الشرق
استعاد الرؤساء التنفيذيون في المغرب الثقة في آفاق النمو الاقتصادي، وسط عزم المملكة ضخ استثمارات ضخمة استعداداً لاستضافة أكبر حدث كروي عالمي بحلول نهاية العقد الجاري، بحسب استطلاع أجرته شركة الاستشارات "برايس ووتر هاوس كوبرز" (PwC).
بعدما كان التشاؤم حول آفاق النمو سائداً وسط رؤساء الشركات في الاستطلاع الأول من نوعه الذي جرى العام الماضي بنسبة 71%، أظهر استطلاع عام 2024 أن الأغلبية منهم، بنسبة بلغت 90%، متفائلون بشأن آفاق النمو الاقتصادي خلال 12 شهراً المقبلة.
رضى لوماني، الشريك الإداري لمكتب "بي دبليو سي" في المغرب، قال تعليقاً على نتائج الاستطلاع إن "الشركات المغربية اضطرت لمواكبة واقع اقتصادي شديد التغيير في السنوات القليلة الماضية، إلاّ أن تفاءلها إزاء آفاق النمو قائمٌ اليوم بفضل المشاريع الكبرى التى تستعد البلاد لتنفيذها، لاسيما في إطار تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030"
يُتوقع أن يحقق الاقتصاد المغربي نمواً في حدود 2.1% هذا العام الجاري تحت تأثير استمرار الجفاف، لكن يُنتظر أن يتسارع النمو إلى 4.3% العام المقبل مدفوعاً بالنشاط المرتقب في الاستثمار بفضل المشاريع التي تمّ إطلاقها، بحسب آخر تقرير صادر عن بنك المغرب المركزي هذا الأسبوع.
التضخم مصدر قلق رئيسي
رغم تباطؤ أسعار المستهلكين في المملكة بعد سنتين استثنائيتين، لا يزال التضخم مصدر قلق رئيسي للرؤساء التنفيذيين، حيث اعتبره 29% منهم أبرز تحدي خلال العام الحالي، لكن هذه النسبة تمثل حوالي النصف مقارنةً بنتائج الاستطلاع السابق.
سجل المعدل السنوي للتضخم خلال العام الماضي 6.1%، فيما كان معدل 6.6% المحقق في العام السابق هو الأعلى في تاريخ المملكة منذ تسعينات القرن الماضي. لم يتجاوز المتوسط في العقدين الماضيين حدود 1.5%، وفقاً لبيانات "المندوبية السامية للتخطيط"، الهيئة الحكومية المكلفة بالإحصاءات.
تراجُع القلق من التضخم يأتي بعد أن سجلت أسعار المستهلكين في يناير الماضي ارتفاعاً بـ2.3% على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى للتضخم منذ 26 شهراً. وتشير المعطيات إلى استمرار التضخم في التباطؤ لينهي العام الحالي بمعدل 2.2%، وفقاً لتوقعات حديثة صادرة البنك المركزي المركزي الأخيرة.
تأتي التقلبات الماكرو اقتصادية في المرتبة الثانية ضمن أبرز التحديات بالنسبة لرؤساء الشركات بنسبة 22%، والصراعات الجيوسياسية في المرتبة الثانية أيضاً بنفس النسبة، ثم التغيرات المناخية والمخاطر السيبرانية على التوالي، بحسب الاستطلاع الذي شمل 41 رئيسياً تنفيذياً في البلاد، ضمن إطار استطلاع عالمي أجرته PwC شارك فيه 4702 رئيس تنفيذي من 105 بلداً.
اختفاء الشركات والذكاء الاصطناعي
توقع قرابة نصف الرؤساء التنفيذيين اختفاء شركاتهم في غضون 10 سنوات المقبلة إذا ظل نموذج عملها دون تغيير، وهو ما يدفعهم للبحث عن سبل لتحقيق التحول، سواء عبر التحالفات والشراكات أو النمو والتوسع خارج البلاد، بحسب نتائج الاستطلاع.
خلال العام الماضي، سجل المغرب أكثر من 14 ألف إفلاس بزيادة سنوية 15% بسبب صعوبات التمويل والتضخم واستمرار آثار أزمة كورونا على الاقتصاد، وتمثل الشركات الصغيرة حصة الأسد من الإفلاسات، خصوصاً المشتغلة في التجارة والعقار والبناء.
مهما كان القطاع الذي تعمل فيه الشركات المغربية، فهي "تواجه نفس التحديات فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني مثل الشركات الأخرى في كافة أنحاء العالم"، بحسب جمال بسرير، الشريك المسؤول عن أنشطة الاستخبارات السيبرانية بمكتب "بي دبليو سي فرنسا والمغرب"، مشيراً إلى أن "الذكاء الاصطناعي التوليدي يُنظر إليه كتكنولوجيا تُحدث تغييراً جذرياً"، ومشدّداً على ضرورة استثمار الشركات لمواجهة التهديد السيبراني المتطور.
تكشف نتائج استطلاع PwC أيضاً أن الرؤساء التنفيذيين أصبحوا مقتنعين بضرورة تغيير استراتيجيتهم تحت تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو ما قام به نحو 20% منهم، مقابل نسبة 31% على مستوى العالم.