يواجه راج سوبرامانيام، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "فيديكس"، بداية متخبطة. ففي وقت متأخر من الخميس الماضي، حذر سوبرامانيام من تفشي الركود الاقتصادي حول العالم، في ظل تدمير التضخم للقوة الشرائية للمستهلكين، فيما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة بوتيرة سريعة لتقويض الطلب المحموم، وأن سياسة الصين للقضاء على كل حالة من حالات كوفيد- 19 أصبحت تؤثر بشكل مباشر أكثر على عمل الشركة. واتخذت "فيديكس" قراراً غير معتاد بالإعلان مسبقاً عن أرباح أقل بكثير من توقعات إجماع المحللين، مع التراجع عن توجيهاتها السابقة للسنة المالية، التي كشفت عنها منذ فترة وجيزة فقط خلال يونيو الماضي.
تسبب رد فعل المستثمرين الفوري على تلك التصريحات في خسارة الشركة ما يزيد عن 20% من رسملتها السوقية. قبل دخول السوق في حالة ذعر مطول بناءً على توقعات "فيديكس"، لكن رغم ذلك، فمن الحكمة مراجعة حالة شركة "يونايتد بارسل سيرفس" (UPS)، ووحدة "دي إتش أل" التابعة لشركة "دويتشه بوست" (Deutsche Post) لمعرفة ما إذا كانوا يواجهون نفس الانتكاسة المفاجئة.
سينكشف مزيد من التفاصيل الأسبوع المقبل عندما تعلن "فيديكس" عن أرباحها للربع المالي الأول، الخميس، لكن يجب على المستثمرين أن يضعوا في اعتبارهم أن الشركة عانت من مشكلات تشغيلية خطيرة منذ انتشار الوباء، ولديها تاريخ طويل من تقديم توجيهات خاطئة. وقياساً بالحالات الأخرى، فهذه على الأرجح مشكلة خاصة بـ"فيديكس" نفسها أكثر من كونها أزمة اقتصادية عالمية.
وعود كاذبة
لطالما تلقى المستثمرون القدامى وعوداً وشاهدوا الإدارة وهي تنكثها في كثير من الأحيان، ومن ثم تكشف عن كل الأزمات دفعة واحدة في إعلان مفاجئ عن القيمة الاسمية للشركة. في عامها المالي 2019، وهو آخر عام كامل قبل تفشي الوباء، أعلنت الشركة توجيهها المالي ثم رفعته وخفضته مرتين. في العام السابق، قدمت "فيديكس" هدفاً معدلاً للأرباح، وخفضته ثم رفعته أيضاً مرتين. في الواقع، في 9 من أصل 10 سنوات حددت فيها "فيديكس" هدفاً لربح السهم السنوي للعام بأكمله، قامت الشركة بتخفيض هذا الهدف مرة واحدة على الأقل.
الآن، وبعد أقل من 3 أشهر على وقوف سوبرامانيام أمام المستثمرين والمحللين في القاعة الموجودة بمقر الشركة الواقع بمدينة ممفيس، ووضعه أهدافاً طموحة طويلة الأجل، تقول "فيديكس" الآن إنها فوجئت بالضعف المباغت في أوروبا وآسيا.
دعونا نسترجع الأحداث سوياً، فحرب روسيا على أوكرانيا بدأت في فبراير الماضي. وعُطل العمل بسياسة (صفر-كوفيد) الصينية بالفعل بحلول مارس، وهذا هو الشهر نفسه الذي بدأ فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في رفع أسعار الفائدة.
حتى قبل اجتماع يوم المستثمرين الماضي، الذي كان الأول منذ عقد كامل، رضخ سوبرامانيام لمطالب "دي. إي. شو" (D.E. Shaw)، وهو صندوق مستثمر ناشط في الشركة، بعد أسبوعين فقط من توليه منصب الرئيس التنفيذي في الأول من يونيو الماضي، خلفاً لمؤسس "فيديكس" الأسطوري فريد سميث. لكن بدلاً من ابتكار خطة جريئة لإدخال تغييرات هيكلية أو جعل "فيديكس" أكثر كفاءة، أعلنت الشركة أنها ستضيف أعضاء مجلس الإدارة الذين اختارهم "دي. إي شو"، مع مضاعفة توزيعات الأرباح، وتقليل النفقات الرأسمالية. ابتهج "وول ستريت" بهذه التغيرات، وصعدت الأسهم 14% في يوم واحد.
مشكلات متفاقمة
لو خصص صندوق "دي. إي شو" بعضاً من وقته لإلقاء نظرة سريعة على المشكلات الكامنة وراء عمليات "فيديكس"، بدلاً من التفكير في طرق تمنح المساهمين أكبر قدر من عوائد الشركة؛ لكان المستثمر الناشط اكتشف بعض المشكلات المتفاقمة في "فيديكس".
