بلومبرغ
عوضت "ميتا بلاتفورمز" 11 ألفاً من منسوبيها بعدما سرحتهم في نوفمبر 2022 عن إنهاء خدماتهم بما كان إجماليه 975 مليون دولار، أي بمعدل وسطي يفوق 88 ألف دولار لكل منهم. وأعلنت مالكة "فيسبوك" لاحقاً في تقرير إلى الهيئات الناظمة أن وقع هذه التكاليف "لم يكن كبيراً جداً" لأنها عوضته عبر الوفر في الرواتب والمكافآت والمزايا.
لكن حساب تكلفة إقالة الموظفين لا يقتصر على تعويضاتهم. تكشف بيانات حصرية جديدة أن إنتاجية الموظفين الذين يبقون في الشركة بعد تسريح زملائهم تنخفض عموماً، أقله لبضعة أشهر، بسبب القلق وتراجع المعنويات. كما يزيد عدد المستقيلين، فيكبدون الشركة تكاليف إضافية لتوظيف وتدريب بدلاء. وترتفع نسب ضرائب التأمين ضد البطالة التي تدفعها الشركة، وهي غالباً ما تضطر للاستعانة بمحامين وخبراء إحصاء قبل التسريحات وبعدها، ليساعدوها على تجنب دعاوى قضائية قد تتهمها بالتمييز، وللدفاع عنها إن اقتضى الأمر.
في هذا الإطار، حللت "بلومبرغ نيوز" مئات التقارير المقدمة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات لتكوين فكرة عن التكاليف المباشرة لعمليات تسريح الموظفين، ثمّ استشارت خبراء اقتصاديين وأكاديميين ومديرين تنفيذيين ومحللي بيانات متخصصين بسوق العمل، لتقدير التكاليف غير المباشرة.
فيما يقرّ واين كاسيو، أستاذ الإدارة الفخري البارز لدى كلية إدارة الأعمال بجامعة كولورادو-دنفر، بصعوبة تقييم هذه التكاليف بدقة، فهو يرى فيها تفسيراً للخلاصات التي توصلت إليها أبحاثه بأن الشركات التي تلجأ إلى تدابير لخفض التكاليف مثل الإجازات المؤقتة غير المدفوعة، تحقق أداءً أفضل لمدة تصل إلى عامين مقارنةً مع التي تبادر إلى تسريح موظفين فور وقوعها في صعوبات مالية.
1. تعويضات الإقالة
الخلاصة: قلّة من الشركات الأميركية تدفع تعويضات لجميع من تطالهم الإقالات، وحتى حين تدفع تعويضات، فإن قيمتها لا تتعدى عادةً راتب بضعة أسابيع عن كل سنة خدمة.
لا يحصل كل من تطالهم التسريحات على تعويضات، وقد أظهر استطلاع من شركة التوظيف الهولندية "راندستاد"(Randstad)، أن ربع الشركات الأميركية تقول إن جميع موظفيها يحصلون على تعويض في حالة تسريحهم من العمل، فيما تبلغ هذه النسبة 42% عالمياً.
حين يحصل الموظفون على تعويض، فهم يتلقون في العادة راتب بضعة أسابيع عن كل سنة خدمة، وغالباً ما يُسمح لهم بالاستفادة من التأمين الصحي، ويحصلون على تعويض عن أيام الإجازات المتراكمة. بالتالي، قد تتفاوت قيمة تعويض إنهاء الخدمة كثيراً بين موظف وآخر.
فيما يخصّ الشركات المدرجة في البورصة الأميركية التي تقدم مثل هذه التعويضات، بلغ متوسط قيمة حزمة التعويض الأكثر شيوعاً حوالي 40 ألف دولار للموظف، وفقاً لتحليل حصري من "بلومبرغ نيوز" للتسريحات الأخيرة لدى شركات مدرجة على مؤشر "راسل 3000".
يمثل هذا الرقم إجمالي التعويضات التي دفعتها الشركات مقسوماً على عدد الموظفين المسرحين من العمل، وفقاً لتقارير مقدمة إلى لجنة الأوراق المالية والبورصات حول الأحداث التي تهم المساهمين، وهو معروف باسم (8-K).
بدأت المزيد من الشركات بتقديم حزم تعويضات لموظفيها المسرحين من العمل خلال فترة جائحة كورونا في إطار جهود أوسع لتحسين أوضاع العمال. إلا أن هذه النزعة عادت لتنحسر مع انحسار تهديد الجائحة.
