بلومبرغ
بات مشهد أفواج الخبراء الاستشاريين الذين يرتدون الملابس الغربية، مألوفاً في ردهات أفخم فنادق الرياض، حيث يشرع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تنفيذ خطة بقيمة تريليونات الدولارات، لتقليل اعتماد السعودية على إيرادات النفط.
في الأشهر الأخيرة، انضمت مجموعة أخرى من الأفراد إلى تلك الأفواج، وهم مديرو الاستثمار، الذين يحرصون على إيجاد موطئ قدم في وقت مبكر من قصة النمو الكبيرة المرتقبة لدى هذه السوق الناشئة.
السعودية التي انضمت إلى مؤشر "إم إس سي آي" للأسواق الناشئة في عام 2019، لم تجتذب تاريخياً سوى القليل جداً من مليارات الدولارات التي يخصصها مستثمرو الأسهم للأسواق العالمية.
تردد مديرو الاستثمار بسبب نقص السيولة في مؤشر السوق المالية السعودية "تداول"، والذي يضع قيوداً أمام الملكية الكاملة للأجانب، وبسبب اعتماد البلاد المفرط على الوقود الأحفوري.
اقرأ أيضاً: السعودية تستقطب 33 مليار دولار استثمارات أجنبية في 2022 وفق "المنهجية الجديدة"
الآن، مع استبعاد روسيا من المؤشر القياسي، وخسارة الصين لجاذبيتها بسبب التباطؤ الاقتصادي، بدأ بعض المستثمرين بالنظر إلى السعودية بنظرة جديدة، إذ يجذبهم تيار مستمر من الإصلاحات المصممة لتشجيع ضخ المزيد من الاستثمار الأجنبي، والمبالغ الضخمة التي يتم إنفاقها بموجب "رؤية 2023" التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ساعد هذا الاهتمام المتزايد، سوق "تداول" على الارتفاع بأكثر من 11% منذ بداية 2023، أي أكثر من ضعف عائد مؤشر " إم إس سي آي".
"السعودية تبدو مثل الصين في العقد الأول"
قال فيرغوس أرغيل، الذي ساعد في إطلاق صندوق جديد لشركة "إي إف جي نيو كابيتال"( EFG New Capital) للأسواق الناشئة قبل عامين، والذي خصص 8% من أمواله لصالح مؤشر الأسهم السعودية: "تبدو السعودية الآن وكأنها الصين في العقد الأول من القرن العشرين".
يقول أرغيل إن السعودية لا تزال "دون المستوى إلى حد كبير" في محافظ المستثمرين، حتى بعد أن اجتذب مؤشر "تداول" صافي تدفقات أجنبية بأكثر من 3 مليارات دولار منذ بداية 2023. هذا المبلغ يعتبر جزءاً صغيراً من تدفق 24 مليار دولار عندما انضم المؤشر إلى "إم إس سي آي" قبل أربع سنوات، لكن المحللين يقولون إن حجم الاستثمارات سينمو مع استمرار الإصلاحات.
اقرأ أيضاً: السعودية تتجه للسماح بتملك الأجانب أسهم شركات تعمل في مكة والمدينة
البورصة السعودية هي الأكبر والأكثر سيولة في الشرق الأوسط، وموطن أكبر منتج للنفط في العالم، أي أرامكو السعودية، التي جمعت نحو 30 مليار دولار عبر بيع حصة من الأسهم في عام 2019.
على مدى السنوات القليلة الماضية، أضافت البورصة، التي هيمنت عليها تقليدياً البنوك وشركات البتروكيماويات، شركات كبيرة للرعاية الصحية والتجزئة والطاقة. يتم تداول الأسهم في البورصة السعودية بمعدل سعر إلى الأرباح 17.5 مرة خلال 12 شهراً، مما يمنحها علاوة تزيد عن 50% على مؤشر "إم إس سي آي" للأسواق الناشئة.
ارتفاع وزن السعودية
ارتفع وزن السعودية في مؤشر "إم إس سي آي" للأسواق الناشئة إلى نحو 4.1% من نحو 1.5% عندما تم إدراجها أساساً، مع نمو الاهتمام الأجنبي وتشجيع السعودية المزيد من الشركات على طرح أسهمها للاكتتاب العام. جمعت الشركات السعودية 11.5 مليار دولار من الطروحات العامة منذ بداية عام 2022، في حين تباطأت الاكتتابات العامة في أماكن أخرى.
يمكن للمستثمرين الخاملين تقديم تدفقات بقيمة 7.3 مليار دولار إذا رفعت السعودية مستوى الحد الأقصى المسموح به لتملك الأجانب إلى 100%، من أقل بقليل من النصف حالياً لمعظم الأسهم، حسبما قال إيليا الشعار، المحلل المساعد في "أرقام كابيتال". وأضاف أن ذلك قد يؤدي إلى "زيادة كبيرة" في وزن المملكة على مؤشرات الأسواق الناشئة.
