغة استراتيجية لبيع حصص في بعض الشركات التابعة لهما.

وقال بن كاهيل، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "أدركت شركات النفط الخليجية أنَّها تستطيع بيع أجزاء وأجزاء من إمبراطوريتها، وجمع الأموال دون التخلي عن السيطرة.. بالنسبة للشركات والحكومات، هذا مزيج جيد جداً".

وفي أماكن أخرى من الخليج ، تخطط شركة "قطر للبترول" الحكومية، والشركات الحكومية العمانية، مثل شركة الطاقة الحكومية "أوكيو" (OQ SAOC)، للاستفادة من سوق السندات الدولية المقومة بالدولار للمرة الأولى.

و"أوكيو" هي شركة طاقة متكاملة، يشمل نشاطها عمليات استكشاف وإنتاج النفط والغاز، وإدارة المصافي، وشبكة للبيع بالتجزئة، وأعمال البتروكيماويات الكبيرة. وتشكَّلت الشركة من خلال اندماج شركة النفط العمانية مع العديد من الشركات، بما في ذلك شركة الغاز العُمانية المملوكة للدولة، ومجموعة التكرير "أوربك" (orpic)، والشركة المُنتجة للكيماويات "أوكسي" (Oxea).

وتسعى "قطر للبترول" لإصدار سندات دولية بقيمة 10 مليارات دولار لزيادة قدرتها على تصدير الغاز الطبيعي المسال.

وفي الماضي، كان بمقدور دولة مثل قطر، الأولى عالمياً في نصيب الفرد من الدخل القومي، أن تصدر سندات مقابل 29 مليار دولار لأجل زيادة القدرة على تصدير الغاز الطبيعي المسال.

وقالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في تقرير يوم الإثنين، إنَّ الحكومة القطرية تحاول تقليل عبء الديون التي تضخمت في 2020.

ويسمح توفير السيولة النقدية من خلال بيع حصص في الشركات المملوكة للدولة، للحكومة بتعزيز موارد الموازنة العامة.

التوجه العماني

وقررت شركة النفط العمانية يوم الأربعاء إصدار سندات دولية بقيمة 500 مليون دولار لأجل 7 سنوات.

وقد تلجأ شركة تنمية نفط عمان، (حكومية)، في وقت لاحق من 2021، لإصدار سندات دولية بقيمة ثلاثة مليارات دولار.

وتأتي خطط إصدار سندات دولية، في إطار تغيير واسع لقطاع النفط منذ أن تولى السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم قبل أكثر من عام بقليل، وسعى إلى إيجاد طرق لجذب التمويل الأجنبي، وإنعاش الاقتصاد المنهك.

وفي غضون ذلك، تدرس مؤسسة البترول الكويتية المملوكة للدولة إصدار أوَّل سندات دولية، في إطار استراتيجية لجمع ما يصل إلى 20 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة لتعويض النقص المتوقَّع في الإيرادات.

مزيد من الصفقات القادمة

ومن المرجح أن تمثِّل مبيعات الأصول، وإصدارت أدوات الديون نصيب الأسد من الصفقات المستقبلية، وفقاً لحسنين مالك، رئيس أبحاث الأسهم في " تليمر" (Tellimer)، وهي شركة مقرّها لندن، وتقدِّم تحليلات للأسواق الناشئة.

وقال مالك، الذي يتابع تطورات أسواق الشرق الأوسط لأكثر من 20 عاماً، "يبدو أنَّ تأمين التدفُّقات النقدية المستقبلية، وإصدار السندات، وكذلك مبيعات الأسهم الخاصة، طريقة أقل إرهاقاً في جمع التمويل من المستثمرين الدوليين مقارنة ببيع الأسهم عبر الاكتتاب العام".

وأضاف أنَّ الشركات النفطية الخليجية "تدرك تماماً أنَّ قاعدة المستثمرين أصحاب الدخل الثابت، والأسهم الخاصة أكبر من قاعدة الأسهم الإقليمية".

وفي الوقت الحالي، يبدو أنَّ المستثمرين الأجانب، الذين نادراً ما كانت لديهم مثل هذه المجموعة من الخيارات لاستثمار أموالهم في قطاع النفط والغاز بالشرق الأوسط ، سعداء بضخِّ الأموال.

وقال بن كاهيل، الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن : "هناك بالتأكيد المزيد من الصفات في المستقبل .. شركات النفط الوطنية تراقب بعضها، وتتنهج بعض الأساليب الجديدة".

تصنيفات