ضحت مجموعة "ريو تينتو" (Rio Tinto Group) بفريقها التنفيذي الأعلى العام الماضي بعدما أخذت حقوق ملَّاك الأراضي من السكان الأصليين كأمر مسلَّم به. ومن المحتمل أن ترتكب الشركة الخطأ نفسه مرة أخرى.
وتوشك شركة التعدين الانجليزية-الأسترالية على تطوير أحد أكبر مناجم النحاس الجديدة في العالم، وذلك بفضل موافقة دائرة الغابات الأمريكية على مشروع "ريزوليوشن كوبر" (Resolution Copper) في أريزونا الأسبوع الماضي. ومع ذلك، يجب أن تكون الشركة حريصة فيما تتمناه، إذ يقع الموقع في قلب صراع عميق ودائم مع جماعات الأمريكيين الأصليين، مما أثار قضية تدمير موقع "جووكان غورج" (Juukan Gorge)، الذي يمتد عمره إلى 46000سنة، والتابع للسكان الأصليين في أستراليا العام الماضي. ودفع هذا الجدل إلى إقالة الرئيس التنفيذي السابق جان سيباستيان جاك واثنين من كبار مساعديه.
وعلى الورق، يعدُّ "ريزوليوشن" جائزة حقيقية، إذ سيقوم المشروع قيد التطوير منذ عام 2004 بطاقة 27.3 مليون طن متري، وبتكلفة 2 مليار دولار، بتلبية الطلب الأمريكي على النحاس مدَّة 15 عاماً. ويشهد المعدن حالياً أعلى أسعاره منذ ثماني سنوات.
الجدل يتأجج حول أراضي الأباتشي
المشكلة تكمن في الطريقة التي يتمُّ التقدُّم فيها بالمشروع. فلقد تمَّ تمرير عملية تبادل للأراضي مع دائرة الغابات الأمريكية -التي سمحت بالاستمرار في التعدين- في وثيقة مرفقة بقانون مخصصات الدفاع لعام 2014، وتمَّ تعليقه منذ ذلك الحين في انتظار صدور تقرير الأسبوع الماضي. ومما يزيد من تأجيج الجدل، هو الموافقة النهائية التي صدرت في الأيام الأخيرة لإدارة ترمب التي تراجعت عن أجزاء من الحماية على الأراضي العامة. وكتب ويندلر نوزي الأب، رئيس قبيلة "كارلوس أباتشي سان" في بيان عشية الموافقة: "إنَّ منح أرضنا المقدسة لكي تدمرها شركة تعدين أجنبية؛ يدمِّر قدرتنا على ممارسة ديننا".
تمَّ طرد الأباتشي المحليين من أراضيهم بعد حرب دموية في أواخر القرن التاسع عشر، كان هدفها إلى حدٍّ كبير توسيع أعمال التعدين في المنطقة. ومع ذلك، فكما كتبنا فيما يتعلق بـ"جووكان غورج" فإنَّ جذور العديد من النزاعات اقتصادية بقدر ما هي ثقافية وتاريخية، وأيَّة أموال تذهب إلى ملَّاك الأراضي والحكومات تضيع على المساهمين. ويمنح النظام القانوني غير المتكافئ الذي نتج عن نزع ملكية مجموعات السكان الأصليين حول العالم، ميزة تنافسية لشركات المناجم التي تسعى إلى تطوير الموارد على أراضيهم.
وغالباً ما يوجد شركاء في الأماكن التي التزمت فيها شركات الموارد بالعمل فيها مع مجموعات السكان الأصليين. ففي مناجم "رينجير يورانيوم" (Ranger uranium) و"آرغيل" (Argyle) للماس، وهما مغلقان مؤخراً في أستراليا، عملت "ريو تينتو" (Rio Tinto) بموافقة مجتمعات السكان الأصليين مدَّة أربعة عقود. وفي نيو مكسيكو، طوَّرت "جيكاريلا أباتشي" (Jicarilla Apache) النفط والغاز على أراضيها لجيل كامل.
وكل ذلك يتطلَّب اعترافاً بالسيادة والتعويض الاقتصادي، وهو ما لم يعرضه مشروع "ريزوليوشن". فالخسارة التي ستسببها مخلَّفات المنجم وعملياته في المواقع المقدسة المحلية "لا يمكن تخفيفها"، وفقاً للقبائل المتضررة، وبحسب ما كتبت دائرة الغابات في موافقتها. وتبدو البرامج التعليمية، والثقافية، والبيئية للمجموعات المحلية بمثابة الحدِّ الأدنى الذي يمكن للمطوِّرين الإفلات منه.
المواجهة شبه الحتمية
أظهرت "ريو تينتو" تفهماً أفضل في السابق، فقد كان روبرت ويلسون، المدير التنفيذي الذي أنشأ الشركة الحديثة من خلال اندماج عام 1996، مدافعاً قوياً عن تحسين العلاقات بين شركات المناجم والمجتمعات المحلية. وكتب ويلسون في عام 2013: "من المؤكَّد أنَّ أيَّ شركة ستواجه مشاكل إذا لم تسهم في المنفعة الطويلة الأمد للمجتمع المضيف،" وذلك لأسباب تتعلَّق بالمصلحة الذاتية القوية مثل العلاقات العامة الجيدة. وإذا اكتسبت شركة سمعة طيبة في الاستفادة من المجموعات المحلية، فستجد صعوبة أكبر في الحصول على الموافقة الخاصة بالتطورات المستقبلية".
تشير هذه الكلمات إلى المسار البديل الذي لم يتم اتباعه في ولاية أريزونا، فبالرغم من كلِّ الجدل الذي حلَّ بموافقة إدارة ترمب في اللحظة الأخيرة على الموقع، كان تطوير مشروع "ريزوليوشين" عملية مشتركة بين الحزبين. فتوم فيلساك، وزير الزراعة في عهد الرئيس باراك أوباما الذي أشرف على دائرة الغابات عند إقرار قانون تبادل الأراضي، تمَّ ترشيحه الآن للدور نفسه في إدارة جو بايدن. وإذا تمَّت الموافقة عليها كوزيرة داخلية لبايدن، ستكون ديب هالاند، أوَّل وزيرة في مجلس الوزراء لأمريكا الأصلية، مسؤولة عن بعض الأراضي التي ستحصل عليها الحكومة الأمريكية مقابل موقع "ريزيليوشين".
ومع اقتراب أسعار السلع الأساسية على ما يبدو من طفرة على غرار العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح لدى شركات الموارد الآن فرصة لتكرار سجل ويلسون وتحسينه. فأولئك الذين سيكون لديهم أفضل الفرص لتطوير موارد معدنية جديدة، هم الذين يتعاملون مع قضايا حقوق الأرض بطريقة تحترم سيادة جماعات السكان الأصليين، وتقدِّم لهم تعويضاً عادلاً يزيد على الحدِّ الأدنى القانوني. أولئك الذين يفشلون في القيام بذلك؛ قد يجدون أنفسهم محاصرين في مستنقع المعارضة السياسية، وملَّاك الأراضي، والناشطين، ورفض المساهمين، وهي الأمور نفسها التي كافحت شركات التعدين للهروب منها في نهاية التسعينيات. ومن بين كل الشركات، يجب أن تكون شركة "ريوتينتو" قادرة على القيام بعمل أفضل هذه المرَّة.