كواليس "السرعة الفائقة" والـ18 مليار دولار للتوصل إلى لقاح "كورونا"

time reading iconدقائق القراءة - 32
عملية السرعة الفائقة للتوصل إلى لقاح كورونا - المصدر: بلومبرغ
عملية السرعة الفائقة للتوصل إلى لقاح كورونا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في ساعة متأخرة من أيام شهر أغسطس، وفي أحد الأحياء الصناعية في مدينة بالتيمور، وسط الصمت الذي فرضته جائحة "كورونا"، كان معمل واحد يعجّ بالنشاط. داخل ذلك المبنى المغطى بالقرميد الأحمر، وتحديدًا في الجناح المعروف بـ"المنطقة رقم 3"، كان العمّال بصدد تشغيل غلاف الفولاذ المقاوم للصدأ الخاص بالمفاعلات الحيوية، بعد أن وصل لتوّه من ماساتشوستس، إذ في غضون أسابيع سيصبح هذا المكان مركز إنتاج لقاحات فيروس "كورونا".

كانت الشركة المالكة للمبنى "إيميرجنت بيوسولوشن" (Emergent BioSolutions Inc) حين طلبت المفاعل الحيوي أبلغها أحد المورّدين بأنّ بعض القطع الأساسية لن تصل إليهم قبل نوفمبر أو ديسمبر. لذا، لجأت الشركة إلى "عملية السرعة الفائقة"، وهي مبادرة أطلقتها حكومة الولايات المتحدة بهدف تسريع تطوير لقاح لفيروس "كوفيد-19" واختصار البروتوكولات المطلوبة لذلك، إذ اتصل بعض المسؤولين من "عملية السرعة الفائقة"، ومنهم من يعمل أيضًا ضمن "إيميرجنت"، بالمورّد وشدّدوا على أنّ هذه الطلبية لا يمكنها الانتظار، واضعين كل ثقل الحكومة الأمريكية للضغط بهذا الاتجاه.

ويقول سيد حسين، المسؤول عن العقود الصناعية في "إيميرجنت": "الأمر أشبه بامتلاك شارة الرجل الوطواط"، وأضاف: "لقد كانوا شركاء ممتازين لنا"، في إشارة إلى المسؤولين الحكوميين ومساعدتهم.

ويبدو أن "إيميرجنت" من الشركات الأساسية بالنسبة إلى "عملية السرعة الفائقة"، ففي يونيو حصلت الشركة على عقد بقيمة 628 مليون دولار دون المرور بأيّ مناقصة، وذلك من أجل إنتاج لقاحات وعلاجات للفيروس، وهو أكبر مبلغ تخصّصه "عملية السرعة الفائقة" خارج إطار شركات الأدوية التي تطوّر اللقاحات.

وفي ما بعدُ وُقِّعَت عقود بقيمة 261 مليون دولار لصالح شركة "أسترازينيكا" لإنتاج جرعات اللقاح، ثم عقد بقيمة 480 مليون دولار مع شركة "جانسين فارماسوتيكل" التابعة لـ"جونسون آند جونسون". وهذه الشركات نفسها كانت حصلت على عقود بأكثر من مليار دولار من "عملية السرعة الفائقة" في السابق. وكانت "إيميرجنت" قد أنتجت في وقت سابق من العام لقاحات اختبارية لصالح شركة التكنولوجيا الحيوية "نوفافاكس" التي عادت وحصلت على 1.6 مليار دولار من "عملية السرعة الفائقة". هذا، وتتعامل "إيميرجنت" مع ثلاث من أصل ستّ شركات منتجة للقاحات حصلت على دعم "عملية السرعة الفائقة".

وعلى امتداد العقد الماضي، جعلت "إيميرجنت" من نفسها شركة لا تستطيع الحكومة الأمريكية التخلي عنها، فهي المنتج الوحيد للقاح الجمرة الخبيثة، كما تنتج لقاحات الجدري بجرعات أحادية مُوافَق عليها ومخصَّصة لحالات الطوارئ، ولذلك من المنطقي أنه حين ظهر فيروس "كورونا" المستجد في بداية عام 2020 لجأت الحكومة إلى "إيميرجنت" بما أنها كانت تبحث عن شركة ذات قدرات تصنيعية ضخمة لإنتاج اللقاح.

قال بول مانغو، نائب كبير الموظفين لشؤون السياسات في وزارة الصحّة والخدمات الإنسانية والعضو رفيع المستوى في "عملية السرعة الفائقة": "الأمر أشبه بسباق عالميّ للقدرات التصنيعية، وقد أدركنا أننا سنحتاج إلى قدرة تصنيعية هائلة لإنجاز هذه المهمّة. الهدف هو إنتاج مئات الملايين من الجرعات في ذات الوقت، هذا لم يحصل سابقًا في التاريخ. ولم تكن لدى الولايات المتحدة هذه القدرات التصنيعية الضخمة".

تجدر الإشارة إلى أنّ برنامج "عملية السرعة الفائقة" لا يُعتبر وكالة حكومية قائمة بحدِّ ذاتها، بل هو يشير إلى آلية تنسيق ما بين شركات خاصّة وهيئات حكومية أمريكية، تشمل وزارة الدفاع ووزارة الصحّة والخدمات الإنسانية وإدارة الغذاء والدواء ومركز ومكافحة الأمراض والوقاية منها، وغيرها من الهيئات والوكالات الحكومية. ويعمل في العملية أكثر من 600 موظف من وزارة الصحة و90 موظفًا من وزارة الدفاع.

