بلومبرغ
كشفت تقارير أنَّ أحد كبار المسؤولين في جهاز الخدمة المدنية في المملكة المتحدة كان يعمل مستشاراً لشركة "غرينسل كابيتال" المتعثِّرة، في حين كان لا يزال في منصبه الحكومي.
ويلقي الأمر الضوء على آلية "الباب الدوار" بين الشركات والحكومة، المتمثِّلة في الجمع بين وظيفتين في شركة ما، و جهة حكومية في الوقت ذاته، كما يشير إلى ظاهرة قد تكون أكثر انتشاراً مما يتخيله الكثيرون.
انضمَّ بيل كروذرز إلى "غرينسل" كمستشار لمجلس إدارتها في شهر سبتمبر 2015 عندما كان المسؤول التجاري الأول للحكومة، ولم يثر أي أحد الأمر في ذلك الوقت.
وفي رسالة بتاريخ 9 أبريل الجاري، أخبر كروذرز هيئة الرقابة على التعيينات الوزارية والبيروقراطية أنَّ شغله لوظيفتين لم يكن أمراً "غير مألوف" في جهاز الخدمة المدنية، و"كان الأمر معروفاً" في ذلك الوقت.
تثير مجموعة المراسلات التي جرى نشرها يوم الثلاثاء الماضي احتمالية تفجر المزيد من الأمور الساخنة حول قضية "غرينسل"، وتحديداً بشأن طبيعة ممارسات جماعات الضغط، وما إذا كانت هناك محسوبية.
يضيف تورط الجهاز البيروقراطي في البلاد مستوى آخر من القلق، وذلك لأنَّ مسؤولي الخدمة المدنية لا يمكن مساءلتهم من قبل الناخبين، على عكس المسؤولين المنتخبين.
في دائرة الضوء
في مواجهة أسئلة في البرلمان، كان رئيس الوزراء بوريس جونسون في موقف دفاعي بشأن الخطوط الفاصلة التي ربما جرى تجاوزها، وقال: "أعتقد أنَّها فكرة جيدة من ناحية المبدأ أن يكون كبار موظفي الخدمة المدنية قادرين على التعامل مع الأعمال التجارية، ولديهم خبرة في القطاع الخاص". وأضاف: "عندما ألقي نظرة على الحسابات التي أقرأها اليوم، ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحدود الفاصلة مفهومة بشكل صحيح".
ورَّطت الفضيحة بالفعل بعض كبار وزرائه، وكذلك رئيس وزراء حزب المحافظين السابق ديفيد كاميرون، الذي تولى منصباً في شركة مالية بعد ترك منصبه، واعترف منذ ذلك الحين بأنَّ "الاتصالات مع الحكومة يجب أن تجري فقط من خلال قنوات التواصل الأكثر رسمية".
وعرَّض انهيار شركة "غرينسل" في شهر مارس الماضي آلاف الوظائف للخطر في مصانع المملكة المتحدة المملوكة لشركة ليبيرتي للصلب، وهي جزء من مجموعة "جي إف جي أليانس" (GFG Alliance)، التي اعتمدت على "غرينسل" للحصول على التمويل.
وتحاول الحكومة أيضاً معرفة ما إذا كانت ستقدِّم مساعدة إلى "ليبيرتي"، وكيفية تقديمها أثناء التعامل مع التداعيات المالية المثيرة لشركة لها علاقات وثيقة مع مؤسسة السلطة السياسية في المملكة المتحدة.
لجنة التحقيق
قالت لجنة الخزانة ذات النفوذ في مجلس العموم يوم الأربعاء الماضي، إنَّها ستطلق تحقيقاً يركِّز على الدروس التنظيمية المستفادة من انهيار شركة "غرينسل"، ومدى ملاءمة رد وزارة الخزانة على نشاط الضغط للشركة.
ويتحوَّل التركيز الآن إلى إريك بيكلز، رئيس اللجنة الاستشارية لتعيينات الشركات، الذي طلب بعد تلقي رسالة "كروذرز" من مكتب مجلس الوزراء نشر سياسته الخاصة بتضارب المصالح، والكشف عن عملية الموافقة على تولي "كروذرز" منصب شركة "غرينسل".
و أخبر كلٌّ من "كروذرز"، ومكتب مجلس الوزراء، الذي يرأس إدارة الحكومة، "بيكلز" أنَّ الموظف المدني سعى وحصل على موافقة داخلية للتعيين في ذلك المنصب. كما سأل "بيكلز " عما إذا كان هناك سجل للموظفين الحكوميين العاملين في المنظَّمات الخارجية، وكيف تجري حماية المعلومات الحكومية الحساسة.