يعكس الاهتمام المتزايد بالسعودية تراجع المشاركة الأجنبية في السوق الصينية، في حين برزت الهند باعتبارها أحد المستفيدين الرئيسيين من هذا التحول، كما أن غياب روسيا عن المؤشر يعني أن المستثمرين ليس لديهم العديد من البدائل الأخرى. وفي حال ترقية كوريا الجنوبية إلى مؤشرات الأسواق المتقدمة، وهو ما قد يحدث في وقت ما من العام المقبل، سيصبح الاختيار أكثر محدودية.
اقرأ أيضاً: عودة التدفقات الأجنبية إلى سوق الأسهم السعودية بعد نزوح أكتوبر
قال هاريش رامان، رئيس قسم أسواق رأس المال الآسيوية لدى "سيتي غروب: "نرى بعض المستثمرين المؤسساتيين من آسيا يبدون اهتماماً متزايداً بعقد لقاءات واجتماعات مع شركات من الشرق الأوسط، لأنه، وبصفتك صندوقاً للأسواق الناشئة، عليك البحث عن تنويع استثماراتك". وأضاف أن "أميركا اللاتينية أقل إثارة للاهتمام نسبياً بالنسبة للمستثمرين الآسيويين، لكنهم يفكرون بجدية في الشرق الأوسط".
مخاطر جيوسياسية
ليس من السهل تحقيق إنجازات من دون صعوبات. إذ لا تزال السوق المالية موجهة للسعوديين، وتمت تغطية العديد من الاكتتابات العامة الأولية خلال 2023، بما في ذلك إدراج مجموعة "إم بي سي" بقيمة 222 مليون دولار، وطرح شركة "أديس القابضة"بقيمة 1.2 مليار دولار، بما يزيد عن المعروض بشكل كبير.
قال دومينيك بوكور إنغرام، مدير استثمار لدى "فييرا كابيتال" (Fiera Capital)، والذي ساعده موقفه المتفائل تجاه السعودية على التفوق على 99% من أقرانه هذا العام: "لم يتم بيع عدد من الأسهم التي تم طرحها للاكتتاب العام للمستثمرين الأجانب"، مضيفاً: "هناك ثلاثة أو أربعة اكتتابات عامة شاركنا فيها في السعودية كمستثمر أجنبي وحيد".
اقرأ أيضاً: 3 سيناريوهات للحرب بين إسرائيل وحماس وعلاقتها باقتصاد العالم
يمثل عدم اليقين الجيوسياسي بمثابة تحدٍ محتمل آخر. وكان مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018 ألقى بظلاله على ترقية مؤشر "تداول" إلى مؤشر الأسواق الناشئة حينها. كما أصبحت الحرب الدائرة في الوقت الحالي بين إسرائيل وحماس مصدر توتر. في أكتوبر، محا المؤشر جميع مكاسبه التي حققها منذ بداية 2023، مع انتشار التداعيات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، قبل أن ينتعش مجدداً، مع اعتقاد المستثمرين أن الصراع قد يتم احتواءه.
نظرة إيجابية تجاه الأسهم
يمتلك 147 صندوقاً بالأسواق الناشئة أصولاً تحت الإدارة تزيد قيمتها عن 127 مليار دولار، ولم يستثمروا أبداً في السعودية، وفقاً لـ"كوبلي فاند ريسيرتش"(Copley Funds Research).
لكن في إشارة إلى أن مديري المحافظ يقومون برحلات بحثية ثم يلجؤون إلى زيادة الاستثمارات، أظهرت الدراسة أن نسبة الصناديق النشطة في الأسواق الناشئة والتي تستثمر في المملكة، زادت بأكثر من الضعف منذ بداية 2023.
اقرأ أيضاً: صندوق الاستثمارات السعودي و"هيونداي" يتفقان على إنشاء مصنع للسيارات
قام دانييل ديفرانشيسكو، مدير محفظة ومحلل في قسم إدارة الأصول لدى بنك "بي إن بي باريبا"، والمقيم في الولايات المتحدة، بزيارة الرياض في الآونة الأخيرة، لمقابلة بعض المسؤولين لدى الشركات السعودية المدرجة، ويدرس الآن زيادة استثماراته.
وقال: "استثماراتنا قليلة في الوقت الراهن، ولكننا نواصل تحديد الفرص لضخ رأس المال". وأضاف أن "زيارة المملكة بهدف مقابلة مديري الشركات المحلية، ومشاهدة التحول الاجتماعي والاقتصادي الجاري، جعلتنا أكثر إيجابية بشأن العائد المحتمل للاستثمار في الأسهم السعودية".