طفرة الخليج تفتح أبواب الصفقات أمام مؤسسات الاستشارات الكبرى

"ماكينزي" و"بوسطن الاستشارية" تتوسعان إقليمياً في المنطقة في ظل الركود العالمي الممتد

time reading iconدقائق القراءة - 11
منطقة مركز دبي المالي العالمي، الإمارات - بلومبرغ
منطقة مركز دبي المالي العالمي، الإمارات - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قد يذلل تواجد بعض من أكبر شركات الاستشارات حول العالم حالياً في منطقة الشرق الأوسط المصاعب التي تواجهها أثناء سعيها للتقدم أو إبرام الصفقات.

فعلى المستوى العالمي، تعاني هذه الصناعة من ركود ممتد، حيث نمت بنسبة 3% فقط إلى 250 مليار دولار في عام 2023، وفقاً لمؤسسة "سورس غلوبال ريسيرش" (Source Global Research)، التي تركز على الشركات المتوسطة والكبيرة. أما في الخليج؛ كان معدل الزيادة أعلى بأربع مرات، حيث تنفق الحكومات تريليونات الدولارات على مشاريع بناء الدولة وإبرام الصفقات، وهو ما حفّز توسع شركات ضخمة في المنطقة مثل "ماكينزي آند كو" (McKinsey& Co) ومجموعة "بوسطن الاستشارية" (Boston Consulting Group).

الخليج.. وجهة مفضلة

في "ماكينزي"، يفضل بعض المديرين التنفيذين تولي مناصب في منطقة الخليج العربي؛ لأنهم يرونها بمثابة خطوة تمهيدية للتقدم الوظيفي، والدخول في شراكات، حسبما أفاد أشخاص مطلعون على الأمر.

وأضاف هؤلاء الأشخاص أن الشركة يعمل لديها أكثر من 1000 استشاري بالشرق الأوسط، وهي زيادة كبيرة مقارنة بسنوات ما قبل الجائحة. في المقابل، يعمل بعض كبار المسؤولين في مجموعة "بوسطن الاستشارية" انطلاقاً من دبي، فيما تعتبر الشركة الصندوق السيادي السعودي الذي يبلغ 925 مليار دولار أحد أكبر عملائها، حسبما قال المطلعون.

بالتأكيد يجري التنافس من أجل الاستفادة من ثروات النفط في الخليج بالتزامن مع تصاعد الأعمال العدائية بين إيران وإسرائيل. إلى جانب ذلك، بلغ متوسط أسعار النفط حوالي 80 دولاراً خلال العامين الماضيين بعد أن قفزت إلى أكثر من 100 دولار في عام 2022. وقال مسؤولون تنفيذيون إن الجهات الحكومية في المنطقة أصبحت تشترط معايير أعلى، وبدأت تضغط لخفض الرسوم.

كما خفضت المملكة العربية السعودية توقعات النمو مؤخراً، وقلصت العمل في بعض مشاريعها الطموحة، مما قد يخفض الطلب على المستشارين في بعض المجالات.

رغم ذلك، يرى العديد من المسؤولين التنفيذيين الذين التقت بهم "بلومبرغ" أن صناعة الاستشارات من المتوقع أن تكون من بين القطاعات الأكثر مرونة في الخليج. ولفت هاغوب بانوسيان، المحاضر الأول بالجامعة الأميركية في بيروت إلى أنه "وراء كل مشروع كبير في الخليج، هناك فريق استشاري". وأشار إلى أن العديد من الخريجين الجدد يحصلون على وظائف ذات رواتب عالية في هذا القطاع.

نموذج دبي

بالنسبة لـ"ماكينزي" و"بوسطن الاستشارية"، تُعتبر المنطقة من أقوى الأسواق عالمياً من حيث الإيرادات والربحية، حسبما أفاد أشخاص مطلعون على الأمر، رفضوا التعليق على أمور غير معلنة. وتضم مجموعة "بوسطن الاستشارية" أسماء بارزة مثل صالح العتيقي، الذي انضم إلى الشركة في عام 2023 قادماً من فرع الهيئة العامة للاستثمار الكويتية في لندن، الذي ترأسه لمدة أربع سنوات، وإيهاب خليل الذي يحظى بخبرة واسعة في العمل مع صناديق الثروة السيادية والمستثمرين الإقليميين. وأضافوا أن الشركة يعمل بها أكثر من 1000 استشاري بالمنطقة.

رفض ممثلو "ماكينزي" التعليق، ولم ترد "بوسطن الاستشارية" على طلب التعليق. وأضاف المطلعون أن بعض شركات الاستشارات وظفت كوادر بنظام الإعارة للتعيين في أقسام كاملة بالجهات الحكومية في الشرق الأوسط.

ورغم تصاعد أعمال العنف في المنطقة ما تزال الاستثمارات تسير على قدم وساق. قال أحد المسؤولين التنفيذيين إن الصراع لم يكن له تأثير كبير بعد، ولا تزال الجهات تمضي قدماً في خطط الاستثمار، رغم أن أي تصعيد قد يؤثر على بيئة الأعمال.

نتيجة لذلك، يمكن أن يتجاوز الأجر المبدئي لمستشارين مبتدئين في عواصم دول الخليج نظراءهم في لندن، حتى دون تعديل الضرائب، وفقاً لما ذكره المطلعون.

وفي الرياض، التي كانت لفترة طويلة أقل جذباً للمغتربين بسبب طبيعة قواعدها الاجتماعية، يمكن أن يصل الراتب الشهري لحديثي العمل في مجموعة "بوسطن الاستشارية" المعفى من الضرائب إلى 10 آلاف دولار شهرياً وهو أعلى من متوسط الأجر الأساسي المدرج على منصة "غلاسدور" (Glassdoor) للمساعدين في الشركة بالولايات المتحدة، وفقاً لبعض المطلعين.