كان ديفيد فيشر الخمسيني مثالاً على ذلك، فقد كان يعمل مسؤول تسويق في مجال التجارة الإلكترونية في بورتلاند بولاية أوريغون، وسُرّح من وظيفته من دون تعويض في مايو. ما زاد مرارة الموقف أنه تلقى خبر فصله في موقف سيارات الشركة، وقال: "لا تفارقني ذكرى ذلك".
بيّن تحليل "بلومبرغ"، أن شركة "ثيسوس فارماسوتيكال" (Theseus Pharmaceuticals) كانت الأسخى مع موظفيها، إذ قدمت حزم تعويضات بلغ متوسط قيمتها حوالي 212 ألف دولار لـ26 موظفاً سرحتهم في نوفمبر. ولم تجب شركة "كونسينترا بيوساينسز" (Concentra Biosciences) الخاصة التي استحوذت على "ثيسوس فارماسوتيكال" في فبراير على عدة طلبات للتعليق وجهناها إلى مالكتها "تانغ كابيتال" (Tang Capital).
كما أظهر تحليل "بلومبرغ" أن شركات الرعاية الصحية قدمت بعضاً من أعلى التعويضات الفردية، وهو ما يتطابق مع بيانات "رانستاد" التي تستطلع من الشركات حول تعويضات المسرحين، وكان قطاع الرعاية الصحية أسخى ممن سواه في ما يتعلق بأمد استمرار تقديم التعويضات.
2. انخفاض الإنتاجية
الخلاصة: يمكن أن تخسر الشركات ما يزيد عن 50 ألف دولار من الإنتاجية شهرياً لكل 100 موظف يبقون بعد التسريحات. عادةً ما تعود الإنتاجية إلى سابق عهدها خلال ستة أشهر.
بعد موجة التسريحات، يشعر من بقي من العمال بالضغط والتوتر، وعادةً ما يسبب ذلك تراجعاً في إنتاجيتهم. لقد أظهرت الأبحاث انخفاضاً في تركيز الموظفين على الجودة بعد تسريح زملاء لهم، ما يؤدي إلى ازدياد عيوب المنتجات وتراجع الأداء ووقوع حوادث. كما لذلك تأثير سلبي على الابتكار.
شركة "أكتيف تراك" (ActivTrak)، التي يستخدم برامجها آلاف أصحاب العمل بغرض مراقبة نشاط الموظفين، قاست مستوى اختلاف الإنتاجية لدى سبعة عملاء كانوا قد سرحوا موظفين بين يناير 2022 وأبريل 2024، ولم تكشف اسم الشركات لكنها شاركت تلك التحليلات حصرياً مع "بلومبرغ نيوز". تبين أنه بعد التسريحات، انخفض الوقت الإنتاجي للموظف الواحد بمعدل يقارب ساعة يومياً، أي حوالي 18 ساعة في الشهر.
تُعرّف "أكتيف تايك" الوقت الإنتاجي على أنه عدد الساعات التي يقضيها الموظف في استخدام التطبيقات والمواقع المتعلقة بالعمل، وذلك من خلال تتبع حركة الفأرة ولوحة المفاتيح. وتضيف إليها جداول مواعيد الموظفين من أجل احتساب الوقت الذي يقضونه في الاجتماعات غير المتصلة بالإنترنت. لا يتعقب البرنامج ما يكتبه الموظفون ولا ما تظهره كاميراتهم، ويحدد أرباب العمل أهداف الإنتاجية.
استندت "أكتيف تراك" إلى متوسط راتب سنوي قدره 60 ألف دولار، أو 28.85 دولار في الساعة، فقدرت قيمة خسارة الإنتاجية الشهرية بنحو 519 دولاراً لكل موظف يبقى في الشركة. على سبيل المثال، في شركة تضم 100 موظف، يمكن أن يصل إجمالي خسائر الإنتاجية إلى أكثر من 50 ألف دولار شهرياً، وهو مبلغ كبير لشركة من هذا الحجم.
اتبع انخفاض الإنتاجية أنماطاً مشابهة في الشركات التي شملها تحليل "أكتيف تراك"، سواء شملت التسريحات 14% أو 47% من قوة العمل. عند النظر في ثلاث شركات توافرت بياناتها لمدة ستة أشهر، عادت جميعها خلال هذه الفترة إلى مستوى إنتاجية ما قبل التسريحات.
