ما ركائز توجه السعودية للاستثمار في فيتنام؟

عوامل عدة ساهمت بتحوّل فيتنام إلى وجهة لشركات التصنيع العالمية لاسيما الأميركية والصينية

time reading iconدقائق القراءة - 9
علم فيتنام مضاء على مبنى في دا نانغ، فيتنام. 3 مايو 2023 - المصدر: بلومبرغ
علم فيتنام مضاء على مبنى في دا نانغ، فيتنام. 3 مايو 2023 - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

خلال الأسبوع الماضي؛ نشرت وسائل الإعلام السعودية ثلاثة أخبار منفصلة، ولكنها متزامنة، وتتناول موضوعاً واحداً يتعلق برغبة سعودية في تعزيز الاستثمار المباشر في فيتنام.

زبدة هذه الأخبار أعلنها مجلس الوزراء السعودي؛ إذ فوّض الأسبوع الماضي، وزير الاستثمار خالد الفالح بالتباحث مع الجانب الفيتنامي للتعاون في مجال تشجيع الاستثمار المباشر.

هذا الخبر سبقه احتضان هانوي "ملتقى الأعمال السعودي الفيتنامي" الذي نظمته غرفة الرياض في 11 سبتمبر الجاري واختتم الإثنين، بمشاركة نحو 200 شركة من الجانبين، بهدف "تعزيز الاستثمارات بين الجانبين، وإتاحة الفرصة لقطاعي الأعمال في البلدين لمناقشة العمل المشترك، وتعزيز حجم التعاون التجاري، والتعريف بالفرص الاستثمارية المشتركة بين قطاعي الأعمال في البلدين"، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية.

بحسب الوكالة؛ شارك في الزيارة إلى فيتنام عدد من الجهات الحكومية ممثلة بوزارة الاستثمار، ووزارة الصناعة والثروة المعدنية، والهيئة العامة للتجارة الخارجية، والصندوق السعودي للتنمية، وبنك التصدير والاستيراد السعودي، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، وهيئة المساحة الجيولوجية السعودية.

بالتزامن مع ملتقى هانوي؛ توجه وفد أعمال سعودي يضم 80 شخصاً يمثلون أكثر من 50 شركة سعودية للاطلاع على تجربة مصنع "الزامل للحديد"، وهو أحد أكبر المشروعات السعودية في العاصمة هانوي.

تصب كل هذه الأخبار في مصلحة زيادة التعاون التجاري والاستثماري بين البلدين، خصوصاً مع وجود شركات كبرى سعودية تعمل أساساً في البلاد، ومنها "الزامل للحديد" التي تمثل أول استثمار سعودي في البلاد، حيث بدأ عمله هناك منذ 25 عاماً، أي مع بداية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بالإضافة إلى "أكوا باور" التي أعلنت في 2019 عن تحالف مع "شركة كهرباء فيتنام" لإنشاء حقل طاقة شمسية بتكلفة 58 مليون دولار، و"سابك" التي تتعاون مع شركات فيتنامية في مجالات الاستدامة مع التركيز على البلاستيك وألواح الطاقة الشمسية وغيرها.

التجارة بين هانوي والرياض

الاهتمام السعودي بفيتنام ليس وليد اللحظة؛ إذ تعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى 1999، في حين أُنشئت اللجنة السعودية الفيتنامية المشتركة في 2006 بهدف تعزيز التعاون في مختلف القطاعات.

وفقاً لأرقام هيئة الإحصاء السعودية؛ فإن فيتنام احتلت المرتبة 26 في قائمة موردي المنتجات إلى السعودية. وسجلت واردات السعودية من فيتنام في الربع الثاني من العام الجاري نحو ملياري ريال، مقارنة بـ1.6 مليار ريال في الفترة ذاتها من العام الماضي.

حازت الآلات والأجهزة الآلية والمعدات الكهربائية وأجهزة تسجيل وإذاعة الصوت والصورة، على الحصة الكبرى من الواردات السعودية خلال الربع الثاني من السنة. وبلغت قيمة هذه الواردات نحو 921 مليون ريال، وهو ما يعادل تقريباً نصف الواردات من البلاد.

