بلومبرغ
يواجه رئيس زامبيا الذي لم يكمل عامه الأول في السلطة، الداعم لقطاع الأعمال معضلة، تتمثل في المخاطرة بردة فعل سياسية في حالة إعادة تشغيل مناجم التعدين، التي تمت مصادرتها من شركة هندية، والتي وصفها وزير المناجم قبل ذلك بأنها أسوأ استثمار جاء للبلاد على الإطلاق، أو إطالة أمد النزاع القانوني على أحد أهم أصول الدولة، المستمر منذ 3 سنوات.
لم يحدد هاكيندي هيشيليما، الذي تولى السلطة في أغسطس الماضي، قراره بشأن عودة "كونكولا كوبر ماينز" (Konkola CopperMines Plc)، التي تمثّل الركيزة الأساسية لتحقيق طموحه بشأن زيادة إنتاج البلاد من النحاس بأكثر من الضعف خلال 5 سنوات، وإعادة تعافي الاقتصاد المثقل بالديون.
استولت إدارة الرئيس السابق، إدغار لونغو على العمليات من شركة "فيدانتا ريسورسز" (Vedanta Resources Ltd) التي تمتلك حصة الغالبية في شركة "كونكولا كوبر ماينز"، عقب نزاع حول الضرائب وخطط التوسع.
عارضت "فيدانتا ريسورسز"، المملوكة للملياردير الهندي، أنيل أغاروال، القرار منذ صدوره، ما تسبب في شل أحد أكبر منتجي النحاس المتكامل في أفريقيا، التي يعمل بها نحو 13000 عامل.
أكد هيشيليما للصحفيين، خلال مؤتمر للتعدين في كيب تاون هذا الشهر، التوصل لاتفاق ينهي التقاضي، ما أثار تكهنات بعودة الشركة للعمل، الأمر الذي تبعه ردة فعل شعبية عنيفة، وسرعان ما نفت الحكومة اتخاذ أي قرار في ذلك الشأن.
اتضح بعد ذلك أن "فيدانتا ريسورسز" قامت برفع دعوى قضائية جديدة، في "محكمة لوساكا العليا" للطعن على تعيين الدولة مُصفٍّ مؤقتٍ جديد في 11 مايو، نفس اليوم الذي أعلنت فيه الشركة موافقتها على إنهاء كافة الإجراءات القانونية.
قال وزير المناجم، بول كابوسوي في مقابلة، إن مصادرة زامبيا أصول شركة "فيدانتا ريسورسز" في البلاد جاء في ظل سمعتها السيئة بشأن عدم دفع استحقاقات الموردين والمقاولين، إضافة إلى ظروف العمل "السيئة للغاية" في "كونكولا كوبر ماينز".
وأضاف كابوسوي: "يتعين عليهم مراجعة تلك القضايا في حالة عودتهم للعمل في أي وقت".
أسباب الخلاف
لدى الشركة إصرار على العودة للعمل. حيث أكدت في خطاب أرسلته في 5 مايو إلى كابوسوي، تعهدها بدفع نحو 220 مليون دولار كانت مستحقة عليها وقت تعيين المُصفِّي المؤقت لصالح موردي "كونكولا كوبر ماينز"، كما ستمنح العمال زيادة في الأجور بنسبة 20%، ومكافآت نقدية، كذلك تعهدت الشركة بإنفاق مليار دولار لاستكمال توسعة المشروع، الذي بدأ العمل فيه عام 2008.
قال الرئيس التنفيذي للشركة، سونيل دوغال، في رد على الأسئلة عبر البريد الإلكتروني: "فيدانتا مستعدة لخدمة المجتمع والعمال بطريقة مسؤولة من خلال برنامج منظم وبشكل مستقل يعيد للمواطنين الثقة في المناطق التي تعمل فيها".
واجهت الشركة قضايا خلافية أخرى.
في العام الماضي، توصلت الشركة إلى تسوية مع 600 طفل من زامبيا، كانوا قد رفعوا دعوى قضائية ضدها في محكمة بريطانية اتهموا فيها الشركة بتلويث أحد الأنهار.
وفي عام 2018، أغلقت حكومة ولاية تاميل نادو، جنوب الهند مصنعاً لصهر النحاس، تملكه الشركة، عقب مقتل أكثر من 10 أشخاص، بسبب فتح الشرطة النار على سكان قرية احتجوا على التلوث الذي يسببه المصنع، بينما نفت الشركة ارتكاب أية مخالفات، ولا تزال تجادل ضد القرار في المحكمة.
تدهورت علاقة الشركة مع حكومة زامبيا بعد نشر فيديو مسجل عام 2014، يظهر فيه أغاروال يشيد بتحقيق شركة "كونكولا كوبر ماينز" نحو مليار دولار من الأرباح السنوية لصالح شركة "فيدانتا ريسورسز"، بينما أعلنت وقتها شركة "كونكولا كوبر ماينز" عن تسجيل خسائر.
أثارت التصريحات احتجاجات في وسائل الإعلام، كما حظي قرار تصفية أعمال "كونكولا كوبر ماينز"، المتعارض مع اتفاقية عام 2004 التي تنص على ضرورة حل أي نزاع عن طريق التحكيم، بتأييد شعبي واسع.
قال دوغال، إن فيديو أغاروال، الذي تم نشره عام 2014، كان يخاطب فيه رجال الأعمال في بنغالور، بالهند، وقد نشره أحد النشطاء مجتزأ "جزء صغير من فيديو لخطاب ألقاه رئيس مجلس الإدارة، وتم استخدامه بشكل سلبي خارج السياق".
قال أغاروال وقتها، إن الشركة لم تحصل سوى على أرباح قليلة للغاية من "كونكولا كوبر ماينز".
