بلومبرغ
ينشغل صانعو الصفقات في أنحاء آسيا بالرد على مكالمات مؤسسي الشركات العائلية ممن يسعون للتخارج من أعمالهم تحت وطأة التداعيات التي خلّفتها جائحة كوفيد-19 على نشاط الأعمال حول العالم.
ووفقًا لاستشاريين ومصرفيين والشركات التي تدير صناديق الملكية الخاصة، أصبحت الشركات العائلية التي سيطرت لعقود على المشهد الاقتصادي في اَسيا، تبحث عن شركاء أكبر، كضرورة تساعد على تحديث فرق الإدارة وتحافظ على استمرار وتطوير الأعمال.
قال إد هوانغ، رئيس عمليات الاستحواذ في صناديق الملكية الخاصة بآسيا في بلاكستون غروب: "رأينا مؤسسين، ولا سيما رواد الأعمال الأكبر سنّاً، يقولون إن في العالم الآن مزيداً من التحديات، وإنهم يفكرون في نقل إدارة شركاتهم الخاصة لضمان استمرارها بشكل أفضل، وذلك عن طريق شريك استراتيجي محتمل أو التخارج الكامل".
وتبلغ القيمة السوقية للشركات العائلية أو المدعومة من عائلات، ومدرجة في أسواق الأسهم بقارة آسيا، أكثر من 5.56 تريليون دولار، وفقاً لمجموعة كريدي سويس غروب.
وتمثل تلك الشركات حصة كبيرة من الشركات المدرجة، إذ تصل إلى 70% في بورصة هونغ كونغ و60% في سنغافورة، وفقاً لتقرير صادر عن معهد الشركات العائلية. لذا تمثل تلك التوجهات والتغييرات في توجهات المؤسسين تغيرات كبيرة قد تشهدها أسواق المال.
وشملت الصفقات الأخيرة ضمن تلك التوجهات قيادة شركة "سي في سي كابيتال" لعملية خصخصة سلسلة "آي تي" المحدودة للأزياء في هونغ كونغ، بالإضافة إلى استحواذ "تي بي جي" (TPG) ومجموعة "نورثستار" (Northstar) على وحدة تابعة لشركة الأغذية "جابفا المحدودة" (Japfa Ltd) في سنغافورة.
صفقات في الطريق
وبعد تعليق عشرات من الصفقات خلال الوباء وتصاعد التوترات السياسية بين الولايات المتحدة والصين، يقف كثير من الصفقات في عنق الزجاجة التي تتزامن مع تعافي المنطقة.
وأشار هوانغ إلى أنه يتوقع إتمام مزيد من الصفقات في الوقت الذي تحتاج فيه الشركات العائلية إلى الدعم المالي من خلال شركاء استراتيجيين، أو التخارج.
وقال بانكاغ غويل، الرئيس المشارك للخدمات المصرفية الاستثمارية وأسواق رأس المال في بنك كريدي سويس بجنوب شرق آسيا والأسواق النامية، إن المنطقة قد تشهد زيادة مضاعفة في الصفقات هذا العام. وأشار إلى قطاعات رئيسية قد تكون مجالاً لتلك الصفقات مثل قطاع السلع الاستهلاكية والرعاية الصحية والتكنولوجيا.
وبالمقارنة مع نظيراتها في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن عديداً من الشركات العائلية الآسيوية صغيرة نسبياً، وتواجه تحديات في مراحل انتقالها بين الأجيال، بالإضافة إلى التحديات التشغيلية التي تسببت فيها الجائحة، مما سبّب الحاجة إلى تسريع تطوير التحول الرقمي وتطوير الأنظمة ومرونة سلاسل التوريد.
وأضاف غويل: "لأن رواد الأعمال الآسيويين أصبحوا يقدّرون قيمة الحجم والمرونة والرقمنة، لا سيما في أعقاب جائحة كورونا، لذا فهم يستكشفون صفقات استراتيجية قد تكون أكثر انفتاحاً للتنازل عن السيطرة على الإدارة مقارنة بما كان عليه الحال سابقاً".
ويعمل حالياً أفيرما كابيتال، وهو صندوق استحواذ تابع لبنك "ستاندرد تشارترد" يدير أصولاً بقيمة 3.5 مليار دولار، على 13 صفقة في آسيا.