وأعلنت الحكومة هذا الأسبوع عن تحقيقها الخاص في كيفية حصول شركة "غرينسل" على عقود تمويل سلسلة التوريد وطريقة عملها، والأسلوب الذي يتعامل به ممثِّلوها -بما في ذلك ديفيد كاميرون- مع الوزراء. وقال جونسون، إنَّه يجب نشر النتائج "بسرعة "، وتقديمها إلى البرلمان.
ومن المقرَّر أن يقدِّم التحقيق تقريراً في نهاية شهر يونيو المقبل.
خطر سياسي
يكمن الخطر بالنسبة لرئيس الوزراء بوريس جونسون في ظهور المزيد من الأسماء والأمثلة على مثل هذه الانتهاكات، وإلى أيِّ مدى سيربط الجمهور بين ما حدث، وحكومته على نحو وثيق.
سياسياً، سيرغب جونسون في إنهاء هذا الأمر ليصبح خلف ظهره قبل الانتخابات المحلية المقرَّرة في شهر مايو المقبل، التي ستكون بمثابة اختبار فيما إذا كان هذا الجدل قد أضرَّ بحزب المحافظين.
وتسعى المعارضة للاستفادة من الحادثة؛ فقد أعرب زعيم حزب العمال كير ستارمر عن اعتقاده أنَّ فضيحة "غرينسل" هي قمة جبل الجليد. وقال، إنَّ ترسية العقود بأسلوب احتيالي، والوصول من خلال المحسوبية، وتقديم الوظائف للأصدقاء تعبر عن عودة حزب المحافظين بالفساد إلى الحكومة.
تصاعد الغضب بعدما ظهر أنَّ كاميرون اقترب مباشرة من وزير الخزانة بحكومة جونسون، "ريشي سوناك"، ووزير الصحة "مات هانكوك"، واثنين من الوكلاء في وزارة الخزانة للضغط نيابة عن شركة "غرينسل"، التي سعت للوصول إلى برامج الأعمال الحكومية، وبرامج المساعدة في مجال مكافحة وباء فيروس كورونا.
وقالت الحكومة، إنَّ كلاً من "سوناك"، و "هانكوك" تصرَّفا بطريقة سليمة. وشدَّد كاميرون، الذي تمَّت براءته من خرق قواعد ممارسة الضغط، على أنَّه يرحب بالتحقيق، وأنَّه مستعد للتعاون فيه.
وتجنَّبت الحكومة يوم الأربعاء الماضي، خطراً محتملاً عندما هزمت بسهولة محاولة حزب العمال لفرض تحقيق بقيادة البرلمان في شركة "غرينسل"، الذي كان من شأنه أن يتمتَّع بصلاحيات استدعاء "كاميرون" و"سوناك"، و"هانكوك " للإدلاء بشهادتهما.
تشديد الرقابة
ما إن واجهت الحكومة هذا التهديد حتى أعلنت لجنة الخزانة في البرلمان عن تحقيقها الخاص، مع نشر القواعد الكاملة للتحقيق الأسبوع المقبل.
من المرجَّح أن يجتذب التطور الأخير المتعلِّق بـ"بيل كروذرز "، المسؤول التجاري الأوَّل للحكومة، مزيداً من التدقيق، نظراً للدور البارز لموظفي الخدمة المدنية في تنفيذ السياسات.
وانضمَّ "كروذرز" إلى "غرينسل" كمستشار لمجلس إدارتها قبل شهرين من تركه الخدمة المدنية. وجرى تعيينه بعد ذلك مديراً لـ"غرينسل" في شهر أغسطس 2016، وهو منصب كان سيتطلَّب منه طلب المشورة بموجب قواعد تعيين الأعمال الحكومية، وفقاً لما ذكره "بيكلز ".
وأكَّد "كروذرز" أنَّه تمَّ إبلاغه بعدم حاجته لتقديم طلب الحصول على مشورة من لجنة قواعد تعيين الشركات، نظراً لأنَّه كان يعمل بالفعل لدى شركة "غرينسل".
وأشار "كروذرز" في رسالة لـِ "بيكلز" إلى أنَّه لم ينظر إلى هذا المنصب الاستشاري على أنَّه مثير للجدل، وهو يعتقد أنَّه ليس نادراً، مضيفاً أنَّه كان صريحاً بشأن الانتقال إلى شركة "غرينسل كابيتال"، وكان الأمر معروفاً في ذلك الوقت.
ومع ذلك، فقد أثار النقاش بالفعل انتقادات من آخرين من أقرانه.