يحاول مجلس إدارة شركة "تسلا" تقديم ثالث أغنى أثرياء العالم في ثوب الضحية على الرغم من صعوبة هذه المهمة[1].
والسؤال المطروح هو هل ستضطر مؤسسات الاستثمار المساهمة في الشركة بسبب الخوف وانعدام الثقة، إلى قبول ذلك أثناء عملية التصويت المحورية في 13 يونيو الجاري.
حصل الرئيس التنفيذي للشركة إيلون ماسك على مكافأة كبيرة من خيارات الأسهم، منحه إياها مجلس الإدارة وصدق عليها تصويت 73% من حاملي الأسهم في عام 2018. وهي المكافأة التي أبطلتها محكمة ديلاوير التجارية في يناير الماضي.
فعلى الرغم من تحقيق "تسلا" للأهداف التي ارتبطت بها، انحازت المحكمة إلى أحد المساهمين، الذي ادعى أن تلك المكافأة التي بلغت قيمتها الاسمية 56 مليار دولار عند إقرارها، اتسمت بالمغالاة والإسراف.
غير أن مجلس الإدارة يحث المساهمين في الوقت الحالي على إعادة التصديق على هذه المنحة، مشيراً إلى أنه ليس من الإنصاف أن "إيلون لم يحصل على مقابل أي من الأعمال التي قدمها لـ(تسلا) على مدى الأعوام الستة الماضية".
إذا مارس ماسك هذه الخيارات سيؤدي ذلك إلى إضعاف باقي قاعدة المساهمين بشكل كبير، إذ إنهم سيخسرون نحو 8 نقاط مئوية من حقوقهم الحالية في حال ثبات جميع العوامل الأخرى.
علاوة على ذلك، يجري حالياً تشجيع المساهمين على الموافقة على إعادة تأسيس "تسلا" في ولاية تكساس، التي نقلت إليها مقرها الرئيسي في أواخر 2021، حتى تخضع لقوانين الشركات في تلك الولاية بدلاً من ولاية ديلاوير.
التضليل في ادعاء عدم الإنصاف
إثارة مسألة الإنصاف هنا نوع من التضليل. نعم، لقد حقّقت "تسلا" الأهداف المتعلقة بالإيرادات والأرباح ورأس المال السوقي، وقد حلق هذا الأخير من 53 مليار دولار عندما أقر المساهمون المكافأة أول مرة، إلى أن بلغ ذروته عند 1.24 تريليون دولار في نوفمبر 2021. وأصبح الجميع أثرياء، والقاعدة هي ضرورة الالتزام بالمتفق عليه. باستثناء شيء واحد، في نظر محكمة ديلاوير، أن ذلك الاتفاق – باستخدام لغة يفهمها بالتأكيد جميع المستثمرين في "تسلا" – كان "عملية تسيير تلقائي" أطلقها ماسك نفسه، وشابها تضارب وتناقض جعل المساهمين عند التصويت في موقف ضعيف، ومشوّشين بسبب نقص المعلومات". هذا الخلل الجوهري يقع على عاتق مجلس الإدارة نفسه إلى جانب ماسك، ذلك الضحية المعتد بذاته.
إن ما يعتبر مغالاة وإسرافاً في أجر الرئيس التنفيذي يخضع للتقديرات الذاتية. ومع ذلك، فإن قيمة المكافأة تعادل 136% من إجمالي صافي الربح التراكمي الذي حققته "تسلا" منذ موافقة حاملي الأسهم عليها، حتى عند المستوى الأدنى للقيمة الاسمية الحالية لها التي تبلغ 46 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك، تضاعفت قيمة حصة ماسك الحالية في "تسلا" (بخلاف خيارات الأسهم) سبع مرات تقريباً، أو بنحو 61 مليار دولار، منذ مارس 2018 – ولا يشمل ذلك عشرات المليارات التي ربحها من بيع نحو خمس حصته خلال هذه الفترة.
دور الحظ في مكاسب ماسك
تقول وجهة النظر المقابلة إنه استطاع كسب هذه الأموال فقط بسبب الارتفاع الكبير في قيمة رأس المال السوقي أثناء رئاسته للشركة، وهو ما استفاد منه الجميع. وإن كان جزء من ذلك يرجع إلى الحظ، إذ ارتفعت جميع القطاعات الرئيسية في مجال التكنولوجيا النظيفة في عامي 2020 و2021 مع تضخم فقاعة التكنولوجيا الخضراء، الذي دعمها جزئياً انتخاب الرئيس جو بايدن.
وفي المقابل، إذا زعم أحد بأن الحظ لم يلعب أي دور في ذلك يصبح ماسك بالتأكيد، مسؤولاً أيضاً عن الانهيار اللاحق في قيمة رأس المال السوقي لشركة "تسلا"، الذي أدى إلى شطب نحو 678 مليار دولار.