الموقف الشعبي
قال بيزيك فيري، أستاذ التاريخ في "جامعة زامبيا" في لوساكا، عبر الهاتف: "الوضع لا يزال يتضمن شعوراً سلبياً للغاية من الناس تجاه فيدانتا، فالناس يقولون: كيف يمكننا الوثوق بهذه الشركة؟ وإذا عادوا، ماذا يجعلهم يفعلون أشياء بشكل مختلف؟".
يقول كابوسوي، إن قرار إيقاف "كونكولا كوبر ماينز" عن العمل كان خطأ، وعلى الحكومة بدلاً من ذلك، سحب تراخيص التعدين من شركة "فيدانتا ريسورسز"، إذا تبين مخالفتها أية قواعد.
قدّم المُصفِّي السابق استقالته في مارس الماضي، بعد اتهام الادعاء له بالسرقة وغسل الأموال.
يتواجد موطن أكبر مناجم "كونكولا كوبر ماينز"، في الدائرة الانتخابية لكابوسوي، التي تُعد إحدى المناطق الرئيسية في حزام مناجم النحاس في زامبيا، والتي ساعدت هيشيليما على هزيمة لونغو بفارق كبير، بينما كانت في السابق معقلاً سياسياً لحزب لونغو، والدائرة الانتخابية لوزير المناجم في إدارة لونغو أيضاً.
تسببت المشاحنات القانونية ومحاولات التحكيم الفاشلة المتعددة في حرمان "كونكولا كوبر ماينز" من التمويل، وقدمت رادعاً للمستثمرين المحتملين الآخرين، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المعدن، الذي يُعد عنصراً رئيسياً في صناعة معدات الطاقة المتجددة مثل توربينات الرياح والسيارات الكهربائية لشركة "تسلا".
في عام 2019، بلغ إنتاج "كونكولا كوبر ماينز" أكثر من 177 ألف طن من النحاس المُصنّع، حيث يسهم النحاس بأكثر من 75% من عائدات صادرات زامبيا.
مراقبة التطورات
تعكس النتيجة النهائية للنزاع مدى التزام الحكومة بالحفاظ على الاستقرار السياسي وحماية حقوق الملكية، بينما تراقب الشركات وشركاء زامبيا التجاريين التطورات عن كثب.
يزداد الأمر تعقيداً مع موافقة "كونكولا كوبر ماينز" على اقتراض 100 مليون دولار من "ترافيغارو بيهير بي في" (Trafigura Beheer BV) في يوليو من العام الماضي من أجل مواصلة العمل، على أن يتم سداد الدين من إنتاج النحاس في المستقبل.
وضعت شركة الاستثمار الحكومية "زد سي سي إم إنفستمنتس" (ZCCM Investments Holdings Plc)، التي تمتلك 20.6% من شركة "كونكولا كوبر ماينز"، 750 ألفاً من بين 3 ملايين سهم تمتلكها في شركة "كانسانشي ماينينغ" (Kansanshi Mining Plc) ضماناً للقرض، وفقاً للاتفاقية التي اطلعت عليها بلومبرغ.
تُعد "كانسانشي ماينينغ" إحدى أكبر شركات تعدين النحاس في زامبيا، وتملك "فيرست كوانتوم مينيرال" (First Quantum Minerals Ltd) الحصة الأكبر من أسهم الشركة.
قال دوغال: "سيتم إجراء تدقيق للأصول، بما في ذلك التقييمات القانونية للاتفاقيات التي أبرمها المُصفِّي المؤقت خلال فترة عمله مع كونكولا كوبر ماينز".
قال أنتوني بواليا، المتحدث باسم هيشيليما، إن الحكومة عازمة على حماية حقوق المستثمرين، وضمان إدارة المناجم بمسؤولية وشفافية دون تدخل سياسي، كما لا تريد "التورط" أثناء مفاوضاتها بشأن الملكية.
قال بواليا عبر الهاتف: "إذا كنت عاملاً في أحد المناجم المنتشرة في حزام النحاس، فكل ما تريده وظيفة مضمونة"، وأضاف: "الشيء الوحيد الذي يثير قلقنا أنه مهما كان القرار الذي نتخذه، يجب أن يوفر وظائف لعمال المناجم". ويسهم في تحسين دخلهم، ويفيد المجتمعات المحلية، ويضيف إلى الإيرادات الضريبية.
قال أوغسطين موبانغا، الذي تزود شركته "كونكولا كوبر ماينز" بالكابلات ومعدات التعدين الأخرى، إن شركة "فيدانتا ريسورسز" قد تكون في وضع أفضل لإعادة "كونكولا كوبر ماينز" للعمل، لأنها على دراية بالأصول والاستثمارات اللازمة.
أضاف موبانغا، إنه إذا كانت الحكومة ستسمح لشركة "فيدانتا ريسورسز" بالعودة للعمل، عليها أن تطالبها أولاً بتحويل ما يصل إلى 1.8 مليار دولار إلى حسابات مصرفية في زامبيا، لدفع تكاليف توسع "كونكولا كوبر ماينز"، وتسوية متأخراتها مع الموردين.
وقال موبانغا عبر الهاتف: "الكلام سهل، ونحن بحاجة لمستثمر على استعداد للوصول إلى التشغيل الكامل للأصول".
يرى غريف شيلوا، مدير الأبحاث في معهد "ذا نيو سكول" (The New School) للعرق والسلطة والاقتصاد السياسي"، أنه رغم ذلك، فإن استعادة سيطرة "فيدانتا ريسورسز" قد يكون له تكلفة سياسية كبيرة يدفعها هيتشيليما. وقال شيلوا عبر الهاتف: "هناك كراهية لفيدانتا فيما يتعلق بإنتاج النحاس". و"السبب وجيه".