البريطانيون يودعون حقبة "قفزة الأجور" بعد موجة الاستقالات الكبرى

time reading iconدقائق القراءة - 13
زادت الوظائف في الولايات المتحدة خلال نوفمبر الماضي بأقل وتيرة هذا العام - المصدر: بلومبرغ
زادت الوظائف في الولايات المتحدة خلال نوفمبر الماضي بأقل وتيرة هذا العام - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

قد تكون مجموعة الاستقالات الكبيرة التي هزّت سوق الوظائف في بريطانيا أثناء الجائحة اقتربت من ذروة تأثيرها على الأجور. ففي حين تُظهر البيانات الرسمية أنَّ الأشخاص استقالوا، ونقلوا وظائفهم بمعدل قياسي في أواخر العام الماضي، يقول خبراء التوظيف والاقتصاديون، إنَّ هذا التأثير سيتلاشى قريباً.

وتشهد المملكة المتحدة "استقالات كبيرة" أقل حدة بكثير من الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يُغيّر عدد أكبر من الأشخاص وظائفهم مقارنة بتركهم لسوق العمل. وبدأ هذا في التخفيف من حدة المخاوف من حدوث دوامة تصاعدية في الأجور، مما يشير إلى أنَّ إمكانية حصول العمال البريطانيين على زيادة كبيرة في الأجور على وشك الوصول إلى طريق مسدود.

و قال توماس بوغ، الاقتصادي البريطاني في شركة "آر إس إم" (RSM) الاستشارية للأعمال: "يمكن للأشخاص التنقل كثيراً في الوظائف، وبالتالي؛ من المحتمل أن تزيد الاستقالات أكثر من ذلك، ومن ثم ستبدأ في التناقص التدريجي".

يُعدّ ضيق سوق العمل مصدر قلق فوري لصانعي السياسة في بنك إنجلترا، وهو سبب رئيسي وراء الارتفاعات الأخيرة في أسعار الفائدة. وقد أثار الحاكم أندرو بيلي الجدل هذا الأسبوع عندما دعا العمال إلى ممارسة ضبط النفس عند طلب زيادات في الأجور للمساعدة في إبقاء التضخم تحت السيطرة.

في الواقع، يُراقب بنك إنجلترا عن كثب تقلبات سوق العمل كمؤشر على قوة نمو الأجور، فقد نقل حوالي 1.02 مليون شخص وظائفهم في الربع الثالث من العام الماضي، بزيادة قدرها 10% عن المستوى الذي كان سائداً قبل انتشار الجائحة في أوائل عام 2020، وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني، كما تُظهر أحدث الأرقام أيضاً أنَّ 391,000 شخص استقالوا من مناصبهم، وهو أكبر عدد منذ أن بدأت سلسلة البيانات هذه قبل عقدين من الزمن.

علاوةً على ذلك، شعر صانعو السياسة بالقلق العام الماضي عندما قفز نمو الأجور مع إعادة فتح الاقتصاد. و خفَّت حدة هذا التأثير في الأشهر الأخيرة، كما يتوقَّع البنك المركزي زيادات في الأجور تقترب من 5% هذا العام، لتنخفض إلى 2.5% بنهاية 2024.

و قال كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هوو بيل، في 4 فبراير: "لدينا سوق عمل ضيقة تعمل على رفع الأجور، لكنَّنا نتوقَّع أن تنحسر هذه الضغوط".

الوظائف الشاغرة

تُشير الاستطلاعات الحديثة إلى أنَّ معدل تنقلات الوظائف قد تراجع؛ فقد قال تقرير صادر عن "كيه بي إم جي" (KPMG) واتحاد التوظيف والعمل، إنَّ الوظائف الشاغرة الجديدة انخفضت إلى أدنى مستوى لها في ثمانية أشهر في يناير. وتراجع نمو الأجور الحقيقي، الذي انخفض خلال عمليات الإغلاق وارتفع بعد ذلك، إلى مستويات ما قبل الجائحة.

كذلك تُشير الأرقام مجتمعة إلى أنَّه في حين أنَّ وتيرة التوظيف ما تزال قوية؛ فإنَّ معدل تغيير الوظائف الذي عصف بسوق العمل العام الماضي قد يقترب من نهايته. وهذا هو الاتجاه الذي بدأ محللو الاتجاه في ملاحظته.

