لماذا يختلف تأثير "كورونا" على شركات الشرق الأوسط عن مناطق العالم الأخرى؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
مشاة يعبرون من أمام مقر مجموعة البنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن - AFP
مشاة يعبرون من أمام مقر مجموعة البنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن - AFP
المصدر:

الشرق

- مقال رأي

لقد تأثَّرت الشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشدة بصدمات جائحة كورونا (كوفيد-19)، شأنها شأن نظيراتها في مختلف أنحاء العالم.

وبعد مرور عام على تفشي هذه الجائحة، يبدو أنَّ تعافي الشركات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمرٌ تحيط به شكوك كثيرة. ومع ذلك، فإنَّ التأثير الواقع على هذه الشركات يختلف، مقارنةً بالمناطق الأخرى، في بعض النواحي الفريدة.

ولجمع المعلومات في الوقت المناسب عن كيفية تأثُّر الشركات وتعاملها مع الجائحة، يجري البنك الدولي مسوحاً استقصائية لجسِّ نبض الشركات في ظلِّ أزمة كورونا، وذلك في الغالب بالاشتراك مع أجهزة الإحصاء الوطنية.

ومنذ مايو 2020، شملت هذه المسوح الاستقصائية أكثر من 50 بلداً- من بينها الجزائر، وجيبوتي، والمغرب، وتونس، والأردن، والضفة الغربية، وقطاع غزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- وما يزيد على 100 ألف شركة من مختلف المناطق والبلدان على اختلاف أحجامها، ومستويات الدَّخل بها.

ولا يزال بإمكان البلدان الأخرى بالمنطقة الاستفادة من المشاركة في هذا المسح لموافاة واضعي السياسات بالمعلومات في الوقت المناسب لمساعدة الشركات على التكيُّف والتعافي.

هبوط حاد في حجم الأعمال والمبيعات

وتبرز نتائج المسوح الاستقصائية لجسِّ نبض الشركات في المنطقة أنَّ القنوات الرئيسية التي أثَّرت من خلالها جائحة كورونا على الشركات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تشمل خسارة الإيرادات، والعسر المالي، وفقدان الوظائف، لكن برغم الهبوط الحاد في حجم الأعمال والمبيعات، أبقت معظم الشركات في المنطقة على العاملين بها، ولم تُسرِّع من وتيرة اعتمادها للتكنولوجيا، مما قد يكون ناتجاً عن العقد الاجتماعي الأساسي في المنطقة. وتُظهر المسوح أيضاً أنَّ الشركات في المنطقة

لا تزال تساورها شكوك كبيرة بشأن التعافي، وتشهد انخفاضاً حاداً في معدَّلات الطلب، والإنتاج، وساعات العمل، في حين تخشى شركات كثيرة كذلك من حدوث موجات أخرى للجائحة، وإغلاق عام في المستقبل. وبرغم أنَّه يبدو أنَّ معظم الشركات عاودت العمل ببعض طاقتها، فإنَّ نسبة غير قليلة من الشركات (10 إلى 20%) في مختلف بلدان المنطقة التي شملها المسح لا تزال مغلقة.

فقدان الوظائف

وقامت نسبة كبيرة من الشركات في المنطقة (على سبيل المثال، 14% في الضفة الغربية وقطاع غزة و17% في الجزائر) بتخفيض عدد موظفيها الدائمين. ومع ذلك، فإنَّ نسبة الشركات في المنطقة التي سرَّحت بعض عامليها يبدو أقل منها في بعض المناطق الأخرى (انظر الشكل 1).

وتحاول معظم الشركات بالمنطقة الإبقاء على عامليها الدائمين بإجراء تعديلات تتمثَّل في إعطاء إجازات (غالباً بدون أجر)، وتقليل ساعات العمل، وخفض الرواتب، وتقليص العمالة المؤقتة.

لكنَّ استمرار انخفاض المبيعات، وطول أمد الجائحة يُعرِّضان الموظفين الدائمين في هذه الشركات لخطر التسريح. فعلى سبيل المثال، خلال المرحلة الأولى من الجائحة (أي خلال الفترة من يوليو إلى أغسطس 2020)، قامت 26% من الشركات في الأردن بتخفيض عدد عامليها الدائمين، وارتفعت هذه النسبة إلى 39% خلال الفترة من نوفمبر 2020 إلى يناير 2021.

خسارة الإيرادات وإغلاق الشركات

لقد أثَّرت الجائحة تأثيراً سلبياً على 92% من الشركات في الضفة الغربية، وقطاع غزة، و89% من الشركات في جيبوتي، وتونس، والأردن. وفي معظم هذه الشركات المتضررة، انخفضت المبيعات بأكثر من 50% مقارنةً بمستواها قبل الجائحة. ويتماشى حجم خسائر إيرادات الشركات في المنطقة مع متوسط ما تعرَّضت له نظيراتها في البلدان النامية.

وفي مختلف بلدان العالم النامية، يبدو أنَّ نزيف خسائر المبيعات مستمر، وهو ما يحدث على الأرجح في بلدان المنطقة. فعلى سبيل المثال، في الأردن حيث شمَل المسح 601 شركة في الفترة بين مايو ونوفمبر 2019 (أي سياق ما قبل الجائحة)، ثم بعد ذلك بين يوليو وأغسطس 2020 (أثناء الجائحة، الجولة الأولى)، وكذلك بين نوفمبر 2020 ويناير 2021 (أثناء الجائحة، الجولة الثانية)، تبيَّن أنَّ متوسط انخفاض المبيعات يحوم، على ما يبدو، باستمرار حول 50% في جولتي المسح أثناء الجائحة (انظر الشكل 2). علاوة على ذلك، يبدو أنَّ الشركات الأصغر حجماً والعاملة في قطاع الخدمات هي الأكثر تضرراً.

