بلومبرغ
شكَّل طرح أسهم شركة "بن داود القابضة" للاكتتاب العام في 2020، فرصة ً للشاب أحمد بن داود لوضع بصمته على سجل الشركة العائلية المشغلة لمتاجر التموينات، والتي يعمل بها منذ سن الثامنة، حيث أصبح يقع على عاتقه إدارة وتنمية ثروة قدرها 3.1 مليار دولار، بناها والده وأعمامه على مدى عقود.
وفي حين كان طرح أسهم الشركة في البورصة السعودية على قدمٍ وساق، برزت معلومات حول قروضٍ بقيمة 76 مليون دولار، لم يتم الكشف عنها سابقاً، قدَّمتها "بن دواد القابضة" لأفراد العائلة.
وفيما يعدُّ خروجاً عن السرية التقليدية المرتبطة بالشركات العائلية السعودية، كشفت مجموعة "بن داود"، ومقرُّها جدَّة، كامل أوراقها، وتمَّ تعليق الاكتتاب العام الأولي، ومنح مشتري الأسهم فرصةً لاسترداد أموالهم.
وعقب سداد القروض بسرعة، تم استئناف عملية الاكتتاب، التي جمعت حوالي 500 مليون دولار للعائلة، بعد استقطاب 29 مليار دولار من عروض الاكتتاب.
تغيير الطرق التقليدية لممارسة الأعمال
وساعد نجاح الاكتتاب العام الأولي على ترسيخ مكانة أحمد بن داود، البالغ من العمر 37 عاماً، كواحد من نخبة جديدة من المديرين التنفيذيين السعوديين الصاعدين في عالم الشركات الذي كان محظوراً على الأجانب إلى حدٍّ كبير حتى سنوات قليلة ماضية، كما جعله رمزاً لتغيير الطرق التقليدية لممارسة الأعمال التجارية، بما يتوافق مع هدف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتحويل المملكة الغنية بالنفط إلى مركز أعمال إقليمي.
وانعكست هذه الشخصية الخارجة عن المألوف داخل متاجر "بن داود" فقط، فقد شهدت الأشهر القليلة الماضية قيام الشركة السعودية بعروض ترويجية بارزة في عيد الحب، وعيد الفصح، وهي خطوة لم يكن ممكناً حتى تخيلها قبل بضع سنوات فقط في بلد التزم تاريخياً بالتفسير الصارم للإسلام.
لكنَّ التزام الأمير محمد بإعادة تشكيل الاقتصاد لا يعمل لصالح بن داود بالكامل، فقد أثّر القرار المفاجئ بمضاعفة ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات العام الماضي على الإنفاق الاستهلاكي، كما أدَّت زيادة الرسوم الجمركية والرسوم المفروضة على الوافدين، إلى ارتفاع التكاليف على الشركات السعودية. وكل ذلك في وقتٍ كانت فيه جائحة كورونا تؤجج البطالة.
الاحتفاظ الحذر بالأسهم
يوصي مهوش ظفر، كبير محللي الأسهم في "أرقام كابيتال" - دبي، بـ"الاحتفاظ" بسهم "بن دواد". لكنَّه يقول: "سنبقى حذرين بما يتعلَّق بنمو الاستهلاك للمدى القريب إلى المتوسط، مع تقلُّص حجم السوق بسبب احتمال مغادرة الوافدين. ومن المحتمل أنَّ نمو المبيعات "المقارنة" سيكون سلبياً حتى عام 2022 على الأقل، إذ يتأتى النمو فقط عبر افتتاح متاجر جديدة أو من خلال عمليات استحواذ.
وقفزت أسهم "بن داود" أكثر من 30% في الأيام التي أعقبت الطرح العام مباشرةً. ومع أنَّها تراجعت منذ ذلك الحين، إلاّ أنَّ مكاسبها يوم الخميس الماضي فاقت سعر الإدراج بحوالي 11.5%.
ولقد ساهم أداء أسهم الشركة بدعم خطة العائلة لتنويع أعمالها وأصولها، بموازاة تعزيز أعمالها الأساسية. وهو هدف حدَّده أحمد بن داود لكونه أساسياً لتجنب صراع يخشى والده أن يقوِّض الشركة مع انتقالها إلى جيل جديد. لاسيَّما أنَّ "غالبية الشركات العائلية لا تستمر عند انتقالها إلى الجيل الثالث، وهذا شيء يقلق والدي كثيراً"، بحسب أحمد بن داود.