وقد وصف بول ستوفيلز، كبير العلماء في "جونسون آند جونسون" العملية بأنها "تنسيق يساعد على تجاوز البيروقراطية بسرعة".

ويُذكر أنّ "عملية السرعة الفائقة" مُنحت حتى الآن عقودًا تتعلق باللقاح تُقدَّر قيمتها بـ12 مليار دولار، بميزانية إجمالية تبلغ 18 مليار دولار.

وبالإضافة إلى التحدي المتمثل باللوجستيات والبحوث العلمية، سعى الرئيس ترمب إلى ممارسة الضغوط من أجل التوصل إلى اللقاح قبل الانتخابات الرئاسية في 3 نوفمبر، إلا أنّ مفوّض إدارة الغذاء والدواء، ستيفن هان، أحبط هذه الآمال في سبتمبر حين وضع إرشادات سلامة جديدة أكثر صرامة للموافقة على أيّ لقاح للفيروس، وذلك عقب خروجه من المستشفى بعد إصابته بـ"كورونا". وكان ترمب قد نشر تغريدة هاجم فيها هان قائلًا: "هذه محاولة أخرى للاغتيال السياسي!"، مضيفًا وسمًا باسم هان.

وقد تكون المساهمة الملموسة والبنّاءة الوحيدة للرئيس ترمب في مواجهة الجائحة هي مباركته لإطلاق "عملية السرعة الفائقة"، بعد أن شكّل إنكاره للفيروس تهديدًا حقيقيًّا طَوال أشهُر. وكان الرئيس حينها قد امتنع عن وضع استراتيجية وطنية لمواجهة انتشار الفيروس، تاركًا كل ولاية لتتعامل بشكل منفصل مع الجائحة. ثم عاد ترمب ليدعم مبادرة بقيادة الشركات.

وبحسب مانغو، يوجد اليوم أكثر من 25 موقعًا بدأت بالفعل في عملية التصنيع، أو تستعدّ لتصنيع اللقاحات والقوارير الصغيرة وغيرها من اللوازم الضرورية لإنتاج الجرعات على نطاق واسع، فيما تشرف "عملية السرعة الفائقة" على التقدم من خلال البيانات التي تصل إليها.

ويبدو أنّ هذه المبادرة هي الاستثناء الوحيد في ما يمكن وصفه بالإدارة الكارثية للوباء. وقال بيتر هوتز، عميد الكلّية الوطنية للطبّ المداري في جامعة بايلور للطبّ في هيوستن: "إنّ الجانب الوحيد للوباء الذي واجهه ترمب هو ما يتعلق بدور إنتاج الشركات". وأضاف: "لم يتفهم أنّ الجزء الأصعب هو الوقت الكافي لضمان فاعلية اللقاح. وصوّر الأمر دائمًا على أنه مشكلة في التصنيع. وكان ترمب يستخدم علاقته الشخصية مع الرؤساء التنفيذيين ليحثهم على بداية التصنيع".

إلى ذلك، فإنّ تسمية مهمّة البحث عن لقاح بـ"عملية فائقة السرعة" ليست بالأمر المطمئن بالنسبة إلى كثيرين، إذ استُوحِيَ الاسم من مسلسل "ستار ترك" الشهير، ويدرك متابعو المسلسل أنه حين تسافر مركبة إلى الفضاء بسرعة فائقة فقد تقع مشكلة.

ومن جهته، كان أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، قد أعرب عن قلقه حيال اسم البرنامج، مشيرًا إلى أنه يوحي بالتهوّر، فيما يصرّ على عدم وجود أيّ تسرع في الإجراءات المعتمدة. وبعيدًا عن مسألة الاسم، فإنّ فكرة "عملية السرعة الفائقة" تبدو منطقية.

وعلى هذا الصعيد، يتعاون منصف السلاوي، وهو خبير مرموق في مجال اللقاحات في القطاع الخاصّ والمدير التنفيذي السابق في شركة "غلاكسو سميث كلاين"، مع الخبير الاستراتيجي العسكري غوستاف بيرنا، وهو جنرال يحمل أربع نجوم وكان يرأس قيادة الموادّ في الجيش الأمريكي، وهو يتولى اليوم رئاسة العمليات في "عملية السرعة الفائقة".

ولا يقدّم الرجلان معًا صورة متناغمة، ففي إحدى الزيارات التي قاما بها مؤخرًا إلى مستشفى مشارك في تجارب اللقاح في سينسيناتي، ظهر بيرنا بالبزّة العسكرية فيما ارتدى السلاوي قميصًا أزرق عاديًّا. والسلاوي، الذي هو عالِم أمريكيّ يحمل الجنسية البلجيكية من أصول مغربية، اختير تحت قيادته عدد من اللقاحات المحتملة لـ"كورونا"، التي يُطوِّرها بعض كبرى شركات الأدوية في العالم، بالإضافة إلى شركات جديدة لم يُتعامل معها من قبل.

ومن خلال دعم عدة لقاحات، تسعى "عملية السرعة الفائقة" إلى تعزيز حظوظها في أن ينجح أحدها، على أمل أن يحدث ذلك بأسرع وقت.

وفي هذا الإطار، وإلى جانب الاستثمارات في شركات مختلفة، حرص السلاوي أيضًا على الاستثمار بطرق مختلفة في تصنيع اللقاح.

