بلومبرغ
سجلت أكبر خمس شركات نفط وغاز مُدرجة على مستوى العالم أرباحاً إجمالية العام الماضي أقل بقليل من 200 مليار دولار. وجدت هذه الشركات نفسها أمام ثلاثة احتمالات استراتيجية بشأن سبل استخدام المبالغ النقدية المتوفرة لديها، وهي أن تبادر بأعمال استخراج النفط والغاز، أو تحوّل أعمالها إلى مصادر الطاقة المتجددة وأصول تحوُّل الطاقة، أو تطرح الأموال عائدات للمساهمين. واختارت هذه الشركات إلى حد كبير الخيار الثالث في الأسابيع الأخيرة.
بعبارة أخرى، يفضّل كلٌّ من "إكسون موبيل" و"شيفرون" و"بي بي" و"شل" و"توتال إنيرجيز" "النقد على حساب المناخ"، حسبما كتب مؤخراً كيفن كرولي مراسل "بلومبرغ". يبدو أن المساهمين يدعمون هذا الموقف، إذ أثبتت القرارات التي كانت ستجبر الشركات على الامتثال لأهداف المناخ ضمن اتفاقية باريس فشلها، كما تراجعت "بي بي" و"شل" عن استراتيجياتهما لخفض إنتاج الوقود الأحفوري (كان أحد متداولي الطاقة في "شل" استقال أخيراً ردّاً على هذا الموقف).
قد يبدو هذا تغييراً كبيراً في تخصيص رأس المال لصالح انتقال الطاقة، لكنه يشير إلى استراتيجية الشركات أكثر مما يشير إلى الاستثمار على نطاق تريليون دولار. بعبارة أخرى: تراجع شركات النفط الكبرى عن الاستثمار في الطاقة النظيفة يعني لها أكثر مما يعني على صعيد تحوُّل الطاقة.
بجانب الشركات الخمس الكبرى، بلغ إجمالي قيمة استثمارات شركات النفط والغاز الكبرى خلال الفترة بين عامَي 2015 و2022، مثل "ريبسول" (Repsol SA) الإسبانية و"بتروناس" (Petronas) الماليزية، 113 مليار دولار في أصول وتقنيات منخفضة الكربون. أُنفِقَ أكثر من نصف هذا المبلغ عامَي 2021 و2022 وحدهما.
اقرأ أيضاً: مستثمرو النفط يجنون 128 مليار دولار مع تزايد الشكوك حول الوقود الأحفوري
إنفاق معقول
يُعَدّ هذا المبلغ معقولاً بالتأكيد، لكن لا بد من سياق لفهم الدور الذي لعبته الشركات في إزالة الكربون. خلال الفترة نفسها من عام 2015 حتى 2022، وصل الاستثمار في مجال تحول الطاقة من جميع الشركات والقطاعات إلى أكثر من 4.8 تريليون دولار. من الواضح أن الاستثمار منخفض الكربون لشركات النفط الكبرى زاد من حيث القيمة المطلقة، لكن مقياسين آخَرَين يوضّحان أهميته النسبية.
المقياس الأول هو حصة النفقات الرأسمالية للشركات التي اختارت الطاقة النظيفة. في عام 2015 استخدمت شركات النفط الكبرى 0.8% من نفقاتها الرأسمالية في أنشطة منخفضة الكربون. وفي العام الماضي زاد هذا الرقم بأكثر من عشرة أضعاف، إذ شكّلت الاستثمارات منخفضة الكربون 8.6% من إجمالي النفقات الرأسمالية.
إلا أن هذا الاتجاه لم يواكب النمو الإجمالي للاستثمار في تحوّل الطاقة، ففي عام 2015 كانت النفقات الرأسمالية منخفضة الكربون لشركات النفط الكبرى البالغة 3.2 مليار دولار أقلّ من 1% من إجمالي الاستثمارات. في العام الماضي استحوذت على 32.3 مليار دولار، وهو أعلى بعشرة أضعاف من حيث القيمة المطلقة، لكنه كان أعلى بثلاث مرات ونصف فقط كحصة من الإجمالي. في الواقع، بعد القفزة من 0.7% من استثمارات تحوّل الطاقة في 2017 إلى 2.5% في 2018، أصبحت الأنشطة منخفضة الكربون للشركات محدودة النطاق. وبلغت مساهمة هذه الشركات ذروتها عند 3% عام 2021 وانخفضت بشكل طفيف إلى 2.9% العام الماضي.
توجهات استثمارية متشابهة
من المؤكد أن كل مليار دولار يُستثمر في تحول الطاقة أمر إيجابي، لكن أموال شركات النفط الرئيسية لم تحرّك البوصلة كثيراً حتى الآن. ستبدو اتجاهات الاستثمار في الطاقة النظيفة متشابهة إلى حد كبير إذا لم تكُن شركات النفط الكبرى تستثمر أبداً. هذه الشركات لا تعاني نقصاً في رأس المال في الوقت الحالي، فوفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ارتفعت استثماراتها في الطاقة النظيفة مقارنة بالوقود الأحفوري سنوياً منذ عام 2016.
ظلّت شهية شركات النفط الكبرى للاستثمار تراوح مكانها على صعيد تَحوُّل الطاقة، منذ حملة "ما بعد عصر النفط" التي أطلقتها شركة "بي بي" عام 2000. علينا أيضاً أن نسأل عن الشكل الذي تتخذه دورة الاستثمار التي يمكن أن تأتي مجدداً، بعيداً عن تفضيل منح المساهمين عائدات نقدية.
ربما لن تكون في مجال توليد الطاقة المتجددة، لا سيما مع خفوتها الذي يفسح المجال حالياً لأشكال جديدة أخرى.
بدلاً من ذلك يمكن أن تكون في القطاعات التي تقع في نطاق رأس المال والخبرة الحاليَّين لشركات النفط والغاز، مثل وقود الطائرات المستدام، أو الهيدروجين أو التخزين الجيولوجي لثاني أكسيد الكربون. لكن في الوقت الحالي لن يكون لانسحاب شركات النفط والغاز الكبرى من هذا المجال سوى تأثير محدود. قد يتسبب ذلك في خفض نسبة مئوية أو اثنتين من إجمالي الاستثمار في تحول الطاقة، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد المستثمرين الآخرين.