بلومبرغ
نجحت دول قليلة مثل الإمارات العربية المتحدة في تنمية اقتصاد حيوي ومنخفض الضرائب لجذب الشركات الكبيرة والأفراد الأكثر ثراءً في العالم. ولكن مع شنّ الاقتصادات الكبرى حرباً على الملاذات الضريبية وغسل الأموال، تعمل الدولة على تفكيك أجزاء من نظامها الضريبي المنخفض، بما في ذلك فرض ضريبة اتحادية على أرباح الشركات. قد يخفّف هذا التغيير جاذبية البلاد للمواطنين الأجانب الذين يشكّلون نحو 80% من السكان، كما يمكن أن يمنح ميزة للمملكة العربية السعودية، التي تعمل على تطوير مناطقها الاقتصادية الدولية الحرة لتخطف الأضواء من جارتها الأصغر.
كيف حققت الإمارات المعجزة الاقتصادية؟
بعد تشكيلها عام 1971، بنت الدولة -وهي اتحاد يضمّ سبع إمارات في الطرف الشرقي لشبه الجزيرة العربية- سمعتها مركزاً تجارياً عالمياً من خلال تعزيز موقعها بين الشرق والغرب، ولكونها ثالث أكبر منتج للنفط في "أوبك"، مقدّمة نفسها ملاذاً للأعمال والسياحة في منطقة مضطربة.
تشتهر الإمارات بتنفيذ المشاريع الضخمة، وكونها موطناً لواحدة من أكبر الجزر التي صنعها الإنسان في العالم، وأطول ناطحة سحاب، وأحد أكثر المطارات ازدحاماً. على عكس أجزاء أخرى من الشرق الأوسط، يمكن للأجانب امتلاك عقارات سواء الفيلات ذات الواجهة البحرية التي تقدر بملايين الدولارات أو الاستوديوهات الصغيرة. كما لا توجد ضريبة على دخل الأفراد.
ما تحديات العيش في الإمارات؟
يمكن أن يواجه العمال ذوو الياقات الزرقاء، الذين يشكّلون غالبية السكان المغتربين في البلاد، ظروف عمل شاقة ومعيشة صعبة. وتطلب الحكومة من معظم العمال الأجانب أن يكفلهم أصحاب العمل قبل أن يتمكنوا من بدء العمل.
يمكن للرجال المغتربين كفالة أسرهم، لكنهم بحاجة إلى دخل نحو 4000 درهم (1089 دولاراً) شهرياً. كذلك يمكن للمرأة الوافدة في بعض الحالات كفالة زوجها وأطفالها، ولكن بموجب قواعد أكثر صرامة من الرجل.
أما التعليم فهو مكلف، وغالباً لا يدرس الأجانب في المدارس الحكومية، فيما تتقاضى المدارس الخاصة أكثر من 100 ألف درهم سنوياً في بعض الحالات. وقد يغادر المقيمون البلاد بعد التقاعد ما لم يتمكنوا من إظهار دخل ثابت.
أدى تدفق الأثرياء من المستثمرين في العملات المشفرة والمصرفيين الآسيويين والروس إلى ارتفاع أسعار الإيجارات في دبي، وهي الإمارة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وقد تشعر وأنت في المدينة التي تضم أكثر من 3 ملايين نسمة بأنها ملعب للأثرياء.
يُعتبر الطقس في الصيف تحدياً آخَر، إذ ترتفع درجات الحرارة لتصل إلى 49 درجة مئوية.
كيف تحافظ الإمارات على الأجانب المَهَرة؟
خففت البلاد قواعد الإقامة، بما في ذلك منح "التأشيرات الذهبية" للأجانب ذوي المكانة العلمية أو الأغنياء، وهي تاشيرة تسمح بالعمل والعيش والدراسة في البلاد بلا حاجة إلى كفيل.
عام 2020 ألغت الحكومة قاعدة تقضي بأن يكون لتأسيس الشركات مساهمون إماراتيون. وفي العام التالي كشفت النقاب عن خطط لمنح الجنسية لأجانب مختارين، كما تقدم رسوماً تجارية منخفضة للحفاظ على الشركات الأجنبية.