على سبيل المثال، تُجري شركة "موديرنا" وشركة "فايزر" (الأخيرة بالتعاون شركة "بيون تيك" الألمانية) اختبارات على لقاحات تستخدم الحمض النووي الريبوزي الذي يعطي أوامر لجسم الإنسان لصُنع البروتينات الفيروسية، التي تسهم بدورها في استجابة الجسم المضادّ ضدّ فيروس "سارس كوف 2" الذي يتسبب بـ"كوفيد"، فيما في المقابل تستخدم "جونسون آند جونسون" و"أسترازينيكا" تقنية الناقل الفيروسي، إذ يحمل فيروس الزكام تركيبة فيروس "كورونا" الجينية لإحداث ردّ فعل مناعيّ.


ومن ناحية أخرى، تستخدم شركات "نوفافاكس" و"غلاكسو" و"سانوفي" بروتين السنبلة (spike) الموجود في الفيروس بمساعدة مادة داعمة للقاح ومعززة للمناعة تحفّز الجسم على إنتاج الجسم المضادّ. وكانت "فايزر" الأُولى التي أعلنت أنها توصلت إلى لقاح وتقدمت بطلب الحصول على تصريح بنهاية نوفمبر.

وعلى عكس الشركات الأخرى، قررت "فايزر" أن تدفع بنفسها تكلفة الاختبارات والإنتاج على أن تستعيد جزءًا من استثمارها حين يحصل اللقاح على التصريح وتشتري "عملية السرعة الفائقة" اللقاح.

ويستفيد السلاوي من دخوله حديثًا إلى العمل الحكومي، فهو يقول: "إنّ الجميع ينتمي إلى طرفٍ ما، وقدوم شخص من الخارج لا يعرف كل التاريخ والسياسة والبيروقراطية القائمة، ويركز فقط على تكامل العمل، هو ما شكّل عاملًا مهمًّا أسهم في تسريع فاعلية (عملية السرعة الفائقة)".

وكانت "عملية السرعة الفائقة" أعلنت في منتصف سبتمبر الماضي عن كيفية توزيع اللقاح، واختارت لهذه العملية اسمًا ذا طابع عسكريّ هو "مِن المعمل إلى الجبهات". وقال الجنرال بول أوستروسكي، نائب الجنرال بيرنا، إنّ الهدف هو بدء التسليم في غضون 24 ساعة من صدور أيّ موافقة أو تصريح طارئ للقاح، مشيرًا إلى أنّ عملية التوزيع ستكون مركزية ومن إعداد شركة "ماكيسون" (McKesson Corp)، وهي شركة لتوزيع الأدوية مقرُّها في تكساس ولديها عقد قائم مع مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها من أجل تسليم اللقاحات.

ولتتبُّع الجهة التي تؤول إليها كل جرعة، اعتمدت "عملية السرعة الفائقة" نظام كمبيوتر متكاملًا يستند إلى أنظمة مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها. وتتوقع "عملية السرعة الفائقة" إنشاء ما يصل إلى 75 ألف مركز لحقن اللقاح على امتداد البلاد.

وكانت الولايات قد أرسلت إلى مركز مكافحة الأمراض اقتراحات حول كيفية إدارة التوزيع محليًّا، ولكن في منتصف أكتوبر تقدّمت رابطة حكّام الولايات من الحزبين بقائمة طويلة من الأسئلة لإدارة ترمب تشمل مسائل تتراوح بين التمويل وإيجاد أماكن مناسبة للتخزين، وهو ما يُظهِر أنّ الولايات غير مقتنعة بوجود خطة فيدرالية عملية.

ويتساءل بعض المراقبين ما إذا كان فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية سيؤثر في سير البرنامج. وفي هذا الصدد يقول مانغو إنّ الأمر لن يُحدِث فرقًا، فالولايات المتحدة على الطريق لإنتاج أكثر من 100 مليون جرعة من لقاح "كورونا" من إنتاج شركات مختلفة بحلول نهاية العام، وبحلول يوم التنصيب "سيكون الجزء الأكبر من العمل الشاقّ قد أصبح خلفنا". هذا، وكانت حملة بايدن خلال العملية الانتخابية الأخيرة قد أعلنت أنها ستستمرّ في دعم العلماء المنخرطين بـ"عملية السرعة الفائقة". وقال المتحدث باسم الحملة، أندرو بايتس: "سيقدّم جو بايدن وكمالا هاريس القيادة التي لم توفرها إدارة ترمب من أجل تمكين العلماء، بما يشمل (عملية السرعة الفائقة)، وذلك لضمان الحصول على لقاح آمن وناجح، وتوزيعه بشكل متساوٍ وفعّال ومجانيّ على كل الأمريكيين".

وبحسب مانغو فإنّ أكثر من 600 مليون حقنة ستكون جاهزة بحلول نهاية أبريل 2021. ولكن يقبع خلف هذه الأرقام الضخمة واقع يكتنفه الغموض ويتأثر بعدة متغيرات، إذ إنّ خمسة من أصل اللقاحات الستة المدعومة من "عملية السرعة الفائقة" تحتاج إلى جرعتين، وقد لا توافق إدارة الغذاء والدواء عليها كلّها، ما يعني أنّ الملايين من الجرعات قد تُرمى في النفايات في حال عدم حصولها على الموافقات (بالفعل اضطُرَّت "أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" إلى وقف اختباراتهما في الولايات المتحدة بسبب مخاوف متعلقة بالسلامة، ثم استأنفتا العمل في 23 أكتوبر).