وقامت نسبة كبيرة من الشركات في مختلف بلدان المنطقة، لاسيَّما الشركات الأصغر حجماً، بتصفية أعمالها نهائياً بسبب عدم قدرتها على تحمُّل الانخفاض المستمر في المبيعات. فعلى سبيل المثال، تبيَّن أنَّ نسبة الشركات التي صفَّت أعمالها نهائياً في الأردن ارتفعت إلى 17% خلال الفترة من نوفمبر 2020 إلى يناير 2021، مقابل 11.6% خلال المرحلة الأولى من الجائحة (أي بين يوليو وأغسطس 2020).

وبالمثل، ففي المتوسط يبدو أنَّ نحو 9% من الشركات تصفِّي أعمالها بشكل نهائي في المغرب، وتبلغ هذه النسبة 11% للشركات الصغيرة مقابل 2% للشركات الكبيرة.

العسر المالي

لقد أدَّى تراجع الإيرادات إلى أن تواجه معظم الشركات عسراً مالياً، فقد أفادت قرابة 90% من الشركات في الضفة الغربية وقطاع غزة، و93% في الأردن، و78% في تونس، و72% في المغرب أنَّها تعاني من تراجع التدفُّقات النقدية.

ويبدو أنَّ العسر المالي أشد حدَّة بالنسبة للشركات الأصغر حجماً. ولمواجهة تراجع التدفُّقات النقدية، لجأت معظم الشركات إلى تأجيل دفع مستحقات المورِّدين، أو المُؤجِّرين، أو السلطات الضريبية، والتأخُّر في أداء التزامات المؤسسات المالية.

وإلى جانب العسر المالي، يبدو أنَّ الاضطرابات في خدمات النقل، والخدمات اللوجستية، وتوريد مستلزمات الإنتاج تمثِّل بعض العقبات الرئيسية التي تواجه الشركات في المنطقة.

التحوُّل الرقمي كآلية للتكيُّف

دفعت جائحة كورونا، برغم آثارها السلبية العديدة، الشركات في مختلف بلدان العالم النامية إلى تحقيق قفزات نوعية، والاستفادة من التكنولوجيات الرقمية. ويظهر أنَّ الوجود الرقمي يمثِّل أيضاً آلية ضرورية للتكيُّف لنسبة كبيرة من الشركات (20-30%) في مختلف بلدان المنطقة التي شملها المسح.

ويبدو أنَّ الاستخدام المتزايد لشبكة الإنترنت، أو وسائل التواصل الاجتماعي، أو التطبيقات المتخصصة، أو المنصات الرقمية، أصبح من أدوات الشركات الأساسية لمواصلة أنشطة أعمالها، أو مبيعاتها، أو البحث عن مستلزماتها من المدخلات والمواد الخام.

وبرغم ذلك، ثمَّة بون شاسع أمام الشركات في المنطقة لكي تلحق بنظيراتها في مجال استخدام الحلول الرقمية (انظر الشكل 3). وتُعدُّ الفجوة في اعتماد التكنولوجيا الرقمية بين الشركات الصغرى والصغيرة من ناحية، والشركات الكبيرة من ناحية أخرى هي الأكبر في المنطقة.

ومن المُرجَّح أن تحول العقبات الهيكلية العديدة في الكثير من بلدان المنطقة دون اعتماد الشركات للتكنولوجيا الرقمية والابتكار. وتشمل هذه العقبات ارتفاع مستوى النشاط غير الرسمي، لاسيَّما بين الشركات الصغرى والصغيرة، ونقص حلول وخدمات الدفع الرقمي، وتردي البنية التحتية الرقمية، وارتفاع تكلفتها (أسهم في ذلك غياب المنافسة في صناعات الشبكات)، وضعف المنافسة المحلية، والقدرة التنافسية للصادرات، مما يحدُّ من الحوافز المشجِّعة على الابتكار.

المساندة على صعيد السياسات

وذكرت غالبية الشركات في المنطقة أنَّها بحاجة إلى دعم مالي أو تأجيل دفع رسوم المرافق والإيجارات، وكذلك إلى إعفاءات وخصومات ضريبية، ودعم للرواتب كمساندة ذات أولوية على صعيد السياسات.

ومكَّنت هذه المساندة في مختلف بلدان المنطقة الشركات من تجنُّب التأخر عن الوفاء بالالتزامات، والتصدي لحالة عدم اليقين. لكن بناءً على المسوح الاستقصائية لجسِّ نبض الشركات في مختلف بلدان المنطقة، يبدو أنَّ المساندة على صعيد السياسات، إنما تصل إلى أقلية من الشركات. فعلى سبيل المثال، ففي حين أفادت 33% من الشركات في الأردن أنَّها تتلقَّى مساعدة حكومية، فإنَّ هذه النسبة تقل عن 10% في كلٍّ من الجزائر وتونس. وستكون هناك حاجة ماسة إلى تقديم مساندة جيدة التوجيه، ومحددة زمنياً، وفعَّالة على صعيد السياسات لحماية الشركات في المنطقة من الانهيار، وتمكينها من تجاوز دوَّامات الصدمات الناجمة عن الجائحة.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

دبي

4 دقائق

25°C
غبار
العظمى / الصغرى 23°/25°
11.1 كم/س
78%