جاءت المعادن العادية ومصنوعاتها في المرتبة الثانية لتسجل نحو 189 مليون ريال، في حين سجّلت واردات المنتجات المعدنية نحو 156 مليون ريال.

أما فيما يتعلق بالصادرات غير البترولية السعودية؛ فإن فيتنام تحتل المرتبة 36 عالمياً كوجهة للمنتجات الواردة من المملكة.

استوردت فيتنام ما قيمته 464 مليون ريال في الربع الثاني من العام، وكان القسم الأكبر من هذه الصادرات عبارة عن لدائن ومصنوعاتها، ومطاط ومصنوعاته، وقد بلغت قيمتها 364 مليون ريال.

الأغذية الحلال

خلال "ملتقى الأعمال السعودي الفيتنامي"، الأسبوع الماضي، أعلن نائب رئيس الوزراء الفيتنامي تران لوو كوانغ أن بلاده تتخذ إجراءات لتعزيز علاقتها مع الدول الإسلامية، من ضمنها السعودية، للوصول إلى أسواق الأغذية "الحلال"، وفقاً لما نقلته "فيتنام إنفستمنت ريفيو" المحلية.

اقرأ أيضاً: فيتنام تعلن شراء 25 مليار دولار في العامين الماضيين

كانت نجوين مينه فونغ، نائبة المدير العام لإدارة آسيا وأفريقيا في وزارة الصناعة والتجارة الفيتنامية قد اعتبرت على هامش ملتقى العام الماضي في الرياض أن الشركات الفيتنامية أمام فرصة كبيرة لزيادة صادراتها من المنتجات الزراعية والصناعية للسوق السعودية، ودعت شركات المملكة إلى دراسة إمكانية الاستثمار في فيتنام لإنتاج احتياجات السوق السعودية وتصديرها.

خط شحن بحري

من أجل تعزيز التجارة بين البلدين؛ أعلنت الهيئة العامة للموانئ السعودية (موانئ) في أغسطس إضافة خدمة الشحن الملاحية الجديدة "RGA"، التي تربط ميناء الملك عبد العزيز بالدمام بموانئ جنوب شرق وغرب آسيا.

تعمل خدمة الشحن الجديدة، وهي عبارة عن سفينة واحدة أسبوعياً، على ربط ميناء "هوشي منه" الفيتنامي بميناء الملك عبدالعزيز بالدمام، مروراً بـ6 موانئ إقليمية وعالمية تشمل: "كاي ميب" الفيتنامي، و"لايم شابانج" التايلاندي، و"بورت كلانج" في ماليزيا، و"نهافا شيفا" الهندي، و"جبل علي" بالإمارات، و"صحار" العُماني.

ويعتبر ميناء الملك عبدالعزيز الميناء الرئيي للمملكة على الخليج العربي، ويرتبط مع الميناء الجاف بالرياض بسكة حديدية، كما يعد ميناءً أساسياً تمر منه البضائع من جميع أنحاء العالم إلى المنطقتين الشرقية والوسطى.

لحظتان فارقتان

زيادة التعاون السعودي مع فيتنام والتوجه إلى الاستثمار المباشر فيها يأتيان في وقت تكتسب هانوي أهمية استراتيجية على ساحة الصراع الجيوسياسي العالمي وسط زيادة التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم -الولايات المتحدة والصين- اللذين يعدان من أبرز شركاء هانوي.

تغيّب الرئيس الأميركي جو بايدن عن حضور "قمة آسيان" التي انعقدت في إندونيسيا مطلع الشهر الحالي، ليتوجه إلى هانوي حيث وقّع اتفاقاً تاريخياً يركز على تعزيز صناعة أشباه الموصلات والمعادن في البلاد، في محاولة من واشنطن لتقليص الاعتماد على بكين كمصدر لهذه الصناعة الحيوية.

وتعد فيتنام من الدول المرجحة بقوة للعب هذا الدور، خصوصاً مع توجه الكثير من الشركات على غرار "أبل" و"إنتل" إليها لتنويع مصادر سلاسل الإمداد.