وفي الواقع، تزامن بيع ماسك لأسهمه بكثافة في عام 2022، عندما كان منخرطاً في عملية الاستحواذ باهظة الثمن على شركة "تويتر"، مع انخفاض حاد في سعر "تسلا".
وانخفض رأس المال السوقي، الذي تبلغ قيمته حالياً 557 مليار دولار، إلى ما دون الحد الأعلى للمستوى المستهدف الذي يبلغ 650 مليار دولار، وأقرت على أساسه مكافأة الخيارات.
هدايا مجانية للمؤسسات
هناك جانب ارتزاقي في هذا الأمر بالنسبة لحملة الأسهم من المؤسسات، وهي المكلفة بتعظيم أرباح عملائها وليس تعظيم شعورها بالإنصاف. فإذا كانت تلك المؤسسات قد باعت أسهماً أثناء الارتفاع الملحمي لشركة "تسلا" في عامي 2020 و2021، فإن قرار محكمة ديلاوير قد منحها من حيث الجوهر هدية مجانية، تتمثل في جميع المكاسب التي حققتها بدون انخفاض قوتها التصويتية بعد إعادة التقييم التي ستترتب على خيارات ماسك.
بالإضافة إلى ذلك، تمثل هذه المؤسسات نسبة أقل من الأصوات على أي حال،[2] وفي الوقت نفسه، إذا كنت، خلافاً لذلك، من مدرسة الاستثمار طويل الأجل الذي لا تحركه التقلبات، أو أنك قد رفعت حصتك من أسهم الشركة، فليس لديك من الأسباب ما يدفعك إلى إعادة التصديق على مكافأة ماسك.
ومؤخراً، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "كالبرز" (Calpers)، وهي من أكبر 30 مساهماً في "تسلا"، معارضته لحزمة الخيارات، إذ ضاعفت شركته استثماراتها في "تسلا" منذ نهاية عام 2019، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
وعلاوة على ذلك، فإن المنطق الأساسي للمكافأة، وهو إبقاء ماسك مشاركاً وفاعلاً في نجاح "تسلا"، منطق سخيف إلى حد ما، فكيف يمكن لمالك شركة بحصة تبلغ قيمتها حوالي 72 مليار دولار أن يشعر بانعدام الحافز؟ أضف إلى ذلك، أن ماسك قوض الأساس المنطقي هنا بشكل أكبر من خلال تصرفاته الخاصة، ليس أقلها الاستفزاز الواضح والأليم بشراء وإعادة هيكلة، واستخدام "تويتر" حتى لا ننسى، والتي أصبحت "إكس" حالياً. فقبل أسبوع أو نحو ذلك فقط، جمع ماسك 6 مليارات دولار لشركة ناشئة جديدة للذكاء الاصطناعي تدعى "xAI". هذا على الرغم من تغريده على "تويتر" منذ خمسة أشهر فقط بأنه لم يكن يناقش مثل هذه الخطوة، كما أنه أكد مؤخراً على رواية أن "تسلا" هي شركة ذكاء اصطناعي وليست مجرد شركة لصناعة السيارات.
وفي الختام، أفادت قناة "سي إن بي سي" يوم الثلاثاء بأن رسائل البريد الإلكتروني التي حصلت عليها من شركة "إنفيديا كورب" أظهرت أن ماسك قام بتحويل الرقائق المخصصة لشركة "تسلا" إلى "إكس" و"xAI" أولاً (وقدم ماسك تفسيراً لذلك بالإشارة إلى أسباب لوجستية).
خواء تهديدات ماسك
يمكنك القول إن ماسك يدعم حجته –بطريقته الخاصة– بشأن أسباب احتياجه إلى حافز أكبر حتى لا يضر بآفاق شركة صناعة السيارات الكهربائية. ففي يناير الماضي، أثار احتمال نقل أفكاره المتعلقة بالذكاء الاصطناعي إلى مكان آخر ما لم يحصل على 25% من أسهم "تسلا".
ومع ذلك، في مواجهة مثل هذه التكتيكات المستفزة، يجب على المساهمين من المؤسسات التفكير في مدى خواء هذا التهديد. فلا تزال حصة ماسك الحالية في "تسلا"، التي رهن 57% منها كضمان لديونه الشخصية في نهاية شهر مارس، هي أكبر أجزاء ثروته وأكثرها سيولة. وتعتمد قيمتها بشكل متزايد على روايته الخاصة للإنجازات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وإذا تعمد التقليل من قيمة ذلك، فإن ترتيبه بين مليارديرات العالم سيتأثر سلباً بالتأكيد.
