بلومبرغ
باشرت الصين تحقيقاً في ممارسات احتكارية مزعومة من قِبل "مجموعة علي بابا". كما استدعت المجموعة التابعة لها "آنت" إلى اجتماع رفيع المستوى حول اللوائح المالية، مما يؤشر إلى تصعيد التدقيق حول الركيزتين لإمبراطورية الإنترنت لدى الملياردير "جاك ما".
وتراجع سعر سهم شركة "علي بابا" بنسبة 8.9% في هونغ كونغ إلى أدنى مستوى له خلال خمسة أشهر يوم الخميس. وتصدَّرت أكبر شركة في آسيا بعد "تينسنت" الخسائر بين رواد قطاع الإنترنت في الصين منذ إلغاء الاكتتاب العام الأولي لشركة "آنت" في نوفمبر، مما رفع إجمالي الخسائر إلى أكثر من 100 مليار دولار. كما انخفض سهم "تينسنت" بأكثر من 2%، وتراجع عملاق خدمات الإنترنت "ميتوان" (Meituan) بأكثر من 4%، في حين تراجعت أسهم مجموعة "سوفت بنك"، أكبر مساهم في "علي بابا" بما يصل إلى 2.9% في طوكيو. وقالت "علي بابا "في بيان، إنَّها ستتعاون مع الجهات الرقابية في تحقيقاتها، وإنَّ عملياتها ستبقى ضمن طبيعتها.
ولا يزال المستثمرون منقسمين حول المدى الذي ستلاحق فيه بكين "علي بابا" ومنافسيها، في الوقت الذي تستعدُّ بكين فيه لتطبيق القوانين الجديدة لمكافحة الاحتكار، ولم يقل زعماء البلاد إلا القليل عن مدى قسوة خططهم لتضييق الخناق، أو لماذا قرروا التصرف الآن؟
جوهرة التاج
ويمثِّل التحقيق، الذي تمَّ الإعلان عنه اليوم الخميس، البداية الرسمية لحملة الحزب الشيوعي الصيني على جوهرة التاج في إمبراطورية "جاك ما" المهيمنة، والمترامية الأطراف، التي تشمل كلَّ شيء من التجارة الإلكترونية إلى الخدمات اللوجستية، ووسائل التواصل الاجتماعي. ويشكِّل الضغط على شركات "جاك ما" محوراً لجهود أوسع لكبح جماح مجال الإنترنت المؤثر بشكل متزايد، إذ أعطت مسودة قواعد مكافحة الاحتكار، الصادرة في نوفمبر، للحكومة حريةً واسعةً، وغير مسبوقة لكبح جماح رواد الأعمال، مثل "جاك ما"، الذين تمتَّعوا حتى وقت قريب، بحرية غير عادية لتوسيع نشاطهم.
نفوذ في كل جانب
وبعد أن تمَّت الإشادة بها، لأنَّها محركات للازدهار الاقتصادي، ورموز للبراعة التكنولوجية للبلاد، واجهت "علي بابا" ومنافستها "تنسنت هولدنغز". ضغوطاً متزايدة من المنظِّمين، بعد استقطاب مئات الملايين من المستخدمين، واكتساب نفوذ في كلِّ جانب تقريباً من جوانب الحياة اليومية في الصين.
وصرَّح دونغ شيمياو، الباحث في زونغوانكن إنترنت فايننس: "من الواضح أنَّ هذا التحقيق تصعيدٌ للجهود المنسقة لكبح إمبراطورية "جاك ما"، التي ترمز إلى الكيانات الصينية الجديدة "الأكبر من أن تفشل". في حين تريد السلطات الصينية أن ترى شركة أصغر، وأقل هيمنة، وأكثر امتثالاً ".