ظل الاعتماد على الخبرات الخارجية سمة مميزة لتحول المنطقة لسنوات. وربما يكون المثال الأبرز على ذلك هو دبي، التي تعد مركزاً للأعمال بالشرق الأوسط، حيث اعتمدت المدينة على المستشارين في مشاريع تطوير مثل جزيرة النخلة الاصطناعية "نخلة جميرا"، وفقاً لجيم كرين، زميل في معهد "بيكر" للسياسات العامة بجامعة رايس في هيوستن.

الآن، تأتي "نخلة جميرا" في قلب الطفرة العقارات الفاخرة التي تشهدها دبي التي تجذب مليارديرات من جميع أنحاء العالم. وعندما أعادت الإمارة إحياء مشروع مماثل بعد توقفه لسنوات، اصطف المشترون لشراء منازل بملايين الدولارات.

وبينما بدأت دبي تحولها قبل عقود، تشهد السعودية حالياً دورها في التحولات الاقتصادية والاجتماعية. كما أن مدناً أخرى في الإمارات تكثف خططها الطموحة، وهي تحركات يمكن أن تعني مزيداً من الأعمال لشركات الاستشارات. يقول كرين: "أراهن أن المستشارين المسؤولين استثمروا نجاحات دبي الكبيرة لتحويلها إلى أعمال جديدة في الخليج".

نيوم و"ليف غولف"

هناك هدف استراتيجي آخر وهو التقدم في الذكاء الاصطناعي، حيث تنفق الإمارات والسعودية مليارات الدولارات لبناء الخبرة في أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي وإدارة البيانات. وأثارت بعض هذه الطموحات مخاوف في الولايات المتحدة، حيث يشعر المسؤولون بالقلق بشأن علاقات المنطقة مع الصين.

مع ذلك، فإن شركات الاستشارات تستمر في تعزيز وجودها في مجال التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، يدير رئيس "أوليفر وايمان كوتينت" (Oliver Wyman Quotient)، الذي أُطلق في يونيو كعرض عالمي يجمع بين خبرات الشركة في الذكاء الاصطناعي والأدوات الرقمية، عملياته من الشرق الأوسط.

قال نيك ستودر، الرئيس التنفيذي للشركة ومقرها في نيويورك: "بالنسبة لنا، تعد هذه المنطقة واحدة من أقوى المناطق التي نعمل بها على مستوى العالم". ومع ذلك، أضاف أن الشركة "تتوخى الحذر في الأعمال التي تنفذها هنا، نظراً لطبيعة المنطقة التي قد تحمل بعض التحديات".

كما أن الشركات الأصغر مثل "إيه تي كيرني" (AT Kearney) و"رولاند بيرغر" (Roland Berger) أصبحت أكثر نشاطاً في الخليج.

نشاط خليجي وتباطؤ عالمي

يتناقض النشاط الذي تعيشه المنطقة مع التراجع الذي تشهده أجزاء أخرى من العالم بعد الجائحة، حيث تضطر الشركات الآن إلى خفض الموظفين في ظل قلة المعاملات. وعلى الرغم من أن إيرادات الاستشارات في الشرق الأوسط لا تزال تشكل جزءاً صغيراً من الإجمالي العالمي، إلا أن "سورس غلوبال ريسيرش" تقدر أن السوق البالغة حجمها 5.4 مليار دولار نمت بنسبة 13% في العام الماضي.

يقول ريان بول، محلل أول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة "رين نتوورك" (Rane Network) للاستشارات في مجال المخاطر: "أحد الأسباب الرئيسية لازدهار هذه المؤسسات في الشرق الأوسط هو وجود عدد كبير من المشاريع الطموحة كجزء من التحول الاقتصادي في الخليج بعيداً عن النفط".

استراتيجيات ما بعد النفط

تستعين الحكومات التي تمتلك ثروات سيادية بتريليونات الدولارات بالمستشارين لصياغة استراتيجيات اقتصادية لعصر ما بعد النفط. كما استعانت بهم لتنفيذ خطط مشروع "نيوم" الصحراوي الذي تبلغ قيمته 1.5 تريليون دولار، وساعدوا في تشكيل جولة "ليف غولف" ("LIV Golf") المدعومة من الرياض.

مع تسابق الشركات نحو المنطقة، بات على هذه الشركات التنافس للحصول على نصيب من الكعكة هناك. قال أحد المطلعين إن بعض الشركات تقوم الآن بتنفيذ أعمال قصيرة الأجل مجاناً على أمل أن تؤدي إلى مشاريع أطول.

كما تلقت شركات الاستشارات تقييمات متباينة محلياً لأعمالها. يقول كرين من جامعة رايس: "بينما ساعدت في تحسين صورة دول الخليج، ساهم بعضها في تصور خيارات مفرطة الحماسة".

مع ذلك، يراهن الكثيرون على أن الهيئات الحكومية في الخليج أصبحت تعتمد بشكل كبير على الشركات الاستشارية، لدرجة أن الشركات ستواصل تلقي الأعمال منهم. وبينما تتركز الأنظار على ميزانياتها، تتحدث الرياض بالفعل عن خطة جديدة للتحول الاقتصادي بعنوان "رؤية 2040".

يضيف بول من "رين نتوورك": "رغم ما يثار حول عزم السعودية تعتزم تقليص بعض هذه المشاريع، فإن الدافع الاستراتيجي لا يزال قائماً. أعتقد أنه سيكون من الخطأ ألا تأخذ هذه المؤسسات خططها الطموحة بجدية".

تصنيفات

قصص قد تهمك