كذلك فإنّ لكل لقاح من هذه الشركات طريقة تخزين خاصة به، فمثلًا لقاح "فايزر" يجب أن يُحفَظ في حرارة 70 درجة مئوية تحت الصفر مما يصعب عملية توزيعه.

وربما لم تكُن "عملية السرعة الفائقة" بهذه الأهمية لولا سلسلة القرارات التي اتُّخِذَت، والتي ثبت اليوم قِصَر نظرها الكارثي، إذ كان خبراء الصحّة يحذّرون من انعدام الجاهزية لمواجهة الأوبئة منذ عقدين من الزمن، إلا أنّ تنبيهاتهم وُجِّهَت إلى عدد من القضايا الأخرى مثل الاعتداءات الإرهابية (التي تستخدم الأسلحة البيولوجية).

وتجلّت تلك المخاوف في مناورة "الشتاء المظلم" (Dark Winter) التي حدثت في يونيو 2001، حين اجتمع عدد من المسؤولين وصنّاع السياسات الأمريكيين في إطار محاكاة هجوم بالأسلحة البيولوجية يرتبط بمرض الجدري. وقد تناولت المناورة عديدًا من الأمور التي حصلت بالفعل في الولايات المتحدة في خلال وباء "كورونا"، بما في ذلك نقص القدرة الاحتياطية لمعالجة المصابين وصعوبة السيطرة على الوباء.

ولكن عقب مناورة "الشتاء المظلم"، وقعت هجمات 11 سبتمبر، بالإضافة إلى سلسلة من الهجمات بالجمرة الخبيثة، التي نالت تغطية واسعة في الولايات المتحدة، ليبدأ فصل جديد من الإنفاق الحكومي الهادف لمواجهة الهجمات الإرهابية بأسلحة بيولوجية.

ووقتها كانت شركة "إيميرجنت"، التي كانت تُعرف حينها باسم "بيو بورت" (BioPort Corp)، الشركة الوحيدة المنتجة للقاح الجمرة الخبيثة الحائز على تصريح من إدارة الغذاء والدواء. وسرعان ما بدأت الحكومة الفيدرالية بتخزين ملايين الجرعات.

وفي عام 2004، صوّت الكونغرس على قانون "مشروع الدرع البيولوجية" الذي خصص 5.6 مليار دولار في خلال عقد من الزمن لتطوير وشراء "إجراءات طبية مضادة"، أي لقاحات وعلاجات تُستخدم في مواجهة الاعتداءات البيولوجية والكيميائية لصالح "المخزون الوطني الاستراتيجي"، بما في ذلك لقاح "إيميرجنت" المضادّ للجمرة الخبيثة، إلا أنّ ذلك القانون لم يصمّم لمواجهة الأمراض المعدية التي تنشأ طبيعيًّا، على الرغم من صدوره في أعقاب متلازمة الالتهاب التنفّسي الحادّ "سارس" الناجم هو الآخر عن فيروس "كورونا". وكان "سارس" قد أصاب 8 آلاف شخص حول العالم وأدى إلى وفاة 774 شخصًا، وكان لا يزال يتفشى من حين إلى آخر في آسيا في ذلك العام.

في حينها، لم تكُن شركات الأدوية متحمسة للاستثمار في تطوير عقاقير ولقاحات لصالح "المخزون الوطني الاستراتيجي"، فمثل هذه اللقاحات غالبًا ما يتطلب مغامرات بحثية فيها مخاطرة مع احتمال ضعيف لدرّ الأرباح. لذا، في عام 2006 أنشأ الكونغرس "هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم" (Barda) بنيّة ملء هذا الفراغ.

قبضة الدفاع البيولوجي

ومن خلال سلسلة من العقود والاستحواذات الممنوحة من الهيئة، أحكمت "إيميرجنت" قبضتها على قطاع الدفاع البيولوجي. وفي عام 2017 فازت بعقد لتوفير 19 مليون جرعة من لقاحات الجمرة الخبيثة لـ"المخزون الوطني الاستراتيجي"، ثم استحوذت بعدها على منشأة في بالتيمور وحدّثتها، إذ تنتج اليوم اللقاحات المضادة لـ"كوفيد".

وفي سيناريو مختلف لإنتاج اللقاحات بشكل أسرع، في عام 2012 حصل هوتيز، الباحث في جامعة بايلور، على منحة كبيرة من المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية من أجل إنتاج لقاح مضاد لـ"سارس"، إلا أن مدة المنحة انتهت في عام 2017 على الرغم من أن اللقاح بدا واعدًا. ولم يستطع هوتيز تأمين تمويل بديل لإجراء الاختبارات على البشر. وهو يقول اليوم إنّ هذا اللقاح كان يمكن أن يؤمّن بعض الحماية من فيروس "كورونا" المستجد. وأضاف: "كان موجودًا لدينا في الثلاجة، إلا أنّ هذه المنتجات ليست مدرّة للأموال".

وكان الرئيس السابق باراك أوباما قد أعلن في خطاب في أكتوبر أنه ترك لإدارة ترمب مستندًا من 69 صفحة حول كيفية التعامل مع مسببات الأمراض الناشئة، بما فيها فيروس "كورونا". وقال أوباما: "لقد تركنا لهذه الإدارة كتيبًا إرشاديًّا حول الأوبئة"، إلا أنّ إدارة ترمب اعتادت التخلي عن المبادرات التي تعود إلى حقبة أوباما. ففي عام 2018، حلّ مستشار الأمن القومي في إدارة ترمب، جون بولتون، مديرية الأمن الصحّي العالمي والدفاع البيولوجي التي أنشأها أوباما عقب تفشي وباء "إيبولا" في عام 2014، لتنسيق استجابة البيت الأبيض لتفشي الأمراض المعدية حول العالم. وغرّد بولتون وقتها قائلًا "إنّ الصحة العالمية لا تزال في صدارة أولويات مجلس الأمن القومي"، مؤكدًا أنّ الخبراء تعاملوا بفاعلية مع تفشي وباء "إيبولا" في 2018 و2019.

