بلومبرغ
على مدى 40 عاماً تقريباً، كان سايمون روبي يساعد بشكلٍ هادئ في تشكيل المشهد العام لقطاع الشركات في المملكة المتحدة، سواء كان ذلك من منزله ذي الطراز الجورجي في منطقة "ويست إند" في لندن، أو من المكاتب ذات الواجهة الزجاجية في "كناري وارف".
خلال تلك الفترة، أدار سايمون روبي، وهو خبير بريطاني في مجال البنوك الاستثمارية، شركات مُدرجة ضمن مؤشر "فوتسي 100"، بما في ذلك "أسترازينيكا" (AstraZeneca)، و"ريو تينتو" (Rio Tinto)، و"إس إيه بي ميلر" (SABMiller)، من خلال عمليات الدمج والاستحواذ وآليات الحماية من الاستحواذ، وأثبت قدراته كمستشار لكبار المديرين التنفيذيين، من خلال صفقات تقدر بحوالي تريليوني دولار.
اقرأ أيضاً: شركات محاماة بريطانية تجني مكاسب قصوى من نشاط صفقات قياسي
في عمر الـ61 عاماً اليوم، ليست لديه أي نية للاستراحة أو إبطاء جهوده في هذا المجال.
قال روبي في مقابلة نادرة: "لم أصل بعد إلى مرحلة الانحدار كي أتقاعد في سن الـ65 لممارسة رياضة الغولف، أو تمضية الوقت في دار الأوبرا. هذا لا يعني أنني سأعمل إلى أن أرحل عن هذه الدنيا، لكنني حقاً، أستمتع بما أقوم به، وأشعر بالتحسن كل عام".
في الشهر الماضي، قدمت شركته الصغيرة "روبي وارشو" (Robey Warshaw) الاستشارات لشركة "ناشيونال غريد" (National Grid) التي تدير شبكات الطاقة البريطانية وخطوطها، ببيع 60% من أعمال نقل الغاز البالغة 9.6 مليار جنيه إسترليني (12.5 مليار دولار)، إلى تحالف يضم "ماكويري غروب" (Macquarie Group).
اقرأ المزيد: "فودافون" تجرى محادثات مع "إلياد" لدمج شركاتهما في إيطاليا
تمت الصفقة في ظل الركود واسع النطاق في صفقات البيع والشراء، والذي ترسّخ منذ بداية غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير. ورغم أن الصراع أدى إلى وضع نهاية مفاجئة لعمليات الاندماج والاستحواذ التي بدأت في منتصف عام 2020 وسجلت أرقاماً قياسية، إلا أن روبي يقول إن تأثير ذلك على الصفقات، لم يكن بالحدة التي كان عليها في الأوقات السابقة للتوتر الجيوسياسي. أضاف روبي: "لدي من الخبرة الطويلة ما مكّنني من تقديم المشورة للعملاء خلال حرب الخليج وأحداث 11 سبتمبر. أعتقد بأن رد فعل الشركات على هذا الأمر هو أنه لا تزال هناك طرق عدة للقيام بمعظم الأعمال. يبدو هذا كردّ فعل مشروع للغاية إزاء الأحداث الصادمة".
انخفضت قيمة الصفقات بأكثر من الثلث في الشهر التالي على غزو روسيا لجارتها، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ". وعلى الرغم من تراجعها، إلا أن هذا أقل حِدّة بكثير مما حدث في أعقاب هجمات 11 سبتمبر في عام 2001، وانهيار بنك "ليمان براذرز" (Lehman Brothers Holdings) في "وول ستريت" في أزمة عام 2008، بحسب ما تظهره البيانات.
بعيداً عن المهام اليومية، فإن الحرب في أوكرانيا تشغل بال روبي بطرق أخرى.
في هذا الصدد، يقول: "نحن جميعاً متأثرون للغاية بدرجة أقل أو أكبر بالتكلفة البشرية لكل هذا. إننا نحاول إخراج بعض اللاجئين من أوكرانيا كمسألة شخصية".
ضغوط لندن
وُلِد روبي في لندن، ودرس اللغة الإنجليزية بجامعة "أكسفورد"، حيث كان حاصلاً على منحة دراسية بفضل موهبته في الغناء. كان شغف صاحب الصوت العذب بالغناء قد قاده إلى أن يصبح رئيساً لمجلس أمناء دار الأوبرا الملكية، حيث حصل على لقب "فارس" لخدمات الموسيقا من قبل ملكة بريطانيا.
بدأت حياته المهنية في مجال التمويل في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، من خلال عمله في "لازارد" (Lazard)، حيث أمضى في تلك الشركة أربع سنوات قبل أن ينضم إلى "مورغان ستانلي". وأثناء عمله في المؤسسة المصرفية الأمريكية العملاقة، شارك روبي في إتمام صفقة اندماج بقيمة 70 مليار دولار بين شركتي الأدوية البريطانيتين "غلاكسو ويلكم" (Glaxo Wellcome) و"سميث كلاين بيكام" (SmithKlineBeecham) في عام 2000، وقدّم المشورة لعملية الاستحواذ على شركة "إتش بي أو إس" (HBOS) في عام 2008، التي كانت حينها أكبر مقرض للرهن العقاري في بريطانيا، من قبل "لويدز بانكنغ غروب" (Lloyds Banking Group).