اقرأ أيضاً: بوصلة السعودية شرقاً.. عين على الصين وأخرى على الهند

اللحظة الأخرى الفارقة، هي الإعلان عن الممر الاقتصادي الذي سيربط الهند بدول أوروبا عبر الشرق الأوسط، إذ كشف المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين في حوار مع "سكاي نيوز" أن الممر سيمكّن من نقل البضائع من فيتنام إلى الهند ومنها إلى أوروبا، مروراً بالسعودية بشكل أساسي.

لماذا فيتنام؟

تقع فيتنام في بقعة اكتسبت أهمية اقتصادية كبيرة، واستطاعت العمل على استغلالها، وهو ما أدى إلى تسجيلها لنمو اقتصادي هائل خلال السنوات الماضية، وصل في بعضها إلى 10%، وسط توقعات بتسجيلها نمواً كبيراً في المستقبل.

أشار إلى هذا الأمر راجيف بيساو في تقرير نشرته "أس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس" عن أداء الاقتصاد في النصف الأول من السنة الحالية، منبهاً إلى وجود العديد من محركات النمو على مدى السنوات الخمس المقبلة التي ستجعل فيتنام إحدى أسرع الأسواق الناشئة نمواً في منطقة آسيا.

اقرأ أيضاً: صانعو قطع غيار السيارات في الصين يسعون إلى التوسع بالخارج

من هذه المحركات، كما أشار بيساو في التقرير، هناك أجور التصنيع المنخفضة نسبياً مقارنة بالمقاطعات الصينية الساحلية، بالإضافة إلى تمتع فيتنام بقوة عاملة كبيرة نسبياً، وذات تعليم جيّد بالمقارنة مع العديد من المنافسين الإقليميين، مما دفع العديد من المصانع الصينية والأجنبية إلى افتتاح خطوط إنتاج في البلاد.

كما توقع التقرير حدوث نمو سريع في الإنفاق الرأسمالي، نتيجة استمرار الاستثمار الأجنبي المباشر القوي من جانب الشركات متعددة الجنسيات، فضلاً عن الإنفاق المحلي على البنية التحتية.

ويُقدّر إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر المنفذ في البلاد بنحو 22.4 مليار دولار عام 2022، وفق التقرير.

السعودية تتلقف الفرصة

يبدو أن المملكة من خلال تحركاتها الأخيرة تجاه فيتنام قد تلقفت هذا الواقع الجديد للبلد الجنوب آسيوي، تجارياً واستثمارياً، الذي سلّط الضوء عليه السفير الفيتنامي لدى السعودية دانغ سوان زونغ في مقال العام الماضي، وأعرب فيه عن ثقته بأن السعودية وبقية أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ستستفيد من انفتاح اقتصاد فيتنام، مشيراً إلى دخول بلاده في 15 اتفاقية تجارة حرة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ، واتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.

اقرأ أيضاً: جبال من الألمنيوم مخفية في فيتنام ولا أحد يستطيع الوصول إليها.. فما قصتها؟

ونوّه بأن فيتنام قادرة على أن تكون بمثابة مدخل لسلع وخدمات السعودية وجيرانها إلى رابطة دول جنوب شرق آسيا، خامس أكبر اقتصاد في العالم، والسوق التي تضم أكثر من 600 مليون مستهلك.

على الرغم من النظرة المتفائلة للمدى المتوسط؛ فإن فيتنام قد تواجه هذا العام تحديداً رياحاً معاكسة، نتيجة تراجع الطلب على المنتجات المصنوعة في البلاد، بفعل تباطؤ الاقتصادات الكبرى التي تمثل أبرز الشركاء التجاريين للبلاد، مثل الصين وأميركا واليابان وكوريا الجنوبية، مما يجعل من الصعب تحقيق مستهدف النمو البالغ 6.5% للعام الجاري، وفق رئيس البرلمان فونغ دينه هوي، خلال منتدى هانوي الاقتصادي هذا الشهر.

تصنيفات

قصص قد تهمك