الشرق
كثف القطاع الخاص السعودي خلال الفترة الأخيرة ضخ الاستثمارات في مصر، رغم المخاوف من تحريك محتمل لسعر صرف الجنيه بدءاً من العام المقبل. أحدث هذه الاستثمارات، التي تجاوزت ملياري دولار، توزعت على قطاعات الطاقة والعقارات والسياحة بشكلٍ أساسي.
خلال الأسبوع الماضي فقط، شهدت القاهرة زيارة وفد سعودي رفيع المستوى برئاسة وزير التجارة ماجد عبدالله القصبي، فضلاً عن تنظيم منتدى الأعمال الخليجي المصري بمشاركة رجال أعمال سعوديين، بالإضافة للتحضير لتوقيع اتفاقية حماية للاستثمارات المتبادلة.
في هذا السياق، أشار فايز الشعيلي نائب رئيس اتحاد الغرف السعودية في تصريح لـ"الشرق" على هامش مشاركته في المنتدى الخليجي المصري الأربعاء، إلى أن السوق المصرية ضخمة وواعدة، منوّهاً بوجود الكثير من الفرص المتاحة.
وفيما يخص القطاعات، لفت الشعيلي إلى وجود الكثير من القطاعات الجاذبة للمستثمرين السعوديين، على رأسها الطاقة المتجددة والصناعة والتعدين.
مشاريع جديدة بملياري دولار
الاستثمارات السعودية المعلنة خلال الأيام الأخيرة تدعم هذا التوجه، إذ كشف تركي الحكير، الرئيس التنفيذي لشركة "فاس للاستثمار والتطوير العقاري"، التابعة لمجموعة فواز الحكير، عن ضخ استثمارات جديدة في مصر بقيمة 1.5 مليار دولار خلال 2024.
الحكير أضاف لـ"الشرق" أن الاستثمارات الجديدة ستركز على قطاعات الطاقة والعقارات والبنية التحتية في مصر. مفصحاً أن استثمارات المجموعة الحالية في مصر تبلغ 5 مليارات دولار.
من جانبه، أعلن رئيس مجموعة "اللامي القابضة" السعودية محمد طلعت اللامي استثمار 500 مليون دولار في مصر خلال العامين المقبلين.
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق" أن مجموعته، البالغ حجم استثماراتها في مصر 3 مليارات دولار، تعمل على افتتاح فندق جديد في شرم الشيخ خلال 2024 باستثمارات 50 مليون دولار، وبطاقة فندقية 500 غرفة.
رئيس المجموعة، التي تمتلك 3 فنادق في شرم الشيخ بطاقة 2000 غرفة، أفصح أيضاً عن الحصول على رخصة تطوير عقاري على مساحة 85 فداناً بمنطقة الحزام الأخضر في مدينة 6 أكتوبر غربي القاهرة. وكشف أنه سيتم تدشين مشروع سكني ومول تجاري على هذه الأرض باستثمارات 100 مليون دولار، على أن تبدأ الأعمال الإنشائية بالمشروع خلال النصف الأول من 2024.
وفي قطاع الأغذية، أعلن رئيس مجلس "الكريدا للتمور" عبدالرحمن محمد الكريدا، أن شركته تقترب من افتتاح أول مصنع لها في مصر على مساحة 10 آلاف متر مربع خلال الأسبوعين المقبلين، دون الكشف عن قيمة الاستثمار.
وأوضح بمقابلة مع "الشرق" أن الشركة تستهدف من مصنعها في مصر السوق المحلية في السنة الأولى، ومن ثم التصدير لمعظم أسواق العالم بنهاية عام 2024، كاشفاً أنه تمّ الانتهاء من اتفاقية الأراضي والتي تبلغ مساحتها نحو 800 فدان في منطقة الواحات غرب مصر، وذلك "بعد الحصول على تسهيلات كبيرة من وزارتي الاستثمار والتجارة" المصريتين.
كما تدرس مجموعة "بترجي القابضة" السعودية الاستحواذ على إحدى شركات الأدوية المقيّدة ببورصة مصر خلال 6 أشهر، كما كشف لـ"الشرق" رئيس مجلس الإدارة مازن بترجي، مفصحاً عن عزم شركته استثمار 50 مليون دولار في مصر خلال عامين، بالقطاع الطبي والدوائي، من ضمنها إقامة مصنع في مصر مختص بتصنيع الأجهزة الطبية والحضّانات، باستثمار أولي يبلغ 5 ملايين دولار.
