بلومبرغ
يفرض الجدل حول تقاضي النساء أجوراً أقل من الرجال نفسه بقوة، عند المقارنة بين الرجل والمرأة في الشركة نفسها، أو بين الأرقام الإجمالية التي تشوِّهها حقيقة أن عدد النساء اللاتي يعملن في المدارس والمستشفيات أكثر من عددهن في المهن المربحة مثل، الأعمال المصرفية.
ويعتمد الكشف عن هذه الأرقام على كيفية تجميعها، إلا أنَّ ذلك من شأنه أن يثير الغضب في جميع الحالات تقريباً، كالفجوة، أو الفارق بين الجنسين في الأجور الذي تمَّ الكشف عنه في هوليوود، والرياضات الاحترافية، وفي قناة "بي بي سي"، وبين سائقي تطبيق "أوبر".
ويطالب القانون في المملكة المتحدة الشركات الكبيرة بالكشف عن الفجوة في الأجور، التي تؤدي إلى عدم تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، في إجراء يدَّعي مؤيدوه أنَّ تدفق البيانات، سيتسبب برفع أجور النساء، في حين يعتقد المشككون فيه أنَّها الطريقة الأسهل التي يُنظر بها إلى هذه المشكلة المستعصية.
الوضع الحالي
طُلب من الشركات التي تضم 250 عاملاً أو أكثر في بريطانيا الكشف عن تقييم موحد وصريح لما تكسبه النساء مقابل الرجال، وظهرت إحدى أكبر الفجوات في بنوك مثل "إتش إس بي سي هولدنغ"، و"غولدمان ساكس" اللذين يدفعان للنساء أجوراً أقل من نصف معدل ما يكسبه الرجل، بسبب ضعف تمثيل المرأة في المواقع الوظيفية العليا.
من جهته، يمنح القانون الألماني العاملين الحقَّ في مقارنة أجورهم مع ستة من زملائهم من الجنس الآخر ممن يشغلون الوظيفة ذاتها. وابتعدت الولايات المتحدة عن المطالبة بالمزيد من التقارير حول قضية الفارق بين رواتب الجنسين، لأنَّ إدارة الرئيس دونالد ترامب قلبت التغيير الذي طرأ في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وأفضى إلى إلزام الشركات بإبلاغ الحكومة بالرواتب، وإن كانت بعض الشركات قد قامت بذلك على أية حال، نتيجةَ الضغوط التي مارسها المساهمون النشطون.
وكشف عدد من البنوك الضخمة في الولايات المتحدة مثل "سيتي جروب" و"جي بي مورغان آند كو" العديد من الأرقام بعد تعديلها بحسب بعض العوامل، مثل المسمى الوظيفي والجغرافيا، وكشفت بدورها عن فجوة متطابقة فيما بينها بنسبة بلغت 1%.
وأدَّى ذلك إلى تشكيك بعض النقاد في صحة هذه البيانات، إذ تبلغ نسبة الفجوة في أجور العاملين في الوظيفة ذاتها، ممن يمتلكون المؤهلات العلمية نفسها، والخبرات حوالي 5%، في حين تبلغ في كل من فرنسا وألمانيا 3 % تقريباً.
فجوة الأجور بين الجنسين ليست وليدة اليوم
على مر التاريخ، زادت فجوة الأجور بين الجنسين مدفوعة بالاعتقاد السائد بوجوب التزام النساء بيوتهنَّ، أو التشكيك في قدرتهنَّ على شغل الوظائف مثل الرجال، مما جعلهنَّ يكسبنَ أجوراً أدنى حتى عندما دخل عدد كبير منهن سوق الأيدي العاملة. وحالياً تسيطر على هذا الجدل حقيقة أن النساء، لا يزلن يتحملن نصيباً غير متساوٍ من الأعباء المنزلية، ورعاية الأطفال، ما يجعلهنَّ يعملنَ بدوام جزئي، أو من المنزل أو يتوقفنَّ عن العمل بعد إنجابهنَّ الأطفال.
وعندما أقرَّت الولايات المتحدة الأمريكية قانون المساواة في الأجور عام 1963، حصلت الأمريكيات على ما نسبته 60% من معدل أجور الرجال، لتتقلَّص الفجوة إلى النصف على مدار الأعوام الثلاثين اللاحقة، أي إلى ما نسبته 80% من معدل أجور الرجال، وتبقى راكدة على حالها منذ التسعينيات من القرن العشرين.
وبالرغم من الإشادة بالبلدان الشمالية لقربها من تحقيق التكافؤ الاقتصادي، إلَّا أنَّ نساءها لا يزلن يكسبن أجوراً أقل من الرجال بما نسبته 15% على الأقل.
جدل بين المدافعين عن الشفافية وأنصار عدم الإفصاح عن فجوة الأجور
يرى المنتقدون أنَّ الكشف عن اللوائح الداخلية يثقل كاهل أصحاب العمل، وأنَّ الإفصاح عن بياناتٍ، مثل الأجور قد يؤدي إلى إبعاد المشكلة عن مسارها، وزرع البلبلة والإضرار بسمعة الشركات.
وعند مقارنة مقدار ما تكسبه جميع النساء مقابل جميع الرجال، نجد معظم الفجوة في الطريقة التي "تتجمَّع" بها النساء في المجالات ذات الأجور المنخفضة، مثل التعليم أو التمريض أو الإدارة.
وتشير الدراسات مع ذلك إلى تفاقم الفجوة مع تقدُّم المرأة في السن، وإنجاب الأطفال وشغلها وظائف ذات أجور أعلى. ومن هذا المنطلق، تُسلِّط الأرقام الضوء على الفجوة في الفرص الاقتصادية.
ويقول أنصار توفير المزيد من المساواة، إنَّ الشفافية الجديدة ستساهم في توفير مستويات أعمق من المعلومات التي تسهِّل بدورها معالجة التناقضات ومراقبة النتائج.
كما تعهدت العديد من الشركات بمراجعة ممارسات التوظيف، والتعويض الخاصة بها لتحقيق التكافؤ في القوى العاملة، فعلى سبيل المثال، تقوم شركة "سيلز فورس" (Salesforce Inc) في وادي السيليكون بإجراء تحليل سنويِّ لقوتها العاملة، وتعديل أجور أيِّ موظف، سواء كان رجلاً أو امرأة، يكشف عن تقاضيه رواتب منخفضة دون سبب واضح.
ويأتي هنا السؤال حول ما إذا كان سد الفجوة، يكون بدفع أجورٍ أعلى للنساء، أم عبر دفع أجورٍ أقل للرجال، إذ قررت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" عدم معالجة متوسط الفجوة في الأجور بين الجنسين البالغ 9.3% برفع أجور النساء اللواتي يحصلن على أجور منخفضة فحسب، بل بخفض أجور بعض الرجال أيضاً.