بلومبرغ
قد تكون الآلاف من "بوالص التأمين" صادرة للتأمين على الصناديق الفولاذية المكدسة أعلى السفينة الضخمة التي تسد قناة السويس حالياً وتقلب موازين التجارة العالمية رأساً على عقب؛ وهي الأزمة التي يمكن أن ينتج عنها دفع تعويضات تُقدّر بملايين الدولارات، لكن دعونا أولاً نستعرض لعبة "تمرير المسؤولية".
تقول شركة "إيفرغرين لاين" التايوانية التي استأجرت سفينة "إيفر غيفن"، أن الشركة اليابانية "شوي كايسن كايشا" (Shoei Kisen Kaisha Ltd) - مالكة السفينة - هي المسؤولة عن أية خسائر. ورغم تحمل الشركة مالكة السفينة بعض المسؤولية، إلا أنها ترى أنه يتعيّن على مستأجري السفينة التعامل مع أصحاب البضائع، كما تُشير سياسات قناة السويس إلى أنها لا يمكن إلقاء اللوم عليها، حتى لو كان مرشدوها يُشرفون على إرشاد السفينة التي تجنح.
وكان انسداد القناة السبب وراء إطلاق العنان لفيض من المطالبات الصادرة من جانب جميع المتضررين، بدءاً من أولئك الذين يعملون في صناعة الشحن وصولاً إلى أولئك الذين يعملون في مجال السلع الأساسية.
سيناريو كارثي
وفي الواقع، سيسعى مالكو البضائع على متن السفينة "إيفر غيفن" والسفن الأخرى التي توقفت بسبب إغلاق أسرع ممر مائي يربط أوروبا بآسيا، إلى طلب الدفع من شركات التأمين الخاصة بهم. كما ستقوم شركات التأمين على البضائع الموجودة على متن السفن بدورها بتقديم مطالبة ضد مالكي سفينة "إيفر غيفن"، الذين سيتوجهون بدورهم إلى شركات التأمين الخاصة بهم للحصول على الحماية.
وكما قال "كريس غريفسون"، الشريك في مكتب محاماة الشحن "ويكبورغ رين" (Wikborg Rein LLP) في لندن: "إنه سيناريو من نوع كارثي".
ومن بين الأشياء المؤمَّن عليها هي السفينة نفسها، حيث تُغطى تأمينياً عادةً بقيمة تتراوح بين 100 مليون دولار إلى 200 مليون دولار، وفقاً لوسيط التأمين ومستشار المخاطر "مارش" (Marsh)، إلا أن مبلغ التعويض سيعتمد على مدى سوء الحادث. وفي حين أن مروحة الدفع يمكن أن تكون قد تضررت بسبب عمق الجنوح، إلا أن الأسطح الرملية تعني أن الضرر كان يمكن أن يكون أسوأ.
وفي حال تم الأخذ بمعادلة تسمى "المتوسط العام" - والتي تتضمن تقاسم التكاليف بين جميع أصحاب المصلحة - فإن مدفوعات التعويضات، التي ستكون بالملايين، تصبح معقدة بشكل لا يصدق.
ستكون السفينة "إيفر غيفن" السبب الواضح لخسائر تعطل أعمال السفن الأخرى، مما يؤدي إلى فيض من المطالبات. وقد تدخل عوامل مثل حدود الوثيقة الأولية وإعادة التأمين إلى المشهد، وهو الأمر الذي من المحتمل أن يُقدر خسائر الصناعة بمئات الملايين من الدولارات بدلاً من المليارات. ماثيو بالازولا - محلل "بلومبرغ إنتليجنس"
أمور معقدة
وقال "ماركوس بيكر"، رئيس قسم الممارسات البحرية في "مارش": "يضيف ذلك تعقيداً كبيراً لتسوية المطالبة النهائية؛ وعندما أقول تعقيداً هائلاً، فإننا نتحدث عن سنوات قبل أن نتمكّن من الوصول إلى أرضية مشتركة يعرف الجميع فيها موقعهم".
وفي حين أن مصممي نماذج المخاطر الرئيسيين لم يضعوا تقديراتهم بعد، فإن مبلغ التعويض النهائي للسفينة سيُغطي مجموعة كاملة من قطاعات التأمين. وأحد الكيانات المشاركة بشكل مباشر هو نادي "يو كيه بي آند آي كلوب" (U.K. P&I Club) - وهو واحد من ثلاث عشرة مجموعة مشتركة تؤمن مسؤولية الطرف الثالث في أسواق الشحن العالمية، ويُغطي السفينة "إيفر غيفن" فيما يخص أشياء مثل الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمطالبات بالتعطيل؛ حيث قال النادي البريطاني إنه سينظر في جميع المطالبات الصحيحة في الوقت المناسب.
