بلومبرغ
أثار ارتفاع الإنفاق في الصين مزيداً من التفاؤل بشأن الانتعاش الاقتصادي في البلاد، في حين يشير الضعف في القطاع الصناعي ومبيعات السيارات والمنازل إلى أنَّ التعافي لا يقف على أرضٍ صلبةٍ بعد.
أظهرت بيانات حديثة أنَّ المطاعم والسياحة والأنشطة التجارية الأخرى، التي تتضمن تفاعلاً مباشراً مع الأشخاص، حققت قفزات كبيرة في الإيرادات أثناء عطلة العام القمري الجديد الأسبوع الماضي. يضاف ذلك إلى أرقام قوية من مسح رسمي نُشر الأسبوع الجاري حول نشاط الخدمات، الذي تعافى مع استعداد الصينيين للسفر والإنفاق عقب انتهاء قيود "صفر كوفيد" الصارمة.
تحديث توقعات النمو الصيني
جاءت إعادة فتح البلاد، الأسرع من المتوقَّع، بالتزامن مع تحديث توقُّعات النمو الاقتصادي من قبل صندوق النقد الدولي وعدد كبير من البنوك الاستثمارية، بما فيها "نومورا هولدينغز" و"غوتاي جونان إنترناشونال هولدينغز" (Guotai Junan International Holdings) و"هواتاي سيكيوريتيز" (Huatai Securities).
قال اقتصاديو "سيتي"، الذين رفعوا توقُّعاتهم للنمو في 2023 إلى 5.7% يوم الأربعاء الماضي، إنَّ ترقية التوقُّعات "تنبع بالكامل تقريباً من الاستهلاك، خاصة الخدمات الاستهلاكية".
دعا كبار القادة للتركيز على تعزيز الاستهلاك، بمن فيهم الرئيس، شي جين بينغ، الذي نادى الأسبوع الجاري بجهود أكبر لضمان استقرار الدخل بين السكان، ولتهيئة أحوال من شأنها تعزيز رغبتهم في الإنفاق، وفق نص اجتماع ترأسه يوم الثلاثاء.
مؤشرات غير إيجابية
لا تعتبر كافة البيانات إيجابية، فقد أشار مسؤول في بداية الأسبوع الماضي إلى فتور مبيعات السلع المعمرة مثل السيارات، إذ أبلغ كبار مصنّعي السيارات، الذين تُشرف عليهم وزارة التجارة، عن نمو في المبيعات نسبته 3.6% فقط خلال فترة العطلة مقارنة بالعام السابق، وهي أرقام دون زيادة تناهز 7% في إيرادات كبرى شركات البيع التجزئة والمطاعم.
في الوقت نفسه، تستمر مبيعات المنازل في إعاقة التعافي، حيث انخفضت في يناير بنسبة 32.5% على أساس سنوي لدى أكبر 100 مطوّر عقاري، في تراجع أكثر حدة من المسجل في ديسمبر، وبرغم توسيع صُنّاع السياسة الدعم لهذا القطاع، أدى التراجع المستمر في أسعار المنازل إلى عزوف المشترين.
توقعات ضبابية للعقارات
ما تزال النظرة المستقبلية لقطاع العقارات غير مستقرة. وتتوقَّع شركة "كاتربيلر"، إحدى كبرى الشركات المصنّعة للمعدات الثقيلة بالعالم، استمرار ركود الطلب من الصين العام الحالي. وقال الرئيس التنفيذي للشركة، جيم أمبليبي، الثلاثاء الماضي، إنَّ "كاتربيلر" "لا ترى علامات على التحسن في هذه المرحلة".
تراجعت المبيعات المحلية للحفارات بالصين، وهي مؤشر رئيسي للطلب على البناء، بنسبة 45% في 2022 عن العام السابق، مع انخفاض أكثر حدة في ديسمبر.
كتب "لو تينغ"، كبير الاقتصاديين الصينيين بـ"نومورا"، في تقرير الثلاثاء: "الطلب المكبوت ربما يقتصر على قطاع الخدمات ذي التعامل المباشر مع الأشخاص". رفعت "نومورا" توقُّعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي في 2023 من 4.8% إلى 5.3% في ظل التحول "الأسرع من المتوقَّع" نحو مناعة القطيع، برغم أنَّ "لو" أشار إلى استمرار بعض مواطن الضعف.
قال "لو" إنَّ "استهلاك السلع المعمرة قد لا يفيد كثيراً"، مضيفاً أنَّ مبيعات السيارات قد تصبح "عبئاً كبيراً (على التعافي)" مع انتهاء سريان التخفيض الضريبي المحفز للشراء.
"إذا كانت مؤشرات مديري المشتريات الرسمية القوية الصادرة، الثلاثاء، تدل على بدء الانتعاش السريع لاقتصاد الصين؛ فإنَّ تقرير "كايكسين"، الصادر الأربعاء، يشير إلى استمرار معاناة قطاع عريض من الاقتصاد. من المؤكد أن ارتفاع مؤشر "كايكسين" الصناعي في يناير يدعم وجهة نظرنا بتحسن الأوضاع، لكن قراءته ما تزال دون الـ50، أي في حيز الانكماش، مما يوضح أن المصدرين والشركات الصغيرة متأخرون في التعافي". - تشانغ شو، خبير اقتصادي
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس":
تعافي الصناعة يحتاج وقتاً
من المرجح أيضاً أن يستغرق القطاع الصناعي وقتاً أطول للتعافي من تأثير اضطرابات كوفيد. عادة يتباطأ إنتاج المصانع في فترة العطلة نتيجة عودة العمال إلى مسقط رأسهم للاحتفال مع أسرهم. كذلك، يُحتمل أن تكون موجة كوفيد التي ضربت البلاد نتيجة إلغاء القيود قد تسبّبت في مرض العمال.
أظهر أحد المؤشرات الرسمية للنشاط التصنيعي توسّعاً طفيفاً في يناير. وأظهر مسح خاص يوم الأربعاء أنَّ الشركات الصغيرة ما تزال تكافح مع استمرار انكماش هذا المؤشر للشهر السادس على التوالي.
قال وانغ تشي، كبير الاقتصاديين لدى "كايكسين إنسايت غروب" (Caixin Insight Group)، في بيان مصاحب للتقرير: "الوباء استمر في التأثير على الاقتصاد في يناير، لكنَّ التفاؤل في القطاع (الصناعي) واصل التحسّن في ظل توقُّع الشركات تعافياً اقتصادياً في مرحلة ما بعد كوفيد".