بلومبرغ
أثار تراجع السعودية عن خطط زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط تساؤلات بشأن مستقبل الطلب، لكنه يسلط الضوء على تحدٍ طويل الأمد يتمثل بالمنتجين المنافسين، يمكن أن يؤثر على الإيرادات النفطية للمملكة.
فاجأت شركة "أرامكو" التي تديرها الدولة، عالم النفط يوم الثلاثاء، بإعلانها عدم المضي قدماً في خططها لتعزيز الطاقة الإنتاجية بنحو 8%، إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027.
أدى عدم وجود تفسير لهذا التحول إلى سيل من التكهنات، لا سيما تلك المرتبطة بشأن احتمال أن تكون الرياض أصبحت أكثر تشاؤماً بشأن استهلاك النفط، مع تحوّل العالم نحو الطاقة منخفضة الكربون.
وتتوقع مؤسسات من بينها وكالة الطاقة الدولية، أن الطلب على النفط سيصل إلى الحد الأقصى في السنوات القليلة المقبلة. لكن هذا الأمر ليس سوى جزء من المعادلة.
اقرأ أيضاً: أرامكو تسعى لعقد صفقات آسيوية لتعزيز أعمال التكرير والكيماويات
المنتجون المنافسون
يحظى المنتجون المنافسون باهتمام خاص من السعودية والحلفاء في "أوبك+"، خصوصاً المنتجون للنفط الصخري الأميركي، المنافس اللدود خلال معظم العقد الماضي.
وتعني موجة عرض نفطي منافس أن الرياض تبقي بالفعل نحو 25% من طاقتها الإجمالية خارج الخدمة كجزء من اتفاقية "أوبك+"، مما يضع إنتاجها منذ يوليو الماضي، عند أدنى مستوى له منذ عامين بنحو 9 ملايين برميل يومياً.
ويرى بوب ماكنالي، رئيس مجموعة "رابيدان إنرجي" الاستشارية والمسؤول السابق في البيت الأبيض، أن الرياض "تتوقع توازنات أكثر ليونة في السنوات القليلة المقبلة، خاصة في ما يتعلق بالإمدادات خارج أوبك+".
ولهذا السبب، يعتقد ماكنالي أن السعوديين "يؤخرون خطط التوسع في عمليات الإنتاج والاستكشاف بدلاً من تأجيلها بشكل دائم".
اقرأ أيضاً: أرامكو ترفع أسعار الطاقة للشركات الصناعية السعودية للمرة الأولى منذ 2015
فورة النفط الصخري
أطلقت فورة النفط الصخري في الولايات المتحدة العنان لطوفان من الإمدادات الجديدة إلى الأسواق العالمية، وأدت إلى انهيار أسعار النفط الخام قبل عقد من الزمن. وفي 2016، أصبح النفط الصخري يشكل تهديداً شبه وجودي للمنتجين، ما دفع السعودية وروسيا إلى تشكيل التحالف المعروف باسم "أوبك+" بعد سنوات من التنافس.
وتراجع عدد حفارات النفط الصخري بشكل حاد عندما اندلعت جائحة كورونا، وسط انهيار الطلب العالمي على النفط. وكان الإصرار الأكبر من جانب المساهمين على تحقيق عوائد أفضل، يعني أن انتعاش الإنتاج كان بطيئاً.
لكن في السنوات الأخيرة، شهد عدد الحفارات عودة أخرى، مما دفع الإنتاج الأميركي إلى مستوى قياسي يتجاوز 13 مليون برميل يومياً. كما أن السوق تشهد عرضاً إضافياً من قبل منتجين آخرين مثل البرازيل، والدولة النفطية الناشئة غويانا.
وسط هذه الموجة من العرض الجديد، انخفضت أسعار النفط في نهاية المطاف بنسبة 10% العام الماضي في لندن، رغم التوقعات الأولية بالارتفاع مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني. وتحولت السوق من الندرة إلى الوفرة، وبقي سعر خام برنت إلى حد كبير قرب 80 دولاراً للبرميل هذا العام، حتى مع احتدام الصراع في الشرق الأوسط.
"كان الاعتقاد السائد في الصناعة بأن إنتاج النفط في الدول غير الأعضاء في أوبك سيواجه الضغوط"، وفق رأي مارتين راتس، الاستراتيجي العالمي لشؤون النفط في "مورغان ستانلي". إلا أنه، على نقيض التوقعات، شهد هذا الإنتاج نمواً كافياً لتلبية الطلب، و"أدى إلى التضييق على مكانة نفط أوبك في السوق".
إذا كانت الإمدادات من خارج منظمة "أوبك" قادرة على مجاراة نمو الاستهلاك، فإن "أرامكو" لن تحتاج إلى تعزيز قدراتها. قامت السعودية بالفعل بتمديد تخفيضات الإنتاج في الربع الأول، وقال وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان إنه يمكن تمديدها "بالتأكيد".
راتس أشار إلى أن "إعلان أرامكو "يعكس توقعات الحكومة بأن الطلب على نفطها لن يرتفع بقوة كما كان متوقعاً في السابق"، و"في هذا السياق، فإن المستوى الحالي من الطاقة الفائضة كافٍ بالفعل".
عوامل داخلية لقرار أرامكو
بالإضافة إلى الاتجاهات في أسواق النفط العالمية، قد تكون هناك أيضاً عوامل داخلية وراء قرار الرياض. إذ من المحتمل أن تسجل السعودية عجزاً في الميزانية يبلغ نحو 4.3% عام 2024، ولديها أكثر من 46 مليار دولار من متطلبات التمويل، وفقاً لـ"بنك الإمارات دبي الوطني" ومقره دبي. يأتي ذلك في وقت تواصل المملكة إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على السياحة والرياضة وغيرها من المشاريع التي يدعمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لتنويع الاقتصاد.
وتدفع أرامكو أرباحاً أكبر بكثير للحكومة، حتى مع خفض إنتاجها. ورفعت الشركة توزيعاتها النقدية الفصلية بأكثر من 10 مليارات دولار إلى 29.4 مليار دولار خلال الربعين السابقين، حيث تتطلع الحكومة إلى تمويل عجزها المالي.
ومن شأن التخلي عن التوسعة البالغة 13 مليون برميل يومياً أن يخفف الضغط على ميزانية "أرامكو"، من خلال خفض نحو 5 مليارات دولار سنوياً من الإنفاق السنوي، وفقاً لـ"أر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets).