بلومبرغ
من المتوقع ان تتقلص الأرباح الفصلية لشركات النفط الكبرى نتيجة انخفاض هوامش ربحية البتروكيماويات، ما يزيد من ضغوط تراجع أسعار النفط والغاز على النتائج المالية.
في ظل تباطؤ الطلب على السلع الاستهلاكية المعتمدة على البلاستيك والمطاط، إلى جانب تدفق إنتاج المصانع الجديدة في الولايات المتحدة والصين، لابد وأن الهوامش تواجه تراجعاً محتملاً على المدى الطويل.
يأتي ذلك في الوقت الذي ألقى فيه الركود، الذي وصفه الرئيس التنفيذي لشركة "لانكسنيس" (Lanxness AG) ومقرها في كولونيا بأنه حقبة "ليمان 2" في صناعة الكيماويات، بظلاله القاتمة على قطاع لطالما وُصف بأنه مستقبل شركات النفط الكبرى. يُتوقع أن يبلغ الطلب على الوقود الأحفوري ذروته في السنوات القادمة بسبب مكافحة تغير المناخ، مما يجعل البتروكيماويات المحرك الرئيسي لنمو الشركات.
على مدى السنوات الخمس الماضية، استثمرت كلٌ من "إكسون موبيل" و"شل" و"توتال إنرجيز" بشكل مكثف في المصانع الأميركية التي تحول المواد الأولية الغازية الرخيصة التي أطلقتها طفرة النفط الصخري إلى كونها اللبنات الأساسية لكل شيء، من الإلكترونيات إلى مواد البناء إلى الأجهزة المنزلية.
تراجع دراماتيكي
قال جوزيف تشانغ، المحلل المقيم في نيويورك في "آي سي آي إس" ( ICIS)، شركة استشارات في مجال الصناعة ومزود للبيانات: "التراجع كان دراماتيكياً للغاية. مع زيادة المعروض من المواد الكيميائية في الوقت الحالي، ستسعى شركات النفط الكبرى لمجالات أخرى تستثمر فيها".
قد تكون شركات النفط الكبرى محصنة عن تكبّد أسوأ الخسائر لأنها لا تزال جزءاً محدوداً نسبياً من عمليات النفط والغاز العالمية. فقد أعلنت شركة "شيفرون" أمس الأحد عن أرباح أفضل من المتوقع مع ارتفاع الإنتاج في "حوض بيرميان" في تكساس ونيو مكسيكو إلى مستوى قياسي.
لكن التدهور الهيكلي في المواد الكيميائية يفاقم الظروف غير المواتية التي تواجه بالفعل أسواق النفط الخام والتجارة والتكرير. بينما كانت أرباح "شيفرون" المعدّلة أعلى مما توقعه المحللون، انخفض صافي الدخل إلى 6 مليارات دولار، وهو الانخفاض الرابع على التوالي. قالت الشركة أيضاً إنها تخلّت عن بند سن التقاعد الإلزامي لرئيسها التنفيذي مايك ويرث.
من المرجح أن تنخفض الأرباح الإجمالية للربع الثاني لكلٍ من "إكسون" و"شل" و"توتال إنرجيز" و"بي بي" على التوالي، مدفوعة بشكل أساسي بانخفاض أسعار النفط والغاز، فضلاً عن هوامش التكرير، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
ضعف هوامش التكرير والتداول
قلّص المحللون تقديراتهم بالنسبة إلى "إكسون" و"شل" منذ أن أصدرت الشركتان توجيهات في وقت سابق من الشهر الجاري حذرتا فيها من انخفاض أرباح التكرير والتداول. ذكرت "شل"، على وجه الخصوص، أن وحدة تداول الغاز-التي رفعت أرباح الشركة إلى مستويات قياسية في وقت سابق من العام الجاري-سوف تتراجع إلى مستويات متوسطة.
مع الأخذ في الحسبان هذه البيانات إلى حد كبير-وارتداد النفط بالفعل في أوائل الربع الثالث-زادت احتمالات ضعف سوق البتروكيماويات لفترة ممتدة والتي غالباً ما يتم تجاهلها وأصبحت مصدر قلق وشيك.
تلعب البتروكيماويات دورين حيويين في عمليات شركات النفط الكبرى. فهي مصدر تحوط عندما تنخفض أسعار النفط والغاز. وتقدم توقعات معدلات النمو لتتفوق في نهاية المطاف على الطلب على النفط الخام، والذي يتوقع العديد من المحللين أن يستقر أو ينخفض في العقد المقبل مع حملات الدول للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. بدأت شركتا "إكسون" و"شل" في إنشاء مصانع كيماويات عملاقة في تكساس وبنسلفانيا العام الماضي، لإنتاج المواد البلاستيكية مثل البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، والتي لا يوجد لها سوى القليل من البدائل الخضراء.
تنطوي التوقعات على المدى القصير على تحديات، إذ إن "إكسون" و"شل" ليستا الوحيدتين اللتين تتنافسان للحصول على حصة من كعكة البتروكيماويات.
حوالي 49.5 مليون طن من الطاقة الإنتاجية الجديدة من الإيثيلين عالمياً الحالية أو المقرر الحصول عليها خلال الفترة من 2020 إلى 2024، تجاوزت الطلب المتوقع بنسبة 55%، وفقاً لشركة "إس آند بي غلوبال" (S&P Global). تنتج الصين أكثر من نصف هذه الكمية، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تقليص واردات المواد الكيميائية الأساسية للصناعة التحويلية، وهي الأكبر في العالم.
يحمل المستقبل بين طياته المزيد. فهناك ما لا يقل عن اثنتي عشرة منشأة عملاقة جديدة يجري بناؤها، أو من المقرر أن تُشيّد على مدى السنوات الأربع المقبلة، حيث ستوفر 9.5 مليون طن إضافية خلال الفترة من 2025 إلى 2030. ثلاثة مصانع جديدة في الولايات المتحدة وكندا ستزيد من إنتاج البولي إيثيلين في أميركا الشمالية بنسبة 13% هذا العام وحده، وفقاً لـ"آي سي آي إس" (ICIS).
لا يزال الطلب لا يواكب هذا الوضع. وأسعار الفائدة المرتفعة تضعف النمو الاقتصادي. قال تشانغ إن العديد من المستهلكين الذين ينفقون يختارون السفر أو الذهاب إلى المطاعم أو القيام بنزهات أخرى بدلاً من شراء السلع المعمرة. كما أن الانتعاش الصيني الأضعف من المتوقع وانخفاض استخدام الكمامات والمعدات الطبية ذات الصلة بـ"كوفيد-19" يضغط على هذا القطاع.
حذر منتجو الكيماويات بما في ذلك "إف إم سي" (.FMC Corp) و"آشلاند" (.Ashland Inc) و"أولين" (.Olin Corp) من انخفاض الأرباح بشكل كبير لبقية هذا العام.
الشركات لا تزال متماسكة
مع ذلك، فإن شركات النفط الكبرى أبعد ما تكون عن السقوط في وضع متأزم. من المقرر أن يبلغ إجمالي أرباح كلٍ من "إكسون" و"شل" و"شيفرون" و"توتال إنرجيز" و"بي بي" 29.5 مليار دولار في الربع الثاني. يعد هذا الرقم أقل بـ23% من الأشهر الثلاثة الأولى من العام، ولكنه لا يزال أكثر من ضعف المتوسط الفصلي بين عامي 2015 إلى 2019، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
مع انخفاض الأرباح خلال الربع الحالي، ستواجه الشركات الخمسة أسئلة حول ما إذا كان بإمكانها الحفاظ على الوعود السخية التي قطعتها على أنفسها العام الماضي، عندما ارتفعت الأرباح إلى مستويات قياسية لمكافأة المساهمين بأرباح كبيرة وعمليات إعادة شراء الأسهم.
كتب كيم فوستير، المحلل المقيم في لندن لدى "إتش إس بي سي هولدينغز"، في مذكرة: "سيكون للأرباح المنخفضة تأثير سلبي على التوزيعات" للشركات الأوروبية الكبرى التي ربطت أهداف عوائد المساهمين بالتدفقات النقدية. لكنها قالت إن "إكسون" و"شيفرون" لا بد أنهما قادرتان على "المحافظة على عمليات إعادة الشراء الحالية لفترة أطول" بسبب معدلات ديونهما المنخفضة.
قال فوستير: "نعتقد أن أرباح شركات النفط الكبرى وصلت إلى القاع حالياً. ولا بد أن التدفقات النقدية سوف تستقر عند مستوى مرتفع بدءاً من الربع الثاني فصاعداً".