تبرز المشكلات الأكثر وضوحاً في وحدة "غراوند" (Ground) التابعة لـ"فيديكس"، التي توظف قرابة 6000 متعهد مستقل لتوصيل الطرود من مرافق الفرز إلى العميل النهائي. عانت هذه الوحدة من هوامش أرباح متواصلة الانخفاض منذ 2012، كما انتشرت فيها مظاهر عدم الكفاءة، مثل تسليم الطرود المتلكئ للمتعهدين، وارتفاع معدل تغيير سائقي المتعهدين.
تفاقمت مشكلات نموذج عمل المتعهد هذا بسبب الوباء، الذي تسبب في أزمات نقص العمال، وارتفاع تكاليف الوقود والصيانة والأيدي العاملة. تدهورت أحوال المتعهدين لدرجة أنهم بدأوا في حشد صفوفهم لإجبار "فيديكس" على منحهم بنوداً تعاقدية أفضل. وما يزال من غير الواضح الآن كيف تخطط "فيديكس" لحل هذا النزاع، وما إذا كان تمرد المتعهدين سيضر بالخدمة خلال موسم الذروة لهذا العام الذي يبدأ في نوفمبر المقبل.
هوامش ضئيلة
لم تكن "إكسبريس" التابعة لـ"فيديكس" -وهي الوحدة التي أسسها سميث في السبعينيات، وغيرت قطاع توصيل الطرود من خلال تقديم عمليات التسليم في ليلة واحدة- تحقق أرباحاً كبيرة على الإطلاق. فقد كانت الهوامش التشغيلية للوحدة أقل من 7% خلال السنوات الخمس الماضية، وبلغ متوسطها 5.7% منذ 2008.
تحتاج عمليات توصيل "إكسبريس" إلى رأس مال هائل، وتكلف كثيراً من الأموال لشراء الطائرات الكبيرة والطيران بها وصيانتها. كما اعتمدت الوحدة على النمو المستمر للتجارة العالمية، الذي من المحتمل أن يكون بلغ ذروته بالفعل بل وينخفض حالياً، مع سعي الشركات نحو تقصير سلاسل توريدها.
تواجه "فيديكس" مشكلة هيكلية شاملة تتمثل في تشغيل شبكتي توصيل منفصلتين في آن واحد، حيث يمكن لسائق من "إكسبريس" يتقاضى راتبه من "فيديكس"، أن يسلم طرداً إلى نفس المكان الذي توقف فيه للتو سائق آخر يعمل لدى متعهد من "غراوند". طالب بعض المستثمرين الشركة بدمج شبكتيها على خطى "UPS"، التي تشيد بشبكتها الموحدة باعتبارها مصدر قوتها الأساسية. أصبحت هذه المشكلة أكثر وضوحاً مع ارتفاع هوامش الأرباح في "UPS" وانخفاضها بـ"فيديكس"، لكن رغم ذلك ما تزال الشركة تدافع عن النظام المزدوج في شبكتها.
كان المستثمرون يأملون تولي سوبرامانيام زمام الأمور وإحداثه تغييرات حقيقية بالشركة. لكن من الصعب عدم مقارنته مع كارول توم، التي تولت منصب الرئيسة التنفيذية لـ"UPS" في يونيو 2020 خلال ذروة الوباء وبدأت العمل بكل قوتها.
تفوق "UPS"
ركزت توم على الكفاءة وأعلنت أن "UPS" ستكون "أفضل، وليس أكبر"، مما يعني أخذ الطرود ذات القيمة الأعلى، مع عدم إرهاق شبكة الشركة بالطرود ذات العائد المنخفض، أو الطرود الكبيرة المعقدة.
أطلقت توم عمليات استحواذ استراتيجية، مثل شراء شركتي "رودي" (Roadie)، وهي أكبر مؤسسة لتوصيل الطرود في نفس اليوم، و"بومي" (Bomi)، وهي أكبر مجموعة أوروبية لتوصيل منتجات الرعاية الصحية. فيما تحاول "فيديكس" الآن تعزيز أداء شركة "تي إن تي إكسبريس" (TNT Express) الأوروبية، التي اشترتها في صفقة استحواذ كارثية خلال 2016.
أثناء إفطار عمل مع المحللين في 6 سبتمبر الجاري، كررت "UPS" توجيهاتها لعام 2022. وقال العرض التقديمي الخاص بالاجتماع: "نتحكم فيما يمكننا السيطرة عليه، ونثق في قدرتنا على تحقيق توجيهاتنا للعام بأكمله، رغم بيئة الاقتصاد الكلي المتغيرة باستمرار". ركزت ملاحظات المحللين التي أعقبت ذلك العرض على شعار توم الجديد، وهو: "الانتقال من مرحلة التركيز على الأفضل وليس الأكبر، إلى التركيز على الأفضل والأجرأ".
يتوجب على سوبرامانيام أن يتعلم من استراتيجية توم، ويكون مستعداً لتغيير منظوره حول كيفية إدارة الشركة دون التقيد بالطريقة التقليدية، مع دمج الشبكتين التابعين لـ"فيديكس" في واحدة فقط، وألا يعتمد في ذلك على المتعهدين وإنما على موظفي "فيديكس" ممن يتقاضون رواتب جيدة، ولديهم دافع للاستمرار مع الشركة لعقود، كما هو الحال في "UPS".