تطور "بن داود"
استغرق صعود أعمال "بن داود" حوالي 40 عاماً. فقد كانت في يوم من الأيام شركة صغيرة لبيع العطور العربية والبقالة للحجاج، الذين يزورون الأماكن الإسلامية المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأصبحت الآن شركة بارزة على الصعيد الوطني يشمل نشاطها تشغيل وإدارة السوبر ماركت، والهايبر ماركت، والفنادق، ومراكز التوزيع. وتوظِّف أعمال البقالة وحدها لدى المجموعة أكثر من 10 آلاف عامل في 74 متجراً.
وتحدَّد قدر أحمد بن داود بمجرد أن تخرَّج والده عبد الرزاق بن داود في الثمانينيات من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الرياض، وبدلاً من اتباع خطى أقرانه في صناعة النفط، قرَّر الانضمام إلى إخوته إسماعيل، وعبد الله في تجارة التجزئة المزدهرة.
وهكذا وجد أحمد نفسه في الخطوط الأمامية في سنٍّ مبكرة. ففي الثامنة من عمره فقط، كان يساعد في بيع السلع للحجاج خلال عطلاته المدرسية، ويشعر بالغيرة من أصدقائه الذين كانوا يقضون وقتهم بعيداً متجنِّبين فصول الصيف الحارقة في المملكة العربية السعودية.
ويقول بن داود: "كان أصدقاؤنا يسافرون للاستمتاع، وأحياناً كنت أسأل نفسي: لماذا لا نفعل نحن ذلك أيضاً؟ لكنَّ تجربة التجارة خلال الحج والعمرة أوجدت فينا شغفاً لمتابعة في الأعمال التي بناها أبونا وأعمامنا".
توقف السياحة الدينية
ساهم قرار تعزيز التسوق والتسليم عبر الإنترنت في إعداد الشركة لعمليات الإغلاق خلال جائحة فيروس كورونا، ولكن لم يكن بإمكانها التغلُّب على الضرر الناجم عن غياب السائحين الدينيين (كالحجاج والمعتمرين)، الذين مُنعوا من دخول المملكة معظم العام.
وفي حين قفزت الأرباح بنسبة 7% في العام الماضي، إلا أنَّها تراجعت بأكثر من 53% في الربع الرابع عندما أعادت المملكة العربية السعودية فرض قيود السفر.
ولا يزال بن داود متفائلاً بعودة المتسوِّقين مع استئناف السفر، برغم أنَّ سرعة عودة الحجاج إلى المملكة العربية السعودية، فضلاً عن أنَّ العودة إلى الأرقام السابقة وسرعة التعافي لا تزال مثل أي شيء أمراً غير مؤكَّد.
وقال بن داود، إنَّ الخطوة التالية قد تكون شراء سلسلة بقالة منافسة للتوسُّع في البلدان المجاورة. في الوقت نفسه، ستساعد عائدات الاكتتاب العام في تطوير مكتب عائلة مجموعة بن داود، الذي يديره والد أحمد الآن.
وتقدَّر هذه الثروة، التي تنقسم بين العديد من أفراد الأسرة، بحوالي 3.1 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
وقال أحمد بن داود: "كان للاكتتاب العام زاويتان رئيسيتان - الاستدامة واستمرارية الأعمال أولاً، وتنويع نشاطات العائلة ثانياً. ونحن بصدد تطوير مكتب العائلة، واستقطاب المواهب المناسبة".
من المرجَّح أن تحذو المزيد من الشركات العائلية خطى بن داود. فطرح شركة "أرامكو" للاكتتاب العام في 2019، الذي لم يكن الكثير من السعوديين يتوقَّعون حصوله، "كان محركاً هائلاً لتحفيز العائلات على تحويل مشاريعهم التشغيلية إلى شركات عامة بما يسهم في تنميتها وتوليد ثروة جديدة"، بحسب طيب محمد، الشريك المؤسس لمجموعة "أغريوس" التي تتخذ لندن مقرَّاً لها.
وبرغم كل التحديات، فإنَّ أحمد بن داود متفائل، فقد أشار إلى أنَّ سجله الطويل في ممارسة الأعمال يشكِّل أساساً راسخاً للنجاح.