الشرق
"أوميكرون"، وقبله "دلتا" و"غاما" و"بيتا" وألفا".. تعددت المتحورات والفيروس واحد "كورونا".
لكن المتحور الأخير، أي "أوميكرون"، سبب إرباكاً مضاعفاً لسببين، الأول اقتصادي باعتبار أنه يأتي في وقتٍ كانت معظم الأسواق بدأت تشهد انتعاشاً، والثاني طبي نظراً للغموض الذي يكتنفه لناحية سرعة انتشاره وفعالية اللقاحات بمواجهته.
بعد عامين على ظهور الجائحة، يمكن تلخيص آثارها الاقتصادية بأنها أدّت إلى أعمق ركود منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن، في المقابل، كان لها تأثير إيجابي محدود على ما أصبح يُعرَف بشركات كورونا، أي التي استفادت من إجراءات الإغلاق مثل شركات التجارة الإلكترونية والتواصل عبر الفيديو، وقبلهما الشركات المنتجة للقاح، لاسيما الأمريكية والأوروبية التي حازت على موافقة منظمة الصحة العالمية، حيث شهدت أسهمها ارتفاعات غير مسبوقة.
لعل أبلغ توصيف للإرباك الذي سببه كورونا، ومتحوره الجديد "أوميكرون"، تصريح مستشار البيت الأبيض للأزمة الصحية أنطوني فاوتشي، بقوله: "الأمر الوحيد الذي خبرناه على مدى عامين أن هذا الفيروس لا يمكن التنبؤ بتحركاته"
اللقاح أولاً
بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن عدد الإصابات بفيروس كورونا منذ تفشي متحور "أوميكرون" تضاعف خلال يوم ونصف إلى ثلاثة أيام، ما دفع العديد من الدول لإعادة اتخاذ إجراءات صارمة كانت قد تجنّبتها لأشهر عديدة.
غير أن هذه الإجراءات تبقى خط الدفاع الثاني، إذ تحتل اللقاحات مركز الصدارة بمواجهة كورونا. ووفق بيانات بلومبرغ، تم إعطاء أكثر من 8.5 مليار جرعة تطعيم مضادة للفيروس حول العالم، أي نحو 111 جرعة لكل 100 شخص حول العالم.
"الشرق"، وفي إطار تغطيتها لأبرز الأحداث التي طبعت عام 2021 ويُتوقّع أن يستمر تأثيرها للعام المقبل، سلّطت الضوء في حلقة خاصة على فيروس كورونا، ومتحور "أوميكرون" تحديداً، استضافت فيها نائب الرئيس ورئيس أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بشركة "موديرنا" دان ستانر، والمدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط أحمد المنظري.
عدالة توزيع اللقاحات
يؤكد دان ستانر أن الجرعة المعززة العادية من لقاح "موديرنا"، البالغة 50 ميكروغرام، كافية لمواجهة مخاطر "أوميكرون"، حيث أثبتت التجارب أنها تزيد الأجسام المضادة للفيروس بنحو 37 ضعفاً، مقارنةً بمستوياتها قبل تلقي هذه الجرعة. بينما الجرعة المعززة المضاعفة بمقدار 100 ميكروغرام تزيد الأجسام المضادة بحوالي 83 ضعفاً.
لكن رغم هذه النتائج الجيدة، "فإن ذلك لن يوقف "موديرنا" عن العمل على تطوير لقاح مخصص لمجابهة "أوميكرون"، على أن يتم إطلاقه في منتصف العام المقبل"، على حد قوله.
