منصات الصكوك تنعش التمويل الجماعي في السعودية

قيمة الصكوك المطروحة عبر منصات التقنية المالية للتمويل الجماعي نمت 422% خلال عام

time reading iconدقائق القراءة - 13
عدد من مباني الأعمال في مركز الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض - المصدر: غيتي إيمجز
عدد من مباني الأعمال في مركز الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض - المصدر: غيتي إيمجز
المصدر:

الشرق

يكشف نشاط منصات التقنية المالية للتمويل الجماعي في السعودية، وتحديداً تلك المتخصصة بإصدار الصكوك والاستثمار فيها، عن قطاع جديد مرشح ليصبح ركيزة أساسية في مجال تمويل الشركات مستقبلاً.

بعد أربع سنوات على انطلاقها بتصاريح تجريبية من هيئة السوق المالية، تقف هذه المنصات أمام مرحلة جديدة من النمو بدعم عاملين رئيسيين. الأول هو الطلب المتنامي من المنشآت الصغيرة والمتوسطة على التمويل من مصادر غير تقليدية؛ حيث إن التسهيلات المقدمة للمنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة من البنوك وشركات التمويل لم تتجاوز أكثر من 8.7% من الإجمالي، كما في نهاية 2023، وفق بيانات البنك المركزي السعودي. أما العامل الثاني، فيكمن في الاهتمام اللافت من صغار المستثمرين بالفرص الاستثمارية المطروحة عبر هذه المنصات، خاصةً وأن الحد الأدنى للاستثمار لدى العديد منها لا يتجاوز ألف ريال.  

في مؤشر على نمو أعمالها، بلغت قيمة الصكوك المطروحة عبر تلك المنصات، نحو 1.5 مليار ريال في نهاية 2023 بزيادة 422% مقارنة بالعام الأسبق وفق بيانات هيئة السوق المالية. ويتجسد الإقبال على هذه الشريحة من المنصات في تلك المتخصصة بتوزيع صناديق الاستثمار والاستثمار العقاري. 

وفي هذا الشأن يكشف الرئيس التنفيذي في "أصيل المالية" ماجد أبا الخيل، في حديث مع "الشرق": "منذ أن بدأنا نشاطنا بالترويج لوحدات الصناديق، لم تتجاوز المدة المطلوبة لتغطية أي فرصة مطروحة عبر المنصة من قبل المستثمرين، في أقصى الحالات 7 ساعات".

"ترميز المالية تستهدف رفع قيمة برامج إصدارات الصكوك إلى 16 مليار ريال في 2027"

ناصر السعدون

مستهدفات محفزة

ثمة مؤشرات مشجعة قد تدعم نمو أعمال تلك المنصات. تتطلع المملكة لأن تشكل مساهمة الصكوك وأدوات الدين المحلي للشركات نحو 18% من الناتج المحلي في 2030 مقارنة بنحو 4.4% في 2023، على أن تبلغ قيمتها نحو 954 مليار ريال بنهاية العقد مقارنة بنحو 130 مليار ريال في 2022، كما جاء في "التوجهات الاستراتيجية لتطوير سوق الصكوك وأدوات الدين" الصادرة عن هيئة السوق المالية في أبريل الماضي.

على المستوى الفردي للمنصات نفسها، تخطط "ترميز المالية" على سبيل المثال، "للوصول بقيمة أحجام برامج الصكوك عبر منصتها إلى 16 مليار ريال في 2027، مقارنة مع ما قيمته 900 مليون ريال برامج للصكوك منذ بدء نشاطها التشغيلي في مارس 2023 حتى منتصف يونيو الماضي"، كما يوضح ناصر السعدون الرئيس التنفيذي في حديث مع "الشرق". 

تجدر الإشارة إلى أن منصات التقنية المالية السعودية موزعة من حيث التراخيص والتصاريح بين البنك المركزي السعودي وهيئة السوق المالية. يشرف البنك المركزي ويرخص للشركات المتخصصة بالتمويل الجماعي بالدين عن طريق السندات. أما المتخصصة بإصدار الصكوك والاستثمار فيها، فهي مصرحة من هيئة السوق المالية. 

"المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية، تحتاج إلى 350 مليار ريال تمويل حتى 2030"

عبد العزيز السياري

الحاجة للتمويل

تعول منصات التقنية المتخصصة في إصدار الصكوك والاستثمار فيها على الحاجة المتزايدة للتمويل من قبل المنشآت الصغيرة والمتوسطة. تستهدف البنوك وشركات التمويل تقديم تسهيلات بنسبة 11% لهذه المنشآت بنهاية 2025، و20% بنهاية 2030، وفقاً للهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، في تصريح لـ"الشرق". ويقدر عبد العزيز السياري، الرئيس التنفيذي في "صكوك المالية"، أن "المنشآت الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى نحو 350 مليار ريال حتى عام 2030"، وفقاً لما قاله في اتصال مع "الشرق". وربما تبرر هذه الأرقام الدافع وراء الإقبال الكبير على تصاريح طرح الصكوك والاستثمار فيها تحت مظلة هيئة السوق المالية. من بين 7 أنواع مختلفة من التصاريح، حصلت 15 منصة على تصريح طرح صكوك من إجمالي 38 تصريحاً منذ 2020، بحسب هيئة السوق المالية.

"جمعنا أكثر من 2 مليار ريال خلال 184 ساعة فقط، عبر منصتنا" 

ماجد أبا الخيل

تقييم التجربة

مرّت نحو أربع سنوات منذ منحت هيئة السوق المالية السعودية أولى تلك التصاريح وكان ذلك لـ"مضاربة المالية" في 29 أبريل 2020. ويصف علي الشريف، الخبير القانوني في التقنية المالية والتمويل الجماعي والشريك المدير في شركة "الشريف وشركاه محامون ومستشارون"، تجربة التمويل الجماعي بالدين وطرح الصكوك بأنها "ناجحة"، مشيراً إلى أن معيار النجاح يكمن في احترافية إدارات الشركات الحاصلة على التصاريح. لكن الشريف يلفت إلى وجود تجارب غير موفقة لبعض الشركات، سواء تلك التي لم تمارس أي نشاط أو التي تعمل في مجالات أخرى غير التمويل الجماعي وطرح أدوات الدين. هذا التوصيف يتفق مع وجهة نظر ماجد أبا الخيل، الرئيس التنفيذي في "أصيل المالية"، الذي أوضح لـ"الشرق" أن هذه المنصات "سجلت في بدايتها لغطاً لدى المستثمرين قبل أن يستوعبوا نموذج عملها ويميزوا بين اختصاصاتها وطبيعة نشاطاتها". 
 

اقرأ أيضاً

"سلفة": 500 مليار ريال سوق التمويل بين الأفراد في السعودية

يبلغ حجم سوق التمويل بين الأفراد في السعودية نحو نصف تريليون دولار، فيما يساعد الترخيص لشركة "سلفة" للتقنية المالية بمزاولة النشاط على دخول مزيد من المستثمرين

توسع في الأدوات 

تشكل تجزئة الفرص الاستثمارية وإتاحتها لصغار المستثمرين عنصراً جاذباً لمنصات التقنية المالية للحصول على تصاريح توزيع وحدات صناديق الاستثمار وصناديق الاستثمار العقاري. ووفقاً لأحدث بيانات هيئة السوق المالية، حصلت 11 منصة على تصاريح من هذا النوع. يقول ماجد أبا الخيل، الرئيس التنفيذي لمنصة "أصيل المالية": "بعد مرور نحو عامين على بدء توزيع وحدات صناديق الاستثمار والتطوير العقاري على المستثمرين عبر منصتنا، انتقلنا إلى توزيع وحدات شريحة جديدة من الصناديق وهي صناديق التمويل". يعكس ذلك الطلب المتزايد من صغار المستثمرين على الأدوات التي تقدمها هذه المنصات، مع التركيز على التوسع نحو أدوات جديدة. ويضيف أبا الخيل: "المرحلة التالية من التوسع ستكون من خلال توزيع وحدات صناديق الاستثمار في الملكية الخاصة"، كاشفاً أنه يجري الاستعداد للبدء في توزيع وحدات صندوقين: الأول يهدف للاستثمار في الشركات التي يجري إعدادها للاكتتاب العام تمهيداً للإدراج، والثاني صندوق للاستثمار في الشركات التي تخطط للإدراج".