حتى أن إحدى الشركات التي شملتها الدراسة سجلت زيادة في الإنتاجية بعد التسريحات، وهذا وارد أحياناً، إذ يعوّض الموظفون المتبقون الفراغ الذي يحدثه تسريح زملائهم. تعليقاً على ذلك، قالت غابرييلا ماتش، مديرة شؤون العملاء في "أكتيف تراك" ورئيسة مختبر الإنتاجية لديها: "كثيراً ما ترتبط الاستجابة مع التسريحات بالثقافة السائدة... فالناس يظلّون بحاجة لوظائفهم".
3. الاستقالات الطوعية
الخلاصة: يؤدي خفض الموظفين بمقدار العشر إلى زيادة تداني 50% في الاستقالات الطوعية، ويكلف استبدالهم في شركة بها 10 آلاف موظف أكثر من 75 مليون دولار.
من اختبر تجربة تسريح موظفين حيث يعمل، يعي أن ذلك يخلق جواً من الخوف وانعدام الثقة. كما يُتوقع أحياناً من الموظفين المتبقين تعويض أدوار المفصولين دون زيادات في رواتبهم، ما قد يثير استياءهم. غالباً ما ينكب هؤلاء الموظفون على تحديث سيرهم الذاتية والبحث عن فرص عمل في أماكن أخرى. تقول الرابطة الأميركية للإدارة أن الروح المعنوية تنخفض في أكثر من ثلثي الشركات خلال السنة الأولى بعد التسريحات.
أحياناً، قد يؤدي تسريح الموظفين إلى موجة استقالات قد تتجاوز التسريحات حجماً. أظهر تحليل شمل 200 شركة أعده أستاذا الإدارة تشارلي تريفور من كلية ويسكونسن لإدارة الأعمال وأنتوني نيبرغ من كلية دارلا مور للأعمال بجامعة ساوث كارولينا، أنه فيما يعد تسريح الموظفين بتوفير كبير في تكاليف العمالة، فإن هذا الوعد تقوّضه "التكاليف الكبيرة المرتبطة بالزيادات غير المتوقعة في الاستقالات الطوعية". وتشمل هذه التكاليف الأضرار الناتجة عن نقص الموظفين وتكاليف توظيف بدلاء وتدريبهم.
ما حجم هذه التكاليف؟ لنأخذ على سبيل المثال شركة تضم 10 آلاف موظف، وقد ضمّت شركات من هذا الحجم حوالي ثلث إجمالي اليد العاملة في الولايات المتحدة في 2021، وفقاً لأحدث الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الأميركي.
تفقد مثل هذه الشركة حوالي 1900 موظف سنوياً، بالنظر إلى أن معدل الاستقالات الطوعية في الشركات الخاصة الأميركية في السنوات الأخيرة بلغ حوالي 19%، وفقاً لشركة الاستشارات في سوق العمل "ميرسير" (Mercer). لكن إذا ما سرحت الشركة عشر قوتها العاملة، ستزيد الاستقالات 49% لتصل إلى 2,831 موظفاً، وفقاً لأرقام تريفور ونيبرغ، ما يعني أن استقالة 931 شخصاً إضافياً أتت كنتيجة للتسريحات.
استبدال هؤلاء الموظفين مكلف وقد يبلغ راتب 15 شهراً، وفقاً لتقديرات بعض مسؤولي الموارد البشرية. استناداً إلى أن متوسط راتب الموظفين المحترفين في الولايات المتحدة هو 65 ألف دولار سنوياً، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل، يكلف استبدال من استقالوا حوالي 81250 دولاراً. عند حساب تكاليف استقالة 931 موظفاً باستخدام هذا الرقم، يصل إجمالي المبلغ إلى 75.6 مليون دولار.
4. ارتفاع ضريبة التأمين ضد البطالة
الخلاصة: ترتفع ضريبة التأمين ضد البطالة المفروضة على الشركات في السنة التي تلي تسريح الموظفين، مع تباينات حسب الولاية والحالة.
في الولايات المتحدة، يقدم التأمين ضد البطالة مساعدة مالية مؤقتة للعمال المؤهلين الذين فقدوا وظائفهم دون إخلال من طرفهم، ويُموّل ذلك أساساً من خلال ضرائب تفرضها الولايات على أصحاب العمل.