ولطالما كانت مسؤولية التخطيط لمواجهة الأوبئة موزَّعة على كل مؤسسات الحكومة الفيدرالية، فلا توجد جهة مسؤولة واضحة مثل الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، وربما أقرب ما يكون إلى ذلك هو مكتب مساعد وزير الصحة لشؤون الاستعداد والاستجابة برئاسة روبرت كادلك، وهو طبيب وعقيد متقاعد في القوات الجوية، وكان قد تسلّم الإشراف على ميزانية "المخزون الوطني الاستراتيجي" البالغة 650 مليون دولار بعد عام من تعيينه من قِبل ترمب، بعد أن كانت تحت إشراف مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها.

وكان كادلك أيضًا قد شغل منصب مستشار في شركة "إيميرجنت" ولديه علاقات عمل مع مؤسِّس الشركة، بحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" صدر في مايو الماضي. وردًّا على سؤال حول ما إذا كانت علاقة "إيميرجنت" بكادلك قد أسهمت في منحها معاملة تفضيلية، قالت الشركة إنها عملت مع عدة إدارات أمريكية، من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري. هذا وكانت إيرادات "إيميرجنت" قد ارتفعت بأكثر من الضعف لتصل إلى 1.1 مليار دولار في عام 2019، بعد أن كانت 488 مليون في عام 2016. ومع تفشي الوباء، كان لدى "المخزون الاستراتيجي الوطني" ملايين الجرعات من لقاح الجمرة الخبيثة وما يكفي من لقاحات الجدري لتلقيح كل مواطن أمريكي.

وعلى الرغم من غياب إدارة متخصصة للتجهُّز للأوبئة، فإنّ هذا لا يعني أن كادلك لم يكُن مدركًا لوجود مخاطر من تفشي الأوبئة لأسباب طبيعية، فقد أشرف مكتبه في عام 2019 على محاكاة لتفشي وباء إنفلونزا مصدره الصين. وأظهرت المناورة التي حملت اسم "العدوى القرمزية" مدى عدم جهوزية الولايات المتحدة لمواجهة فيروسات مثل فيروس "كورونا" المستجد. وقال كادلك في شهادة أمام الكونغرس في ديسمبر 2019 إنّ الولايات المتحدة تفتقر إلى القدرات الإنتاجية الكافية لكلّ الموادّ الأساسية لمواجهة الأوبئة، من لقاحات وعلاجات وحقن وأقنعة جراحية، وبالتالي فإذا كان هدف تلك المحاكاة إحداث تغيير فعليّ في التخطيط الحكومي، فيبدو أن هذا التغيير لم يحصل في الوقت المناسب.

وفي 13 يناير، شعر رئيس قسم التصنيع والعمليات التقنية في "إيميرجنت"، شون كيرك، بالقلق فيما كان يتابع الأخبار حول انتشار مرض تنفسيّ في مقاطعة ووهان في الصين، فتوجّه إلى زملائه الذين يديرون سلسلة الإمداد العالمية الخاصة بالشركة وطالبهم بتأمين المواد الخام الأساسية. وقال كيرك: "كنت أخشى أن يتفاقم الوضع". وفي وقت لاحق من ذلك الشهر قدمت "إيميرجنت" مستندًا تقنيًّا إلى "هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم" لتذكّرها بكل ما تستطيع الشركة أن تقوم به.

وكان ريك برايت، المدير السابق لـ"هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم"، قد كشف عن بطء الحكومة الفيدرالية في العمل على إعداد اللقاحات. وقال إنه طُرِد من منصبه في شهر أبريل بعد أن رفض الضغوط عليه للسماح باعتماد عقار "هيدروكسي كلوروكين" المستخدم لعلاج الملاريا، والذي كان ترمب يسعى إلى الترويج له على الرغم من عدم وجود اختبارات تُظهِر سلامته وفاعليته. وكان برايت حاول في شهر يناير إقناع كادلك ووزير الصحة أليكس عازار بتخصيص تمويل لتطوير دواء وتشخيص لفيروس "كوفيد"، ولكنهما رفضا. وردّت وزارة الصحة في بيان مكتوب أن برايت لا يمكن أن يعرف من موقعه كل ما يحدث من أجل مكافحة الوباء. ولم يستجب برايت على طلبنا بالتعليق في هذا المقال.

ومع ذلك، استمرّت "هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم" في العمل على مواجهة فيروس "كوفيد"، وتواصلت في شهر يناير مع شركة "جونسون آند جونسون" لمناقشة إمكانية استخدام الشركة للنهج نفسه الذي كانت استخدمته في تطوير لقاح "إيبولا"، بحسب ما قاله ستوفلز، كبير العلماء في الشركة، وهو نقل عن الخبراء في الهيئة قولهم: "نعرف أن التقنية التي تمتلكونها متطورة ويمكنكم الإنتاج على مستوى ضخم". وفي خلال ثلاثة اجتماعات عُقِدَت في واشنطن في شهر فبراير، تمكّنت الشركة والهيئة من وضع خطة لتطوير اللقاح.