كواحد من كبار صانعي الصفقات في المملكة المتحدة، كان روبي شاهداً على حالات صعود وتراجع لندن كمركز مالي عالمي. ورغم اعترافه بأن العاصمة "تتعرض لبعض الضغوط في الوقت الحالي" بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمنافسة الشديدة من نيويورك والخصائص التنظيمية القديمة، إلا أنه متفائل بإمكانية تطور "مدينة الدخان" (Big Smoke). قال روبي: "أنا واثق من أنه سيكون كذلك، لأنه بطريقة ما وعلى مدى قرون، كانت لندن سوقاً مهمة حقاً لرأس المال. وبصرف النظر عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعدم مواكبة كل هذا الظهور لشركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة، ستكون هناك طريقة لمحافظتها على أهميتها المحورية".
صانعو صفقات بكوادر محدودة العدد
في عام 2012، قرر روبي ترك "مورغان ستانلي" بعد 25 عاماً من العمل لديه، ولم يمض وقت طويل قبل أن يعود إلى الساحة مجدداً من خلال شركة "روبي وارشو"، التي لا يزال يديرها مع سايمون وارشو، وهو أحد أشهر صانعي الصفقات في المدينة، والذين تربطهم علاقات قوية مع "فودافون غروب" (Vodafone Group)، وفيليب أبوستوليديس، وهو أحد الكوادر السابقة في "مورغان ستانلي".
شركتهما الاستشارية محدودة العدد هذه، يديرها مصرفيون متمرسون تربطهم علاقات طويلة الأمد بعملاء من الدرجة الأولى. فمنذ تأسيسها، قدمت "روبي وارشو" الاستشارات في صفقات عملاقة في المملكة المتحدة، بما في ذلك بيع "بي جي غروب" (BG Group) لشركتي "رويال داتش شِل" (Royal Dutch Shell) و"كومكاست" (Comcast).
أشار روبي إلى أنه سواء كانت مؤسسة ضخمة أو شركة متخصصة صغيرة، يتعين على هؤلاء الخبراء المصرفيين، التركيز على وضعهم في مجلس الإدارة من أجل بناء مستقبل مهني ناجح. وأضاف: "لسنا صناع القرار، ولكننا وكلاء لشركات كبرى. ومهمتنا كمخضرمين أن ننصح بالحقيقة لأصحاب القرار. بادر بتقديم النصيحة دون خوف أو محاباة. إذ لا يمكن أن تحظى بباع طويل في مهنة بسوق رأس المال الكبير، إذا ساور الشك ذهن أي شخص بشأن استقلالية وحياد مشورتك".
يعمل لدى "روبي وارشو" ما يقرب من 15 موظفاً في مكاتبها الواقعة في "غروسفنر سكوير" بمنطقة "مايفير" الراقية في لندن، وهو مبنى يعود إلى القرن الثامن عشر، حيث كان مقراً لإقامة جون آدامز، الرئيس الثاني للولايات المتحدة.
تضم الشركة اليوم سياسياً سابقاً آخر، وهو جورج أوزبورن، الذي شغل منصب وزير الخزانة في عهد رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون. وكان تعيين أوزبورن العام الماضي مفاجئاً من قبل شركة لم تضف حتى ذلك الحين شريكاً جديداً بين صفوفها.
قال روبي: "لا جدوى من انضمام شخصية بأهمية جورج إلى الشركة ما لم تدعمه بالفوز بصفقات جديدة. هو ليس هنا ليكون سياسياً مشهوراً، بل الهدف هو مساعدتنا على إثراء استشاراتنا وتنمية أعمالنا، وهي المهمة التي يقوم بها فعلياً".
أوضح روبي أنه ليست لديه أي خطط لتعيين أسماء كبيرة أخرى، أو لزيادة الكوادر في الشركة إلى أكثر من 25 شخصاً خلال السنوات الخمس المقبلة، معتبراً أن تشغيل طاقم عمل محدود العدد للتركيز على المهام الضخمة، هو مهمة شاقة، ولكنها مربحة.
عوائد كبيرة
زادت أرباح "روبي وارشو" المتاحة للتوزيع بين أعضائها بأكثر من الثلثين لتصل إلى 30.1 مليون جنيه إسترليني في العام المنتهي في مارس 2021، وفقاً لأحدث حساباتها المودعة لدى هيئة تسجيل الشركات في المملكة المتحدة.
من شأن الوصول إلى مجلس الإدارة والقدرة على تحقيق هذا النوع من العائد، أن يجعلا أي شركة بهذا الحجم هدفاً جذاباً للاستحواذ من قبل الآخرين في هذا المجال، لا سيما في لندن، في وقت تستحوذ فيه البنوك الأمريكية على حصة الأسد من رسوم صفقات الاندماج والاستحواذ.
بالنسبة إلى روبي وشركائه، الرسالة واضحة، ومفادها: صفقات البيع أو الإدراج لا تجري بطريقة التوزيع والتقاسم. قال روبي: "نحن شركة تلتزم الوضوح للغاية إذا كنت ترغب في تحقيق امتياز استشاري فوري وكبير الحجم في المملكة المتحدة، ولكن سيكون من الصعب للغاية إقناعنا بالقيام بأي شيء. لست مستميتاً من أجل كسب المال الذي قد ينتج عن عملية بيع".