إقبال وطموحات واعدة 

يُجمع مسؤولو منصات التقنية المالية المتخصصة في طرح الصكوك والاستثمار فيها، ممن التقتهم "الشرق"، على أن المستهدفات المستقبلية لحجم الطروحات من الصكوك لصالح العملاء، تتجاوز بكثير ما تحقق منذ انطلاق هذه المنصات منذ 2020. يكشف عبد العزيز السياري، الرئيس التنفيذي في "صكوك المالية" عن التطلع لرفع إجمالي قيمة التمويل الممنوح للعملاء من الشركات عبر الصكوك، إلى نحو 6 مليارات ريال في نهاية 2024، مقارنة بنحو 3.5 مليار ريال منحتها لأكثر من 200 شركة منذ أول إصدار للصكوك عبر شركته، في مايو 2021. في حين أنها تستهدف مستقبلاً اقتناص أكثر من 10% من الفجوة التمويلية في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

وفيما يتعلق بإقبال العملاء على الفرص الاستثمارية المطروحة من قبل الشركات، يبدو الأمر وكأنه مزاد أكثر من كونه نشاطاً استثمارياً عادياً. وفي هذا الشأن يكشف ناصر السعدون أن معدل تغطية الإصدارات المطروحة من قبل "ترميز المالية" بلغ نحو 135%. هذا الإقبال يبدو أوضح في حالة الشركات المتخصصة في توزيع صناديق الاستثمار وصناديق الاستثمار العقاري. ومن جهته يقول ماجد أبا الخيل بثقة: "منذ أن بدأنا نشاطنا في الترويج لوحدات الصناديق، لم تتجاوز مدة تغطية أي فرصة مطروحة عبر المنصة في أقصى الحالات 7 ساعات". ويضيف: "تم جمع أكثر من ملياري ريال خلال 184 ساعة فقط، بمعدل 12.5 مليون ريال في الساعة".

"التقييم الحقيقي للتعثر يتم بالتزامن مع تواريخ استحقاق الصكوك"

علي الشريف

ماذا عن التعثر؟ 

لعل أحد عناصر تقييم تجربة منصات التقنية المالية يكمن بالوقوف على مدى وجود حالات تعثر (مرور 90 يوماً على تاريخ الاستحقاق المالي) لدى العملاء من المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحاصلة على تمويل من المستثمرين عبر هذه المنصات. حملنا هذا السؤال إلى علي الشريف باعتباره على تماس بالقطاع. يجيب الشريف:" لا نعتقد أن قطاع التمويل الجماعي المتخصص في إصدار الصكوك، سجل حالات تعثر بنسب مرتفعة أو شهد حالات مقلقة من التعثر، رغم وجود بعض الحالات بالطبع". ولكنه يلفت إلى أن "التقييم الحقيقي لنسب التعثر قد يصبح أوضح بعد مرور نحو عامين، مع الأخذ في الاعتبار تواريخ استحقاق الصكوك التي قد تطول نسبياً".

إذاً كيف يبدو الواقع لدى الشركات المتخصصة بإصدار تلك الأدوات المالية؟ يجيب عبد العزيز السياري، الرئيس التنفيذي في منصة "صكوك المالية" أن حالات التعثر عن السداد لدى العملاء، لم تتجاوز 0.6% من إجمالي الصكوك المطروحة عبر الشركة.

بدوره، يؤكد مساعد العنزي، الرئيس التنفيذي في شركة "مضاربة المالية"، أن منصته لم تواجه أية حالة تعثر ضمن 147 إصداراً من الصكوك، موضحاً أن الأمر اقتصر على 3 حالات تأخير في الدفع، دون الوصول إلى مرحلة التعثر. وعلى قاعدة "رب ضارة نافعة" يوضح العنزي أن إحدى هذه الحالات، كانت سبباً لتشكيل فريق متخصص في مؤشرات التحذير الأولية تحت إدارة المخاطر، وهو الآن جزء أساسي من عمل هذه الإدارة، حيث يتواصل الفريق بصفة مستمرة مع العملاء للاستفسار عن أي معطيات قد تشير إلى مشاكل محتملة.