حول عدم توافر اللقاحات لمواطني الدول الفقيرة أو قليلة الدخل بشكل كافٍ، يُشدد ستانر على أن تخطي أزمة كورونا "يتطلب توافر اللقاحات لنصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي بشكل متوازن وعادل، وهو أمر نعمل على دعمه بشكل كبير، عبر إتاحة براءات الاختراع لتصنيع اللقاح، وكذلك بالاتفاق مع تحالف "جافي" لتخصيص 70 مليون لقاح لسكان الدول الفقيرة بالتعاون مع منظمة يونيسيف، فضلاً عن الشراكة مع مبادرة منظمة الصحة العالمية للقاحات الدول الفقيرة "كوفاكس" وتسليم 56 مليون لقاح من خلالها، وسيرتفع هذا الرقم إلى 600 مليون جرعة العام المقبل. كما وضعت الشركة خطة لإنتاج الحمض النووي الريبي المرسال للجرعات المعززة اللازمة للعام المقبل، والتي تتراوح بين 1.5 مليار و2 مليار جرعة".
فيما يتعلق بخطط الإنتاج المستقبلية، كشف ستانر أنه "يجري حالياً العمل على بناء منشأة متطورة في إحدى الدول الأفريقية لإنتاج اللقاح وتوفير الجرعات بشكل سريع ومباشر لكافة بلدان القارة، ونخطط لمنشآت مماثلة في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا"، وهو ما سيعزز كمية اللقاحات الموجهة للدول الفقيرة ومنخفضة الدخل والبالغة حالياً 800 مليون جرعة.
الطفرة الجينية
تستهدف منظمة الصحة العالمية تطعيم 70% من سكان العالم بحلول منتصف عام 2022، "لكن التحدي الأكبر لتحقيق ذلك يتمثل بقدرة الأنظمة الصحية الهشة في الدول النامية على استيعاب كميات اللقاحات وتخزينها وإجراء عمليات التطعيم بالمعدلات المطلوبة، وهو ما سيجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى معدل 100% خلال العام المقبل"، بحسب المدير الإقليمي للمنظمة.
ويوضح المنظري أن متحور "أوميكرون" سريع الانتشار، لكن حدّة الإصابات من حيث الأعراض بسيطة إلى متوسطة عند المقارنة بسلفه "دلتا".
لكن مع أن نسبة الدخول إلى المستشفى جراء الإصابة بفيروس "أوميكرون" قليلة مقارنةً بالمتحورات السابقة، فإن المخاوف تتزايد لناحية الضغط الذي قد يسببه على الأنظمة الصحية وعدم قدرتها على استيعاب الزيادة في الطلب على أسرّة العناية المركزة أو الفائقة في المستشفيات مع تزايد حالات الإصابة. كما أن انتشار المتحور بشكل أكبر يثير الخوف من نشوء متحورات جديدة بأنماط مختلفة قد تكون أسرع في الانتشار، لاسيما أن عدد التحورات الجينية التي شهدها "أوميكرون" تفوق "دلتا" بنحو 30 طفرة جينية.
إلى ذلك، أفصح المنظري أن منظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع مبادرة "كوفاكس" والدول الغنية وكبرى الشركات المنتجة للقاحات كورونا، "في مشاورات دائمة لإتاحة اللقاحات لأكبر عدد ممكن من سكان العالم عبر زيادة كميات الإنتاج، والتغلب على العقبات التي تواجه الشحن للعديد من البلدان، وفتح خطوط إنتاج في أماكن جديدة"، وهو ما أسهم حتى الآن في توفير نحو 8 مليارات جرعة من اللقاحات، منها 860 مليون جرعة عبر "كوفاكس" تم شحنها إلى 144 دولة، من ضمنها 77 دولة من الدول منخفضة الدخل.
ويرى المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أن عدالة التوزيع تتطلب إقناع الدول التي تجاوزت تطعيم ما يزيد عن 44% من سكانها للمساهمة في دعم الدول ذات النسبة المنخفضة التي لم تتخط 5%، بالإضافة لمخاطبة الشركات المنتجة لتخصيص جزء من إنتاجها للدول الأكثر احتياجاً، والتغاضي عن التمسك بحقوق الملكية الفكرية لتصنيع اللقاح.