بلومبرغ
أدانت مجموعة كبيرة من الشركات الأوروبية والأمريكية الغزو الروسي لأوكرانيا، ما جعلها تقطع علاقاتها بروسيا، وقد بدأت مزيد من الشركات الآسيوية تنضم إلى قوافل النزوح الجماعي للشركات الغربية، حيث تجعل العقوبات من الصعب الإبقاء على عملياتها في البلاد.
بعد أيام فقط من إعلان شركة "جابان توباكو" استمرار عملياتها في روسيا بحصة سوقية تبلغ حوالي 37%، عكست الشركة موقفها، وقالت الخميس، إنها ستوقف استثماراتها والتسويق لمنتجاتها هناك.
كما قامت سلسلة ملابس "يونيكلو"، التابعة لشركة "فاست ريتلينغ" (.Fast Retailing Co) بإغلاق متاجرها الخمسين في روسيا مؤقتاً، ما يعد تغيراً في موقف مؤسسها تاداشي ياناي، الذي أثار تعهده يوم الاثنين الماضي بالبقاء في البلاد، دعوات لمقاطعة الشركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واعتراضات من جانب سفير أوكرانيا لدى اليابان .
في منطقة تمتد من مومباي إلى طوكيو، كان لدى الشركات الآسيوية العديد من الأسباب لحماية مشاريعها الروسية. ومن هذا المنطلق، تلتزم الشركات الصينية والهندية على نحو حثيث بالنبرة التي وضعتها حكوماتهما، والتي تجنبت إدانة تصرفات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
موقف مختلف من الصين والهند
في نفس الإطار، يتحدث مسؤولو بكين مع الشركات المملوكة للدولة بشأن الاستثمارات المحتملة في مجالات الطاقة والسلع الاستهلاكية عبر الشركات الروسية. وكذلك، تعد معظم شركات الطاقة الهندية التي لديها استثمارات كبيرة في روسيا مملوكة للدولة. وحتى الآن، امتنعت، جميعها، عن اتخاذ أي إجراء مهم بشأن عملياتها الروسية.
في وقت سابق من هذا الشهر، قالت "أو إن جي سي فيديش" (ONGC Videsh)، الذراع الخارجية لـ"مؤسسة النفط والغاز الطبيعي" (.Oil & Natural Gas Corp) المملوكة للحكومة الهندية، إنها لا ترى أن العقوبات تشكل أي عائق فما يتعلق ببيع النفط الخام المنتج في روسيا أو إعادة الأرباح إلى الوطن.
حتى في اليابان وكوريا الجنوبية، تواجه التحالفات التجارية الأمريكية مع الشركات التي تتداخل أعمالها مع الأسواق العالمية، صعوبة في وقف عملياتها المتعلقة بمشاريع النفط وشركات صناعة السيارات التي أمضت عقوداً في تأسيسها، حيث لا يزال بعضها يمارس نشاطه في روسيا.
لكن في الأيام القليلة الماضية، قرر عدد متزايد من الشركات اليابانية أن الأعمال التجارية في روسيا أصبحت غير مقبولة. إذ قالت شركة "شيسيدو" (Shiseido) لمستحضرات التجميل، يوم الأربعاء، إنها أوقفت شحناتها إلى روسيا، وكذلك الاستثمارات الجديدة في البلاد، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وقالت منتجة مستحضرات التجميل على موقعها عبر الإنترنت: "نشعر بصدمة شديدة لرؤية مليوني نازح من الأطفال والنساء وكبار السن يفرون خوفاً على حياتهم، ويعبرون الحدود إلى الدول المجاورة، تاركين خلفهم أحبائهم في أوكرانيا".
قال أوسامو تاناكا، كبير الاقتصاديين في "معهد داي-إتشي لايف" للأبحاث، إن الشركات اليابانية، التي غالباً ما ينتقدها خبراء حوكمة الشركات بسبب استجاباتها الفاترة للقضايا الإنسانية، تتجه للتغيير.
وأردف تاناكا إن: "الشركات التي لديها عمليات عالمية تتعرض، بشكل استثنائي، لمختلف وجهات النظر الواردة من المستهلكين والمستثمرين، على حد سواء. إنهم يتعرضون لضغوط لاتخاذ قرارات تأخذ حقوق الإنسان بعين الاعتبار".
وعلى الرغم من الاستجابة البطيئة مقارنة بالإعلانات السريعة من قبل نظرائهم في الولايات المتحدة وأوروبا بمغادرة الأسواق الروسية، فقد "بدأت الشركات اليابانية تتشارك فهماً واحداً بشأن أهمية حقوق الإنسان. ومن ثم، فقد بدأت تلك الشركات في الاستجابة في إطار مراعاة الحساسيات"، على حد قوله.