"يمكن لمنصات التقنية المالية إدراج الصكوك بعد بدء العمل بنظام التداول البديل"

رائد بن إبراهيم الحميد

تداول الصكوك على الطريق 

يتفق مختلف مسؤولو منصات التقنية المالية ممن التقتهم "الشرق"، على أن التأسيس لسوق ثانوية لتداول الصكوك يعد خطوة أساسية على طريق تعميق نضوج القطاع. لا بل إن حواراتك معهم تقود للاستنتاج أنهم ينتظرون هذه الخطوة على أحر من الجمر. فأين أصبحت الإجراءات التنظيمية؟

يكشف وكيل هيئة السوق المالية لمؤسسات السوق المالية رائد بن إبراهيم الحميد لــ"الشرق" أن الهيئة ستعلن خلال الربع الثالث عن الشركة الفائزة بممارسة نظام التداول البديل، مشيراً إلى أن الصكوك وأدوات الدين هي من الأوراق المالية المستهدفة في هذا الترخيص. ويضيف: "بعد إتمام هذه المرحلة، تكون الشركات الراغبة، ومن بينها التقنية المالية المتخصصة بإصدار الصكوك، أمام حرية الاتفاق مع الشركة الفائزة بهذه الرخصة، بما يمكن شركات التقنيات المالية من السير قدماً في إدراج الصكوك المصدرة عبرها لصالح عملائها".

التوق للسوق الثانوية، يعبر عنه ناصر السعدون، قائلاً: "هدفنا يتمثل في أن تستحوذ الصكوك القابلة للتداول على نحو 40% من إجمالي محفظتنا".

"نتطلع لمزيد من الخدمات المصرحة من بينها مناقلة الملكية"

عاصم آل فهيد

مزيد من الخدمات

من المنتظر أن يتواكب التوسع في مجال التمويل الجماعي بشكل عام، مع طلب على شريحة جديدة من الخدمات الفنية والمساندة. وهنا يدعو علي الشريف "لاستكمال تجربة مختبر التقنية المالية التي بدأت في 2018 تحت مظلة هيئة السوق المالية، عبر تسريع إصدار تصاريح التجربة لشركات بنشاطات جديدة، منها مناقلة الملكية بين المساهمين أو بينهم وبين مشترين محتملين لأسهم الشركات الحاصلة على تمويل من خلال شركات التمويل الجماعي، وكذلك تصاريح للتمويل الجماعي بالملكية العقارية". هذا، ما يعبر عنه عاصم آل فهيد مشرف علاقات المستثمرين في شركة "إبانة لتقنية المعلومات" إذ يقول: "نتطلع لتقديم خدمة تصريح مناقلة الملكية أي إتمام سداد عمليات بيع وشراء أسهم الشركات الحاصلة على تمويل جماعي عبر شركتنا"، ويضيف:" تقدمنا لهيئة السوق المالية بطلب للحصول على تصريح لتوفير هذه الخدمة منذ نحو عامين، والملف ما زال تحت دراسة الهيئة".      

 

الإدراج هدف مستقبلي 

رغم حداثة عهد منصات التقنية المالية وما تتسم به إداراتها من كونها يافعة وشابة، فإن منها ما يتبنى استراتيجية واضحة للمستقبل، إذ تتطلع لإدراج أسهمها في السوق المالية السعودية. هنا يوضح ماجد أبا الخيل، الرئيس التنفيذي في منصة "أصيل المالية" قائلاً: "نطمح لأن نكون أول منصة تقنية مالية متخصصة بتوزيع الوحدات الاستثمارية للصناديق، تدرج أسهمها في سوق الأسهم السعودية، وذلك في غضون 3 سنوات". ينطبق ذلك أيضاً على منصة "مضاربة المالية"، إذ يوضح مساعد العنزي، الرئيس التنفيذي: "أن "مضاربة المالية" استعدت من الناحية المؤسسية لذلك منذ التأسيس، وذلك عبر تبني معايير الالتزام ومكافحة غسل الأموال ومعايير الحوكمة وفصل الاختصاصات والأدوار بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية وغيرها، لافتاً إلى أنها تتطلع لإتمام إدراج أسهمها "خلال 3 سنوات" أيضاً.

تصنيفات

قصص قد تهمك