أعلنت الحكومة أنها ستلغي تجريم "الأفعال التي لا تضرّ بالآخرين"، ما قد يؤدّي إلى إنهاء العقوبات على تعاطي الكحول أو المساكنة لغير المتزوجين. على الرغم من ندرة الملاحقات القضائية، فإن بعض الحالات المتعلقة بالسُّكْر والمعاشرة خارج نطاق الزواج التي لوحقت، تأخذ من جاذبية الدولة الخليجية للعمال الأجانب المهرة. وفي عام 2021، عدلت الدولة عطلة نهاية الأسبوع الإسلامية المعتادة يومي الجمعة والسبت إلى السبت والأحد لتتماشى مع معظم الدول عالمياً.
هل ما زالت الإمارات ملاذاً ضريبياً؟
نعم، و لا. تعكس ضريبة الشركات الجديدة، التي دخلت حيز التنفيذ في 1 يونيو، جهود الدولة لمواءمة نفسها مع المعايير الدولية الجديدة، لا سيما التحرك نحو الحد الأدنى من الضرائب العالمية على الشركات متعددة الجنسيات التي أقرتها مجموعة العشرين في عام 2021.
لا تزال الضريبة الجديدة البالغة 9% على أرباح الشركات أقل من نظيراتها في المنطقة ومعظم المراكز المالية العالمية. ستُفرَض الضريبة فقط على الأعمال التجارية أو الأنشطة التجارية التي تولّد مبيعات تزيد قيمتها على مليون درهم. ولن تنطبق على الأعمال التي تجري داخل "المناطق الحرة" في الإمارات العربية المتحدة، حيث تعمل الشركات بموجب مجموعة مختلفة من اللوائح عن بقية أرجاء الدولة.
سيظلّ دخل الأفراد من الوظيفة والعقارات والاستثمارات الأخرى غير خاضع للضريبة، ولا تغيير في ضريبة القيمة المضافة التي نسبتها 5% وأُقرّت عام 2018.
ماذا عن غسل الأموال؟
واجهت حكومة البلاد اتهامات بأنها أصبحت ملاذاً للأشخاص المنخرطين في معاملات مالية مشبوهة. وأدّى تدفق الأثرياء الروس الذين يتطلعون إلى حماية أصولهم في أعقاب غزو أوكرانيا إلى تعزيز التصور بأنها تغضّ الطرف عن الأموال "غير المشروعة".
في عام 2022 وضع فريق مجموعة العمل المالي، ومقره باريس، دولة الإمارات العربية المتحدة على ما يسمى "القائمة الرمادية" للبلدان الخاضعة لرقابة أكبر على أوجه القصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأدّى ذلك إلى تعقيد العمليات المحلية لبنوك وول ستريت والشركات متعددة الجنسيات التي تستخدم دبي مركزاً لها في الشرق الأوسط.
وقالت الحكومة إنها أحرزت تقدماً في مراقبة التدفقات المالية، لكنها تحتاج إلى مزيد من الوقت لإثبات ما يكفي لإزالتها من القائمة الرمادية.
النفوذ الإقليمي للإمارات
تتنافس الإمارات مع المملكة العربية السعودية على مكانة مركز الأعمال في المنطقة، وكجزء من جهود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتنويع إيرادات المملكة بعيداً عن عائدات النفط، حذرت الإدارة السعودية الشركات الدولية من أنها تخاطر بفقدان العقود الحكومية إذا لم يكن مقرها الإقليمي في الرياض.
دفع ذلك ما يقرب من 80 شركة إلى التقدم بطلب للحصول على تراخيص لنقل مكاتبها إلى الرياض عام 2022، وهي خطوة أجبرت بعض الموظفين وعائلاتهم على أن يحذوا حذوها.
ويمكن أن تدفع ضريبة الشركات الجديدة والتكلفة المتزايدة لممارسة الأعمال التجارية في الإمارات العربية المتحدة إلى تسرُّب مزيد من الشركات عبر الحدود.