سابقاً، كان ياناي، مؤسس ورئيس شركة "فاست ريتلينغ"، صريح بشأن إبقاء متاجر الشركة مفتوحة في روسيا، قائلاً، إن الروس العاديين لهم الحق في الحصول على الضروريات، بما في ذلك الملابس. لكن الشركة قالت، يوم الخميس، إنها ستعلّق أعمالها في روسيا بصورة مؤقتة.
ضغوط دولية
كما قررت شركات يابانية أخرى وقف عملياتها في روسيا وسط ضغوط دولية واختناقات ناجمة عن العقوبات الأمريكية والأوروبية على التجارة والمدفوعات. فقد علقت شركة "سوني" و"نينتيندو" شحناتهما إلى روسيا يوم الخميس، بعد ثمانية أيام من مناشدة نائب رئيس الوزراء الأوكراني، ميخايلو فيدوروف، لشركات ألعاب الفيديو على تويتر بتعليق أعمالها في روسيا.
وفي نفس اليوم، قالت شركة "سوني إنتراكتيف إنترتينمنت"، وهي شركة ألعاب الفيديو التابعة للمجموعة اليابانية، ومقرها كاليفورنيا، إنها ستعلّق متجر "بلاي ستيشن" الخاص بها في روسيا، وأنها "ستنضم إلى المجتمع العالمي في الدعوة إلى السلام في أوكرانيا".
وعلى قائمة الشركات اليابانية الباقية في روسيا، تأتي "ميتسوي" و"ميتسوبيشي كورب"، اللتان أمضتا عقوداً في بناء علاقاتهما في روسيا، بما في ذلك مشروع تصدير الغاز الطبيعي المسال "ساخالين -2". ووفقاً لمنصة "لينز" (Lens) لتحليل البيانات، التابعة لمجموعة "وود ماكينزي" لأبحاث الطاقة والاستشارات، فإن قيمة استثمارات اليابان في منشآت الطاقة الروسية تبلغ نحو 8.4 مليار دولار.
وبينما صدم عمالقة مثل "بي.بي" و"شل" و "إكسون موبيل" صناعة الطاقة عندما تخلوا عن الأصول الروسية التي تقدر بمليارات الدولارات، إلا أن الشركات اليابانية لم تعلن عن أي خطط لمغادرة أسواق روسيا بعد.
إحجام كوري
وبالمثل، تحجم الشركات الكورية الجنوبية عن الخروج من السوق التي ركزت عليها لسنوات. تمثل شركة "هيونداي موتور"، بالإضافة إلى شركة "كيا" لتابعة لها، حوالي 23% من إجمالي مبيعات السيارات في روسيا، وهي الأكبر في البلاد. قال خمسة مسؤولين على الأقل من شركات كورية جنوبية مختلفة، بما في ذلك شركات صناعة الأغذية والسيارات، إن روسيا تُعد سوقاً مهمة للغاية بحيث لا يمكن تركها، وطلبوا عدم الكشف عن هويتهم لأن القضية كانت مثار جدل.
من جهةٍ أخرى، دعا سفير أوكرانيا في كوريا الجنوبية، دميترو بونومارينكو، المزيد من الشركات إلى أن تحذو حذو الشركات الأمريكية التي علقت شحناتها إلى روسيا.
وقال بونومارينكو: "لا يوجد سبب واحد يمنع العالم المتحضر من الضغط على روسيا بكل العقوبات. نتوقع من الشركات الأخرى مثل "إل جي" و هيونداي ... الانسحاب من روسيا على غرار ما فعلته الشركات العالمية الأخرى مثل "آبل" و"مايكروسوفت"و "غوغل"، وغيرهم".
وبحسب ستيف فيكرز، الرئيس التنفيذي لشركة "ستيف فيكرز آند كو"، وهي شركة استشارات في مجال السياسات العامة ومخاطر الشركات في هونغ كونغ، فإنه مع استمرار الحرب، ستكافح مثل هذه الشركات الكورية الجنوبية لمقاومة الضغوط لإنهاء أو تعليق عملياتها الروسية.
قال فيكرز: "سيكون من الصعب عليهم فعل ذلك كلما طالت المدة. إننا نعيش في عالم جديد مؤلف من مجموعتين: (أ) و(ب). وستتماشى كوريا الجنوبية، سواء أعجبها الأمر أم لا، مع ما يجري".