ووفقاً للرئيس التنفيذي للصندوق نانيش جاسينغ، فإن نحو نصف الشركات العائلية في الصين وجنوب شرق آسيا والهند وكوريا الجنوبية تتطلع للتخلي عن السيطرة على الإدارة.
وقال جاسينغ في مقابلة: "يقيّم كثير من الشركات متوسطة الحجم المملوكة للعائلات حالياً أعمالها وقدراتها وإمكانية التطور".
وأضاف: "يمكن للمعاناة المستمرة أن تغيّر ديناميكيات عديد من الشركات بشكل دائم، ويُجرِي رواد الأعمال الآن تغييرات أساسية بشأن الملكية والاستراتيجية طويلة الأجل".
وكذلك تعمل "لونار كابيتال" (Lunar Capital)، وهي شركة استحواذ مقرها شنغهاي، على عدد من الصفقات، تتضمن صفقات في قطاع أعمال الضيافة التي شهدت انخفاضاً في إيراداتها بنسبة 30%، وشركة أطعمة ومشروبات صينية، وأعمال خدمات طبية تضررت من قلة السفر وانخفاض معدلات التأمين الاختياري للعلاج والخدمات الصحية، وفقاً لديريك سولغر، الشريك في الشركة التي قادت عمليات شراء الشركات الصينية بما في ذلك متاجر الأزياء "شنغهاي تانغ"، والعلامة التجارية لملابس الأطفال "ييهوو" (Yeehoo).
"أزاكا يا" اليابانية
ويعاني أصحاب الفنادق والمطاعم وحانات "أزاكا يا" في اليابان من توقف السفر وقيود الطوارئ المفروضة، لذا تلقّت "نيهون إم أند إيه سنتر" (Nihon M&A Center Inc)، وهي شركة استشارية، عديداً من الطلبات من الشركات المتعثرة من مشغلي الفنادق ومتاجر قطع الغيار إلى وضع استراتيجية للخروج من الأزمة.
قال تاكويا كاوهارا، مستشار الاندماجات والاستحواذات في مركز نيهون للاندماج والاستحواذ، إن أحد كبار السن من مالكي شركة إنشاءات اتصل به بشأن بيع الشركة خشية إصابته بالفيروس.
وأظهر مسح لبنك "كريدي سويس" من قاعدة بيانات تضمّ أكثر من ألف شركة حول العالم، أن الشركات العائلية أكثر تشاؤماً من الشركات التي لا تديرها عائلات، لكنها تتوقع عودة الأعمال إلى طبيعتها بشكل أسرع قبل ثلاث سنوات.
وحسب الدراسة، من المرجح أن تعيد الشركات العائلية هيكلة أعمالها بسبب تأثير الجائحة، فيما تقلّ احتمالية التحول لمرونة أكثر في نموذج العمل في المستقبل، وفقاً للمسح الذي صدر في سبتمبر.
وعلّق ديزموند تيو، رئيس قطاع الشركات العائلية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بمؤسسة "إرنست أند يونغ" قائلاً: "لا تعاني الشركات العائلية كافة من تلك التحديات، لا سيما التي يشارك فيها الجيل الحديث والتي تميل إلى أن تكون أكثر ارتباطاً باتجاهات السوق المتغيرة".
وأضاف تيو: "لقد رأينا عدداً من الشركات العائلية التي تمكنت من التكيف والعمل الجيد في هذه البيئة بسبب مشاركة الجيل الثاني". ومع ذلك فإن تفشي الجائحة كان "حافزاً" على التحول إلى نماذج أعمال جديدة.
قبل تلاشي تأثير "المورفين"
غيّر أحد رواد الأعمال كبير السنّ، الذي التقاه جايسينغ مؤخراً، تفكيره من بيع حصص أقلية بهدف زيادة رأس المال، إلى التفكير في التخارج الكامل، وقال إنه من بين نحو ثمانية مؤسسين يتحدث معهم، نصفهم الآن أكثر انفتاحاً على هذا الاتجاه.
ومن المرجح أن يزداد الوضع سوءاً بالنسبة إلى عديد من الشركات، مع سحب الحكومات والبنوك الدعم الطارئ الذي أبقى عديداً من الأعمال على قيد الحياة خلال الوباء، وهو ما سيزيد زخم الصفقات.
واختتم جايسينغ حديثه قائلاً: "(المورفين) سوف يتلاشى في مرحلةٍ ما، والبنوك صابرة الآن، ولكن لن يدوم ذلك إلى الأبد".