ومع إعداد العقد الأوّلي، كانت "جونسون آند جونسون" قد بدأت محادثات مع "إيميرجنت" حول حجز القدرة التصنيعية، ثم في 30 مارس أعلنت وزارة الصحة عن تخصيص 456 مليون دولار لدعم التجارب السريرية وتصنيع اللقاح المحتمل من "جونسون آند جونسون"، ثم 883 مليون دولار لـ"موديرنا". وفي أبريل وقّعت "إيميرجنت" على عقد أوّلي بقيمة 135 مليون دولار من أجل تصنيع لقاح "جونسون آند جونسون"، على أن يبدأ جزء من العمل في 2020 وتبدأ مرحلة الإنتاج على المستوى الضخم في بداية 2021.

وفي منتصف أبريل، كان معدّل الوَفَيَات اليومية الناجمة عن فيروس "كوفيد" يرتفع بسرعة، في ظلّ تصاعد الضغوط باتجاه اتخاذ إجراءات سريعة. وكان المسؤولون في وزارة الصحّة يبحثون في كيفية إطلاق "عملية السرعة الفائقة"، فيما رأى البعض أنّ إنشاء هيئة جديدة أمر غير ضروري بما أنه توجد أصلًا أجهزة تنسيق بين الوكالات كانت الحكومة تعتمدها لمواجهة فيروس "إيبولا".

وعلى الرغم من أنّ الإعلان الرسمي عن إطلاق "عملية السرعة الفائقة" كان في منتصف شهر مايو، فإنّ وزارتي الصحّة والدفاع بدأتا في الإعداد لها من خلال إجراء مقابلات مع عشرة مرشحين محتملين لتولي منصب كبير المستشارين. وقد أجرى عازار ووزير الدفاع مارك اسبر والمستشار في البيت الأبيض، صهر الرئيس ترمب، جارد كوشنير، مقابلة مع السلاوي ووجدوا فيه الشخص المناسب لهذا المنصب.

وانضمّ السلاوي إلى مشروع "عملية السرعة الفائقة" بصفته متعاقدًا خارجيًّا، لا موظفًا حكوميًّا، ما يعني أنه لا يخضع للقواعد الأخلاقية الفيدرالية في ما يخصّ الكشف عن ثروته وتصفية أسهم محفظته الاستثمارية التي يمكن أن تتعارض مع دوره الجديد. وقد وافق السلاوي على العمل مع "عملية السرعة الفائقة" مقابل راتب رمزيّ يبلغ دولارًا واحدًا، على أن تُغطى نفقاته بموجب عقد منحته وزارة الصحة شركة "أدفانس ديسجن فاكتورز" ومقرّها مدينة الإسكندرية في ولاية فرجينيا، وتتولى الشركة دفع المكافآت لعدد من الاستشاريين العاملين مع "عملية السرعة الفائقة".

لكن السلاوي كان تعرّض لانتقادات حادّة من قِبل النوّاب الديمقراطيين في الكونغرس الذين اتهموه بتضارب المصالح مع الشركات المدعومة من "عملية السرعة الفائقة"، ومع ذلك هو ينفي هذا الأمر بحزم، ويقول إنه عضو مسجّل في الحزب الديمقراطي انضم إلى "عملية السرعة الفائقة" لأنه يؤمن بأنّ إيجاد لقاح أهمّ من السياسات الحزبية.

التاريخ المهني للسلاوي

ترأّس السلاوي قسم اللقاحات في شركة "غلاكسو سميث كلاين"، وشغل منصب عضو مجلس الإدارة في "موديرنا"، وفي شركة الأدوية السويسرية "لونزا غروب" لفترة وجيزة، وهي الشركة التي تختارها "موديرنا" لصنع لقاحاتها. وعند انضمامه إلى "عملية السرعة الفائقة"، استقال من "لونزا" و"موديرنا" وتعهّد ببيع كل أسهمه في "موديرنا"، إلا أنه أصرّ على الاحتفاظ بأسهمه التي تقدَّر بملايين الدولارات في "غلاكسو" التي اعتبر أنها تشكّل ضمانته التقاعدية، ولكنه تعهّد بالتبرّع بأيّ أرباح يحققها منذ تاريخ بدء العمل في "عملية السرعة الفائقة" لـ"معاهد الصحة الوطنية". كما نفى أن يكون قد شارك في التفاوض على الاتفاقات التي جرت مع "موديرنا" أو مع شراكة "سانوفي-غلاكسو"، وقال: "بقيت خارج الموضوع تمامًا".

وفي الثاني من يوليو، قدّم مدير "معاهد الصحة الوطنية" فرانسيس كولينز، ومدير "هيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم" بالوكالة غاري ديسبرو، شهادتهما أمام الكونغرس حول "عملية السرعة الفائقة"، ولكنهما رفضا كشف التفاصيل حول الطريقة التي ستختار فيها المبادرة اللقاحات التي ستموّلها. وكانت "عملية السرعة الفائقة" قد أعلنت في ذلك الحين عن تخصيص 1.2 مليار دولار للقاح "أسترازينيكا" الذي تطوّره جامعة أوكسفورد.

وحين سأله النوّاب الديمقراطيون عن عدد اللقاحات التي سيدعمونها، أجاب ديسبرو ضاحكًا: "أكثر من واحد". وأضاف: "آسف، الأمر يتعلق بحساسية مسألة التوريد". وفي خلال الأسابيع الستة التالية، منحت "عملية السرعة الفائقة" عقودًا بقيمة تتجاوز 8 مليارات دولار لدعم خمسة لقاحات إضافية، من "جونسون آند جونسون" و"موديرنا" و"نوفافاكس" و"فايزر" و"سانوفي" بالشراكة مع "غلاكسو".