تعتمد الولايات طريقتين رئيسيتين لتحديد قيمة ضريبة التأمين ضد البطالة بموجب نظام متبع منذ 1935. ويتفاوت تأثير التسريحات على معدل الضريبة بناءً على عدة عوامل، منها التسريحات السابقة لدى الشركة ومدة استفادة كل موظف مفصول من تعويضات البطالة.
قال روبرت بافوسيفيتش، الخبير التأميني السابق في مكتب التأمين ضد البطالة بوزارة العمل: "لدينا مجموعة متنوعة من القوانين في كل ولاية، ما يجعل الحسابات معقدة جداً".
ابتكر بافوسيفيتش طريقة حسابية لتحديد تأثير تسريح موظف واحد على قيمة ضريبة التأمين ضد البطالة التي سيدفعها صاحب العمل في العام التالي. فقد وجد أن تسريح شركة في تكساس مثلاً، حيث الإجراءات أبسط مقارنة مع نيويورك أو كاليفورنيا، 5% من موظفيها، سيجعلها تدفع في السنة التالية 93 دولاراً إضافياً عن كل موظف. وهذا يعني أن شركة تضم 10 آلاف موظف ستتكبد تكلفة إضافية تقارب مليون دولار.
5. النفقات القانونية
الخلاصة: تدفع الشركات أتعاب خبير إحصاء وأجراً لكل ساعة عمل للمحامين يبلغ نحو 500 دولار.
تتكبد الشركات تكاليف للحدّ من احتمالات مواجهة دعاوى قضائية أو تقليلها. إذ تدفع 5000 آلاف دولار على أقلّ تقدير مقابل خدمات خبراء إحصاء خارجيين يتولون تحليل خلفية الموظفين الذين تعتزم الشركة تسريحهم، مثل العرق والجنس والعمر، ومقارنتها مع تركيبة الشركة بشكل عام.
قال مايك دوموند، الخبير الاقتصادي المتخصص بسوق العمل والمدير الإداري في مجموعة "بيركلي" البحثية التي تقوم بهذا النوع من التحليل لصالح عملائها: "إذا كان هنالك ارتباط قوي جداً بين تسريح موظفة من العمل وبين كونها امرأة لدرجة أن يصعب أن تكون عشوائية، فلذلك دلالة إحصائية، وهو ما يمكن أن يستند إليه القضاء في استنتاج وجود تمييز".
شرح ماثيو ديسبرو، المحامي المتخصص بقانون العمل والشريك في مكتب هونينغمان للمحاماة أنه إذا أظهر التقرير الأولي حول عملية التسريح تفاوتاً في أعداد المفصولين من العمل يطال بشكل خاص مجموعة محمية قانونياً من التمييز، فعندها "يجب العودة إلى العميل الذي سيضطر للبحث عن موظفين آخرين ليسرحهم من أجل تصحيح هذه المشكلة... ثم يُعاد التحليل مجدداً".
قال دوموند إن بعض الشركات تحصل على الضوء الأخضر بعد جولة واحدة فقط، بينما قد تحتاج شركات أخرى إلى أكثر من 12 جولة قبل أن تتوافق قائمة من سيشملهم التسريح مع المعايير التي تجنبها دعاوى قضائية.
قد تضطر الشركة أيضاً للاستعانة بمحامين، بتكلفة تصل إلى 500 دولار في الساعة أو أكثر، لتتبين ما إذا كان التسريح واسعاً لدرجة أنه يستدعي تبليغ الموظفين وممثلي النقابات والمسؤولين المحليين مسبقاً، امتثالاً لقانون يتطلب ذلك.
كما قد تستعين الشركات بمحامين خارجيين ليدققوا سجلاتها لتقييم ما إذا كان التسريح قد يستجر دعاوى تمييز.
لكن مهما كانت الشركة حذرة، ما إن يعلم الموظفون بقرار الإقالة حتى يكون خطر رفعهم دعاوى قضائية قائماً، ومن ذلك الدعاوى الجماعية. قال ديسبرو: "تستعين بك الشركة مقابل أجر ثابت لمساعدتها في حال طرأ أمر ما". في حالة التسريحات تكون كل الاحتمالات واردة، ولكل منها تكلفتها.