من ناحية أخرى، تسلط تغريدة ماسك الضوء على هشاشة مجلس الإدارة الذي يدفع بهذه المنحة حتى مع فشله في معالجة الثغرات في إدارة "تسلا" التي أدت إلى إلغاء المكافأة الأصلية وتمكين الرئيس التنفيذي من تهديد المساهمين الذين يُعتبر مجلس الإدارة مكلفاً اسمياً بتمثيلهم.
ومما يزيد الأمر تعقيداً هو الدعوة إلى تغيير ولاية تأسيس شركة "تسلا" من ديلاوير إلى تكساس، وهي خطوة يقول مجلس الإدارة إنها جاءت بعد سنوات من المداولات والتحليل الدقيق، والتي شملت تكوين لجنة خاصة، ولكنها تأتي بالتأكيد بعد خسارة ماسك في ديلاوير، واستنكاره لتأسيس الشركة هناك ثم استطلاع رأي متابعيه على منصة "إكس" حول هذا الموضوع.[3]
إفلات مجلس الإدارة من المساءلة
إن إعادة التصديق على هذه المكافأة لن تكون فقط تخلياً عن جزء من الشركة دون داعٍ، بل ستكون بمثابة السماح لمجلس الإدارة بالإفلات بإخفاقاته. قد لا يمانع مستثمرو "تسلا" من الأفراد في هذا الأمر، ولكن لا ينبغي أن يقبل ذلك المساهمون من المؤسسات، ويمثلون 54% من الأسهم المتداولة وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
لا ريب أن مجلس الإدارة يستطيع أن يتوصل إلى حزمة مكافآت جديدة بأهداف محدثة تتطلع إلى الأمام بدلاً من الخلف. واقتراحي المتواضع هو أن نأخذ بكلام ماسك دون جدال فيما زعمه من قبل. ففي أكتوبر 2022، بينما كان ماسك منخرطاً في بيع جزء من حصته، تكهن بأن تصل قيمة "تسلا" ذات يوم إلى ضعف القيمة السوقية لشركة النفط السعودية أرامكو، وهو ما يعني حالياً ما يقارب 3.6 تريليون دولار. ومن الواضح أن ذلك بعيد المنال، وربما يجب أن نحدد الهدف بنصف تلك القيمة فقط – حتى نكون منصفين.
1 بلغت ثروة الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" إيلون ماسك 201 مليار دولار أميركي في 4 يونيو 2024، وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، مما يضعه في المركز الثالث. ومع ذلك، فإن 46 مليار دولار من ذلك المبلغ تتعلق بخيارات "تسلا" التي يمتلكها والتي أصبحت الآن موضع شك بعد صدور حكم قضائي والذي يمثل أحد الأفكار الهامة في هذا المقال. بطرح تلك الخيارات، يتراجع ماسك إلى المركز الخامس. ورغم أن هذا المركز مرتفع جداً ويصعب معه استخدام ورقة الضحية، ولكن ربما كان الأمر أسهل مما لو كان في المراكز الثلاثة الأولى.
2 من الأمثلة المفيدة على ذلك شركة "بيلي غيفورد آند كو" ( Baillie Gifford & Co)، وهي أحد الداعمين البارزين لشركة "تسلا"، وكانت تمتلك أكثر من 200 مليون سهم في نهاية عام 2019، مما جعلها في ذلك الوقت ثاني أكبر مساهم في الشركة بعد ماسك نفسه. وقد باعت الشركة بكثافة أثناء ارتفاع السهم في عامي 2020 و2021، على الرغم من أنها تكبدت خسائر فادحة في حصتها المتبقية في عام 2022. وحتى نهاية مارس، كانت تمتلك 17.8 مليون سهم من خلال صناديق مختلفة.
3 أحد الجوانب المثيرة للاهتمام في هذا الاقتراح تحديداً هو أن مجلس الإدارة يبرر ذلك جزئياً بأن هوية "تسلا" أصبحت "مرتبطة ارتباطاً وثيقاً" بتكساس. لقد أجريت بحثاً على موقع "بلومبرغ" عن الشركات التي يقع مقرها الرئيسي في تكساس، وأظهر 908 نتائج. ومن بين تلك النتائج، كان لدى 872 شركة منها معلومات عن الولاية التي تأسست فيها. ومن بين هذه الشركات، كانت 84 شركة، أو أقل من 10% بقليل، أسست في ولاية تكساس. وهو ما جعل تكساس ثالث أكبر ولاية في العينة. وكانت ثاني أكبر ولاية هي ولاية نيفادا التي شملت 172 شركة، أو الخُمس، بينما كانت ولاية ديلاوير هي الأكبر، حيث ضمت 507 شركات، أو 58%. فإذا كانت هناك أي قيمة تربط بين الهوية الجغرافية وتأسيس الشركة، فيبدو أن عدداً قليلاً جداً من الشركات التي تتخذ من تكساس مقراً لها تدرك تلك القيمة حتى الآن.
هوامش