بعد إغلاق قضية العمودي.. ماذا يعيق إحياء مصفاة النفط الوحيدة في المغرب؟

انتهاء التحكيم الدولي بين الملياردير السعودي والدولة المغربية بدفع الأخيرة تعويضاً 150 مليون دولار

time reading iconدقائق القراءة - 6
مصفاة النفط \"سامير\" بمدينة المحمدية، المملكة المغربية - المصدر: رويترز
مصفاة النفط "سامير" بمدينة المحمدية، المملكة المغربية - المصدر: رويترز
الرباطيوسف لخضر
المصدر:

الشرق

يتساءل مئات العاملين في شركة "سامير"، المالكة لمصفاة النفط الوحيدة في المغرب، اليوم أكثر من أي وقت مضى عن إمكانية إعادة تشغيلها بعد توقف مستمر منذ 9 سنوات، مع انتظار مبادرة من الحكومة تُسهّل بيعها لمُشترٍ يعيد إحياءها.

تخضع "الشركة المغربية لصناعة التكرير"، المعروفة باسم "سامير" (SAMIR)، للتصفية القضائية منذ 2016، بعد توقفها عن العمل قبل ذلك بسنة بسبب تراكم ديونها إلى أكثر من 4 مليارات دولار لصالح الجمارك وبنوك محلية.

عام 2017، عرض القضاء المغربي الشركة وجميع أصولها للبيع، لكن رغم تلقي عدد من العروض المحلية والأجنبية لم يتم قبول أي منها في حينه. وبعد ذلك بسنة، لجأ مالكها السابق رجل الأعمال السعودي محمد العمودي إلى طلب التحكيم لدى المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار، التابع للبنك الدولي، مدّعياً بأن "المغرب خرق اتفاقية حماية الاستثمار مع بلد شركته المستثمرة بالمصفاة السويد".

تعويض وبارقة أمل

الملياردير العمودي طلب تعويضاً ضخماً قدره 2.7 مليار دولار، لكن مركز التحكيم الدولي أصدر منتصف يوليو الجاري قراراً بمنحه 150 مليون دولار، وهو ما يمثل 5.5% من المبلغ المطلوب. ورغم أن القرار يُدين الحكومة المغربية، إلاّ أن انتهاء عملية التحكيم الدولي يُمثل بارقة أمل لـ450 عاملاً في المصفاة لإعادة تشغيلها، فلطالما بررت الحكومة عدم التدخل لحل أزمة الشركة لكون الملف معروض على التحكيم.

يرى الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، أن "صدور القرار يعني أن الحكومة لم يعد لديها مبرر، وعليها الآن العمل على تسهيل إجراءات بيع الشركة وأصولها بدون الديون المتراكمة". مضيفاً أن الحكومة "عليها أن توضح رؤيتها لمستقبل صناعة التكرير لتشجيع عروض الشراء التي يمكن أن تُعيد الحياة إلى المصفاة".

كانت "سامير" مملوكة بالأغلبية لمجموعة "كورال بتروليوم هولدينغ" (Corral Petroleum Holdings) السويدية، التي يملكها العمودي، بعدما اشتراها من الحكومة المغربية عام 1997، وكانت تضمن للبلاد أكثر من نصف احتياجاتها من المواد البترولية عبر استيراد الخام وتكريره محلياً.

280 مليون دولار للصيانة

مع طول مدة التوقف، ساد التخوف من تآكل معدات المصفاة، لكن اليماني، الذي يعمل منذ عقود في مصفاة التكرير المتواجدة بمدينة المحمدية على الساحل الأطلسي، يفصح في حديث لـ"الشرق" عن إمكانية عودتها للتكرير بكلفة صيانة تُقدّر بنحو 280 مليون دولار. مشيراً إلى أن "المدة اللازمة للصيانة لن تزيد عن العام، مع الشروع في الإنتاج التدريجي بعد ذلك، وسط إمكانية تحقيقها إيرادات وأرباح مهمة بفضل ارتفاع هوامش التكرير حالياً".

تزامن توقف المصفاة عن التكرير في 2015 مع قرار رفع الحكومة لدعم أسعار المحروقات، ومنذ ذلك الحين أصبحت الأسعار في محطات الوقود في البلاد تخضع لتقلبات السوق الدولية بشكل مباشر، إذ يتم اليوم استيراد كامل المنتجات البترولية مُكرّرةً من الخارج بكلفة بلغت العام الماضي 12.1 مليار دولار، وفقاً للأرقام الرسمية للتجارة الخارجية.

ويفيد اليماني أنه "بإمكان المصفاة أن تبلغ طاقة تكرير 70 مليون برميل سنوياً، وهو ما يكفي لتغطية 67% من حاجيات البلاد من المواد البترولية، إضافة إلى قدرات تخزينية لمدة تتجاوز الشهرين، وهذا سيبث دينامية في اقتصاد المدينة وتوفير ألف منصب شغل مباشر و3500 غير مباشر عبر التعاقد مع شركات المناولة بشكل مستمر".

يعود تأسيس "سامير" إلى 1959 بالتعاون بين الحكومة المغربية وشركة النفط الإيطالية العامة (ENI). وفيما بعد اشترى المغرب حصة الإيطاليين ليتقرر إدراجها في البورصة عام 1996 ثم الخصخصة بعد ذلك. وكان 2014 آخر عام لعمل الشركة وسجلت خلاله خسارة بقيمة 2.5 مليار درهم، وإيرادات بـ44.3 مليار درهم.

خيارات المغرب

عقب صدور قرار مركز التحكيم، صرحت نادية فتاح العولي، وزيرة الاقتصاد والمالية، أن "المغرب قرر بحث كافة سبل الاستئناف لإبطال قرار المركز"، وأكدت أن الحكومة تعتبر "المصفاة أصلاً ذا قيمة استراتيجية ولذلك تدرس مشروعاً لإحيائها".

تبقى خيارات الطعن المطروحة أمام المغرب محدودة وصعبة في نفس الوقت، بحسب صبري لحو، المحامي الخبير في القانون الدولي، الذي أكد أن "الحديث عن الاستئناف كما هو متعارف عليه في الأنظمة القانونية غير متاح أمام المركز الدولي لأن ذلك غير منصوص عليه في النظام الأساسي، وما هو متاح هو طلب المراجعة أو طلب الإلغاء أمام نفس الهيئة، لكن ذلك مُقيّد بشروط صارمة".

لحو رأى في حديث لـ"الشرق" أن "طلب المراجعة هو السيناريو الأفضل للمغرب، ويمكن عبره إبلاغ هيئة المحكمة بالأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم المحلية في الملف أو تقديم معطيات جديدة قد تعيد الكفة لصالح البلاد". موضحاً أن هذه الخطوة ستدفع مركز التحكيم لإيقاف تنفيذ القرار مؤقتاً إلى حين البت في الطلب.

 

في المقابل، رجح شخص مطلع لـ"الشرق" ألاّ يسلك المغرب أي خيار للطعن لأن ذلك يتطلب وقتاً طويلاً من الترافع ناهيك عن الكلفة المادية، وأضاف الشخص الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته: "سيناريو عدم الطعن سيدفع الحكومة للتركيز على إحياء المصفاة عبر بيعها، بما يوفر الأموال الكافية للتعويض لصالح العمودي ثم الدائنين الآخرين من جمارك وبنوك محلية".

تصنيفات

قصص قد تهمك