وكانت الحكومة قد كشفت خلال الصيف عن بعض العقود التي أخضعتها لكثير من التنقيح، وذلك بموجب قانون حرّية المعلومات. ولكن بالنسبة إلى السلاوي فإنّ كل هذا الضجيج غير مبرر، فيقول: "إنها مجرَّد عقود عادية، لا يوجد شيء مميز فيها باستثناء المبلغ المالي، وهذا يرتبط بتكلفة تطوير اللقاحات". وكانت مجموعة "Public Citizen" رفعت دعوى قضائية في منتصف شهر أكتوبر تطالب بالكشف عن العقود المتعلقة بفيروس "كورونا". وفي نهاية أكتوبر، كشفت وزارة الصحة عن عقد "موديرنا" ولكن بعد كثير من التنقيح.

وبفضل الاتفاقيات التي عقدتها "عملية السرعة الفائقة"، تمكّن كثير من المديرين التنفيذيين من جمع أموال هائلة، فقد حقق المديرون التنفيذيون في "مودرينا" أرباحًا تقدَّر بــ115.5 مليون دولار من بيع أسهم في الشركة بين 15 مايو و31 أغسطس، بحسب مجموعة "أكاونتابل فارما" غير الحزبية المتابعة للقطاع.

وقال المتحدث باسم "مودرينا" إنّ بيع الأسهم جرى من خلال برامج مُعَدّة سابقًا وبما ينسجم مع اللوائح التنظيمية للتداول الداخلي. ومن جهتهم، حقق المديرون التنفيذيون في "إيميرجنت" 5 ملايين دولار من بيع الأسهم في خلال الفترة نفسها. وفي سبتمبر، باع رئيس مجلس الإدارة التنفيذي للشركة، فؤاد الهبري، 80 ألف سهم إضافيّ، محققًا ربحًا صافيًا بلغ 8.1 مليون دولار. وعلقت "إيميرجنت" في بيان أنّ المديرين التنفيذيين يبيعون الأسهم بشكل دائم ويلتزمون القوانين التي تحكم الصفقات المالية. وقد ارتفعت أسهم "إيميرجنت" بنسبة 78% هذا العام حتى 23 أكتوبر.

ووصف المتحدث باسم "أكاونتابل فارما" ما يجري بـ"التجارة الممتازة" بالنسبة إلى الشركات المدعومة من "عملية السرعة الفائقة"، وبحسب ما قال فإنّ "الجانب السلبي يغطيه دافعو الضرائب، والجانب الإيجابي أصبح في جيوب الشركات".

وبعد الإعلان عن منح "عملية السرعة الفائقة" عقدًا بقيمة 628 مليون دولار لشركة "إيميرجنت" في يونيو، توجّه بيرنا والسلاوي إلى منشأة التصنيع التابعة للشركة في بالتيمور من أجل إيصال الرسالة بأنّ الجيش الأمريكي بأكمله مستعدّ للمساعدة لتصحيح أيّ خلل في سلسلة الإمداد. ونقل حسين من "إيميرجنت" عن بيرنا قوله لهم إنّ أيّ شيء يطلبونه سوف يتوافر، وإن "كل يوم وكل يوم ساعة يحدثان فرقًا".

وعلى هذا الصعيد، وصف بعض المديرين التنفيذيين في شركات الأدوية الدور الذي يلعبه الجيش في تسريع عملية تصنيع اللقاح بالنقطة المضيئة في سياق الاستجابة الفيدرالية للوباء. ومع ذلك، يفتقر العمل بشكل عام إلى الشفافية.

وكان أوسترووسكي، نائب بيرنا، قد شرح أنّ "عملية السرعة الفائقة" تدخّلت لدى المورّدين الذين يعملون مع "موديرنا" من أجل تسريع تأمين طلبيات المواد والموارد الأساسية، دون أن يخوض في التفاصيل. وقال في رسالة إلكترونية ردًّا على أسئلة "بلومبرغ بزنس ويك": "أرفع القبعة لهؤلاء الأمريكيين العظماء الذين يريدون أن يكونوا جزءًا من نهاية هذا الوباء".

وتُعتبر "موديرنا" المتلقي الأكبر لأموال دافعي الضرائب، بمجموع يصل إلى 2.5 مليار دولار من أجل تطوير وتوريد اللقاح، بينها دفعة عن أول إنجاز مرحليّ في حال تمكّنت من تسليم 100 مليون جرعة بحلول 31 يناير 2021 حاصلة على موافقة طارئة من إدارة الغذاء والدواء أو تصريح كامل. وكانت "موديرنا" أعلنت في بيان أنها تتعاون مع عدة وكالات فيدرالية، ولكنها رفضت الإفصاح عن نوع الدعم الذي تتلقاه. وقال متحدث باسم الشركة إنّ الدفعة عن الإنجاز المرحلي لن تلزمها تسريع الجدول الزمني لاختباراتها.