حماية الاستثمارات
تأتي هذه الاستثمارات مع بلوغ مصر المراحل الأخيرة لتوقيع اتفاقية حماية للاستثمارات المتبادلة مع السعودية "قريباً"، وفقاً لوزير التجارة والصناعة المصري أحمد سمير لـ"الشرق". مضيفاً أنه "يجري حالياً الانتهاء من المراجعة القانونية لبنود الاتفاقية على أن يكون التوقيع قريباً".
تضمن اتفاقيات حماية الاستثمارات الالتزام بمعاملة "منصفة وعادلة" للاستثمارات، وتقليص متطلبات إنشاء وتوسعة وصيانة الاستثمارات، وأيضاً ضمان الاستثمارات في حالات الحرب أو النزاع أو الثورة أو حالات الطوارئ والاضطرابات.
كما تضمن حماية الاستثمارات من أي إجراء يمس ملكيتها أو تجريد مستثمريها كلياً أو جزئياً من بعض حقوقهم مع منع تأميم أو نزع الملكية أو إخضاعها لأشخاص وجهات أخرى.
وكان بندر العامري رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري أفاد بأن حجم استثمارات القطاع الخاص السعودي في مصر بلغ 35 مليار دولار، في حين ذكرت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية في تقرير لها أصدرته منتصف العام الجاري، أن حجم الاستثمارات السعودية في مصر وصل إلى نحو 32 مليار دولار.
يُشار إلى أن السعودية تملك أيضاً ودائع في البنك المركزي المصري بقيمة 10.3 مليار دولار، منها 5 مليارات دولار ودائع قصيرة الأجل، وأخرى بقيمة 5.3 مليار دولار متوسطة وطويلة الأجل، بحسب آخر تقرير صادر عن البنك المركزي بشأن الوضع الخارجي للاقتصاد المصري.
إنعاش الاقتصاد
تراهن مصر على الاستثمارات لتعزيز اقتصادها الذي تأثر كثيراً جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وعمليات الرفع في أسعار الفائدة الأميركية، ما أثر على غالبية الأسواق الناشئة من بينها مصر.
وتخطط البلاد إلى جذب 25 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال 5 سنوات، بحسب حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مقابلة سابقة مع "الشرق" على هامش "مبادرة مستقبل الاستثمار" التي انعقدت في الرياض.
وتوقع استقطاب استثمارات أجنبية بنحو 12 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية التي تنتهي في 30 يونيو 2024، أي بزيادة تتراوح ما بين 15% إلى 20% عن السنة السابقة.
وتعاني الدولة العربية الأكبر من حيث عدد السكان من شح شديد في السيولة الدولارية، ما أدى لخفض قيمة الجنيه المصري 3 مرات منذ مارس 2022، ودفع سعر الجنيه إلى الانخفاض أمام الدولار بنحو 25% منذ بداية العام حتى الآن، وبنحو 50% منذ مارس من العام الماضي، وسبب بعض القلق بشأن الاستثمار في البلاد.
الضغوط السابقة تشير جميعها إلى إمكانية القيام بخفض جديد للجنيه، وهو ما تترقبه الأسواق، في وقت تشدد مؤسسات التمويل الدولية في مطالبة السلطات بتطبيق أسعار صرف مرنة للصرف.
وبشأن تأثير هكذا تغييرات على الاستثمارات السعودية، اعتبر نائب رئيس اتحاد الغرف السعودية أن توسع التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون ومصر سيرفع من وجود العملة الصعبة في البلاد، ويسهل عملية الاستثمار، مشيراً إلى أن موضوع سعر صرف العملة لن يؤجل الاستثمارات السعودية في مصر.
وكان رئيس جهاز التمثيل التجاري التابع لوزارة التجارة والصناعة المصرية يحيى الواثق بالله قال لـ"الشرق"، إن مصر والسعودية تبحثان إمكانية استخدام العملات المحلية في جزء من التبادل التجاري بينهما خلال الفترة المقبلة.
الواثق بالله أضاف أن "وزير التجارة السعودي تقدّم بمقترح لبحث إمكانية سداد جزء من عمليات التبادل التجاري بالعملات المحلية، وسيخضع المقترح لمباحثات بين البنكين المركزيين في البلدين"، متوقعاً الانتهاء من دراسات هذا المقترح خلال 2024.