تهيمن شركتا "علي بابا"، و"تينسنت" على نظام الإنترنت في البلاد -الذي يحظى بالحماية منذ فترة طويلة من منافسة شركات، مثل "غوغل"، و"فيسبوك" من خلال شبكة من الاستثمارات المتداخلة كالمتاهة ،وتشمل الغالبية العظمى من الشركات الناشئة في البلاد في مجالات تتراوح من الذكاء الاصطناعي حتى التمويل الرقمي. كما ساهمت رعايتهم أيضاً في إعداد جيل جديد من العمالقة بما في ذلك عملاق الطعام والسفر "ميتوان"، و"ديدي تشوزينغ" (Didi Chuxing)-شركة أوبر الصينية. أما الشركات التي تزهر خارج هالتهم، وأضخمها "بايت دانس" التي تملك "تيك توك"؛ فهي نادرة.
هجوم "جاك" والهجوم المضاد
تهدد قواعد مكافحة الاحتكار الآن بتغيير الوضع الراهن من خلال مجموعة من النتائج المحتملة، بدءاً من سيناريو الغرامات الحميد وصولاً إلى تفكيك رواد الصناعة. ويبدو أنَّ وكالات بكين المتنوِّعة تنسق جهودها، مما يمثِّل علامة سيئة لقطاع الإنترنت.
قال أليكس كابري ، الباحث في شركة "هنريش" التي تعمل انطلاقاً من سنغافورة: "
لا يوجد شيء لا يتحكَّم فيه الحزب الشيوعي الصيني؛ وأي شيء يبدو أنَّه يخرج من مداره بأي شكل من الأشكال، سيتم سحبه بسرعة كبيرة".
وصلت الحملة ضد "علي بابا" ونظيراتها إلى حالة التأهب القصوى في نوفمبر، بعد هجوم "جاك ما" الشهير على الجهات الناظمة الصينية في خطاب عام لإضاعتهم للوقت. وقام مراقبو السوق في وقت لاحق بتعليق الاكتتاب الأولي لشركة "آنت"، وهو الأكبر في العالم بقيمة 35 مليار دولار، في حين دفعت هيئة مراقبة مكافحة الاحتكار الأسواق إلى الانهيار بعد فترة وجيزة من خلال مسودة تشريع طرحته.
وحذَّرت صحيفة "بيبولز ديلي" الناطقة باسم الحزب الشيوعي يوم الخميس من أنَّ محاربة الاحتكارات المزعومة أصبحت الآن أولوية قصوى. وقالت في تعليق تزامن مع إعلان التحقيق: "أصبحت مكافحة الاحتكار الخاصة بشركة "آنت" قضية ملحة، تهمُّ الجميع". وأضافت أنَّ "النمو الجامح" في الأسواق يحتاج إلى قانون لكبحه.
فرصة النملة تتضاءل
يبدو أنَّ فرص أن تكون شركة "آنت" قادرة على إحياء الإدراج الهائل لأسهمها في الأسواق المالية في العام المقبل تتضاءل بازدياد، مع قيام الصين بإصلاح القواعد التي تحكم صناعة التكنولوجيا المالية، التي ازدهرت في السنوات الماضية كبديلٍ للإقراض التقليدي المدعوم من الدولة.
ويقال إنَّ الصين شكَّلت فريق عمل مشترك للإشراف على "آنت" بشكل منفصل، بقيادة لجنة الاستقرار المالي والتنمية، وهي الهيئة الناظمة للنظام المالي، إلى جانب العديد من إدارات البنك المركزي، والجهات التنظيمية الأخرى. وهذه المجموعة على اتصال منتظم مع "آنت" لجمع البيانات، والمواد الأخرى، ودراسة إعادة هيكلتها، بالإضافة إلى صياغة قواعد أخرى لصناعة التكنولوجيا المالية.
وقال مارك تانر، العضو المنتدب في شركة الاستشارات "تشاينا سكيني"، التي يقع مقرُّها في شنغهاي: "قامت الصين بتبسيط الكثير من البيروقراطية، لذا أصبح من السهل على الهيئات التنظيمية المختلفة العمل معاً الآن، وهذا ما كان يشكِّل أكبر العوائق التنظيمية على المدى الطويل".