وعلّق ناي كومينيتي، كبير الاقتصاديين في "ريزولوشن فاونديشن" (Resolution Foundation) قائلاً: "قد تكون بعض المستويات الأعلى من تحركات الوظائف التي نراها الآن عبارة عن تحركات مكبوتة جرى تأخيرها أثناء عمليات الإغلاق للسيطرة على كوفيد، وإذا كان هذا صحيحاً؛ فإنَّنا نتوقَّع أن تبدأ الأرقام في الاستقرار".

إنَّ جزءاً من الاختلاف عن الولايات المتحدة هو هيكل الـ 411,000 شخص، الذين تسربوا من القوى العاملة البريطانية خلال الجائحة؛ إذ لم يكن معظمهم يدخلون مرحلة التقاعد المبكر - كما كان الحال في الولايات المتحدة، وبدلاً من ذلك؛ كان الدافع الرئيسي لارتفاع الخمول الاقتصادي هو إعلان الأفراد أنَّهم مرضى على المدى الطويل، مع ارتفاع حاد في اعتلال الصحة العقلية.

ولا يوجد اتجاه كبير أيضاً نحو عودة العمال الأصغر سناً إلى الدراسة، إذ تُظهر الأرقام من خدمة القبول بالجامعات والكليات أنَّه على الرغم من وجود زيادة في المتقدمين الراشدين للجامعة؛ إلا أنَّ ذلك لم يكن مصحوباً بمزيد من القبول.

الصناعات المتضررة

فضلاً عن ذلك، تذهب في الوقت الحالي أكبر الزيادات في الأجور إلى حفنة من الصناعات الأكثر تضرراً من الجائحة. وهي تشمل الخدمات الغذائية، والبناء، والتصنيع، والتمريض، وتطوير البرمجيات، وفقاً لموقع البحث عن الوظائف "إنديد" (Indeed).

من جانبه، يقول جاك كينيدي، الاقتصادي البريطاني في شركة "إنديد" إنَّ: "العمال في بعض القطاعات في وضع يسمح لهم بالمساومة. لكنَّ الصورة مختلفة جداً في مكان آخر".

اقرأ أيضاً: صندوق النقد يتوقع نمو بريطانيا بأسرع وتيرة بين الاقتصادات السبعة الكبرى

فضلاً عن ذلك؛ قال أدريان نيكول، مدير التسويق في شركة التوظيف "رانستاد يو كيه" (Ranstad UK)، إنَّ الكثير من أوجه الاستقالات والتغييرات في الوظائف كانت تتعلق بالعمال الذين يسعون للحصول على صفقة أفضل من صاحب العمل.

وأضاف "نيكول": "يحرق الأشخاص المراحل في حياتهم المهنية بعد إجراء مقابلتين افتراضيتين، ويعودون إلى رؤسائهم مع عرض زيادة في الراتب بنسبة 25%". ويعتقد أنَّ المزيد من الناس سيحرقون المزيد من المراحل في الربع الأول بعد موسم مراجعة الرواتب والمدفوعات السنوية للمكافآت.

ومع ذلك؛ فإنَّ توقُّعات الموظفين وأصحاب العمل لا تتطابق دائماً. فقد وجدت دراسة استقصائية شملت 6,000 متخصص من ذوي الياقات البيضاء قامت بها شركة استشارات التوظيف "روبرت والترز" (Robert Walters) أنَّه في حين توقَّع 72% زيادة في الأجور في العام الجديد؛ فإنَّ ربع أصحاب العمل فقط ممن شملهم الاستطلاع، والبالغ عددهم 500، يخططون لمنح هذه الزيادات في الأجور.

اقرأ أيضاً: ارتفاع حالات الإفلاس في بريطانيا بعدما سحبت الحكومة الدعم

وعلى الرغم من الحديث عن تحول المحامين كي يصبحوا مدرسين لليوغا؛ فإنَّ معظم البريطانيين لم يستقيلوا من أجل تغيير الصناعة التي يعملون بها. بل كانوا بدلاً من ذلك، يميلون إلى التحرك ضمن مجالهم نفسه، وهو ما يقول "كومينيتي" عنه، إنَّه نموذجي في فترات الركود عندما يفتقر العمال غالباً إلى الثقة لتجربة شيء جديد.

فلماذا كل هذا التحول؟. وفقاً لما قاله توبي فولستون من شركة "روبرت والترز"؛ فإنَّه: "مثل مقلاع للطلب المكبوت الذي يُشدّ إلى أقصى حدوده، ومن ثم يُترك".

تصنيفات

قصص قد تهمك