وفي ظلّ المخاوف العالمية من نقص الموادّ الأساسية اللازمة لتنفيذ برنامج تلقيح واسع النطاق، وقّعت "عملية السرعة الفائقة" عقودًا من أجل تمويل التصنيع الضخم لمئات الملايين من القوارير. وحصلت شركة "كورنينغ" على تمويل بقيمة 204 ملايين دولار من "عملية السرعة الفائقة" في يونيو الماضي من أجل تعزيز قدراتها على إنتاج قوارير زجاجية متخصصة. كما تُجري الشركة اتصالات أسبوعية مع "عملية السرعة الفائقة"، ولجأت إلى نظام بموجب قانون الإنتاج الدفاعي يمنحها الأولوية لدى المورّدين. وقال براندن موشير، رئيس قسم التقنية الصيدلانية في شركة "كورنينغ": "نحن نعمل بسرعة أكبر بثلاث مرّات مما نفعل في العادة".

ولا ترى كل الشركات علاقتها بـ"عملية السرعة الفائقة" على أنها سرّ عسكريّ، فشركة "SiO2" للمواد العلمية في أوبرن ألاسكا أعلنت عن الفوز بعقد بقيمة 143 مليون دولار في يونيو الماضي من أجل إنتاج 120 مليون قارورة بلاستيكية ذات تغليف زجاجيّ رقيق تُستخدم في اللقاح الذي تُعِدّه "موديرنا" واللقاحات التي تُعِدّها شركات أخرى رفضت الإفصاح عنها.

قانون الإنتاج الدفاعي

وقال لورانس غانتي، رئيس قسم عمليات العملاء في "SiO2"، إنّ الشركة استخدمت قانون الإنتاج الدفاعي من أجل حل مجموعة من المشكلات والحفاظ على سير الإنتاج. ومثالًا على ذلك، اضطرّ أحد مورّدي الشركة خارج شيكاغو إلى التوقف عن العمل بسبب انقطاع محليّ في التيار الكهربائي. وقال غانتي إنه اتصل برئيسة القسم القانوني في شركة الطاقة وأعطاها رسالة بموجب قانون الإنتاج الدفاعي، وعاد التيار الكهربائي في غضون 45 دقيقة. وأضاف: "لقد فهموا مدى أهمية العمل الذي نقوم به".

من جهته، أعرب مانغو عن ثقته بأنّ الولايات المتحدة ستكون جاهزة لتلقيح ملايين الأشخاص بحلول نهاية العام. وقال: "ستكون اللقاحات جاهزة على الرف"، دون أن يحدّد إلى لقاح أيّ شركة يشير. وأضاف: "سنؤمن كل الحقن والسدادات والقوارير، كل شيء سيكون جاهزًا للشحن في اليوم الذي تعطينا فيه إدارة الغذاء والدواء الضوء الأخضر".

ولكن إذا كانت "إيميرجنت" المرجع فيبدو أن التزام الجدول الزمني الذي ذكره مانغو صعب التحقيق، فالجرعة الأُولى من لقاح "أسترازينيكا" لن تتوفر حتى آخر يناير على أقرب تقدير. وكان الإنتاج قد بدأ أخيرًا في منتصف سبتمبر، ولكن إنتاج جرعات ضخمة سيستغرق 90 يومًا على أن تُشحَن بعدها إلى شركة أخرى هي "كاتالينت" في سمورسيت بولاية نيوجيرسي من أجل تعبئة اللقاح في القوارير، وهذه عملية تستغرق 45 يومًا بما يشمل فحوصات مراقبة الجودة. وكان فاوسي قد أكّد في آخر أكتوبر أنّ اللقاحات لن تتوفر في الولايات قبل يناير، هذا إذا توفرت حينها.

ومع وجود عدة لقاحات محتملة، يمكن لـ"عملية السرعة الفائقة" أن تلجأ إلى شركات أخرى في حال لم يحظَ اللقاح المرشح من "إيميرجنت" على تصريح، إلا أنّ انخفاض عدد التصاريح قد يعرقل فرص توصيل ملايين الجرعات بسرعة، وذلك في وقت يحتاج العالم فيه إلى عودة الحياة إلى طبيعتها.

وشرح مانغو أنّ "نجاح (عملية السرعة الفائقة) لا يكون من خلال إنتاج ستة لقاحات فعالة، بل إنتاج ما يكفي من اللقاحات وبما يكفي من الكميات لتلقيح الأمريكيين الأكثر عرضة للوباء". وأضاف: "فرصة أن تنجح ستة لقاحات من أصل ستة ضمن الإطار الزمني الذي نسعى إليه، شبه مستحيلة".

لكن التهديد الأكبر الذي تواجهه "عملية السرعة الفائقة" ليس في العلوم ولا التحديات اللوجستية، بل في رفض السكّان أخذ اللقاح الموافق عليه. فقد أظهرت دراسة صادرة عن مركز "بيو" للأبحاث أنّ 51% فقط من الراشدين الأمريكيين أجابوا بأنهم سيأخذون اللقاح على الأرجح أو بالتأكيد، أي بتراجع عن نسبة 72% التي كانت قد سُجّلَت في مايو.

وعلق السلاوي قائلًا: "أعتقد أنّ ذلك يعود إلى تسييس هذه العملية وكون الأمر يحصل في سنة انتخابية، في ظلّ ما يجري سياسيًّا في البلاد". ويأمل السلاوي في تلقيح ما بين 60 و70% من الأمريكيين، وفي هذه الحالة لن يختفي الوباء، بل سينحسر. ويقول: "تفشي الفيروس سيتراجع بصورة كبيرة، وستتراجع الإصابات، والأشخاص المعرضون للخطر سيتمكنون من النجاة، والحياة ستعود إلى طبيعتها. وهذا ما أتطلع إليه".

تصنيفات