ويمكن أن تشمل تغطية الحماية والتعويض أيضاً أشياء مثل تكاليف الإنقاذ، وخسائر الإيرادات؛ والتي تُعد حالياً من أكبر الأشياء المجهولة، وهو حال الأمر ذاته فيما يخص موعد معاودة حركة السفينة مرة أخرى، والذي يُعد غير واضح حالياً.
حادث مشابه
وإذا كان من الضروري جعل السفينة أخف وزناً عن طريق إزالة بعض الصناديق الموجودة على متنها، فستتحمل مسؤولية أكبر، وفقاً لِـ "راهول خانا"، الرئيس العالمي لاستشارات المخاطر البحرية في شركة "أليانز" (Allianz SE)، حيث قال: "إذا اضطروا إلى تنزيل الحاويات، فستكون هذه تكلفة ضخمة أخرى؛ حيث سنتحدث حينها عن الملايين، وعشرات الملايين، وربما مئات الملايين".
وهناك سابقة للمطالبات البحرية ذات المبالغ الكبيرة؛ حيث أدى انقلاب السفينة السياحية "كوستا كونكورديا" إلى دفع تعويضات بقيمة 1.6 مليار دولار في عام 2012، وفقاً لـِ "مارش". وفي حين أن تلك الحادثة لم تُعطل حركة التجارة العالمية مثل حادثة السويس، إلا أنها تطلبت عملية إنقاذ ضخمة.
لم تكن مهمة إلقاء اللوم أسهل بالنظر إلى قواعد الملاحة الخاصة بهيئة قناة السويس، والتي تنصّ على أن ربان السفينة هو المسؤول عن أي حادث يقع، وليس مرشدو السفينة الذين يقودونها عبر القناة. وفي هذا الصدد، قال مالكو السفينة إن مرشدين اثنين من هيئة قناة السويس كانا على متنها عند وقوع الحادث.
وسيتم تقديم مطالبات أخرى من قبل شركة الإنقاذ بمجرد تحرير السفينة، حيث عادةً ما يعمل طاقم من الدرجة الأولى مثل شركة "سميت سالفيج" (SMIT Salvage) الهولندية الموجودة الآن في مصر وفق اتفاق يدعى نموذج "لويدز المفتوح" (Lloyd’s Open Form)، حيث تُدفع بموجبه الأجور عند نجاح المهمة بناءً على قيمة السفينة والشحنة. وصرّح "غريفسون" قائلاً إن هذه الأجور ستكون في حدود عشرات الملايين من الدولارات بالنسبة للسفينة "إيفر غيفن".
ماذا عن باقي البضائع؟
إذن من يدفع ثمن تأخير التجارة العالمية؟ هذا يعتمد على مجموعة كاملة من العوامل. ومن بين السياسات المشتركة المتاحة هي السياسات البحرية المحددة لتأخير الشحنات، والتي عادة ما تُطبق على السفن التي تنقل السلع القابلة للتلف مثل الفاكهة التي قد تتضرر نتيجة أي تأخير.
ومن المحتمل ألا تحتوي معظم السفن البالغ عددها أكثر من 300 سفينة التي تنتظر حالياً المرور عبر القناة المسدودة على سلع قابلة للتلف أو تغطية تأخير، وهذا يعني أن السفن تظل مستأجرة وقد يكون المستأجرون مسؤولين عن دفع الأجور حتى لو كانت السفن عالقة في ازدحام مروري.
ولن تتمكّن السفن التي تُبحر الآن حول رأس الرجاء الصالح من تقديم مطالبات ضد السفينة "إيفر غيفن" عن التكلفة الإضافية والوقت المتضمن لأنها تعتبر "خسارة اقتصادية" ولا يمكن استردادها عادة - وغالباً لا يُؤمِّن عليها مالكو السفن، بحسب "غريفسون".
وفي حين تصبح الأمور معقدة عندما يتعلق الأمر بحمولة السفينة وبضائعها، حيث يمكن لكل صاحب مصلحة في صندوق واحد، أو حتى نصف صندوق، أن يُصدر بوليصة تأمين، وعلق "راهول خانا" على الأمر، قائلا: "استغرقت تسوية بعض هذه القضايا سنوات عديدة".