ينظر المستثمرون في السندات إلى شيئين: قدرة الشركة على السداد، ورغبتها في الدفع، فالأول، هو أمر محاسبي وتجاري خالص، أما الآخر، فيعدُّ مسألة ثقة.
ويوم الجمعة، أرسل بنك الشعب الصيني إشارتين؛ وقال، إنَّ المخاطر المالية التي تفرضها مجموعة "تشاينا إيفرغراند"، التي لديها التزامات تزيد على 300 مليار دولار، كانت "خاضعة للسيطرة"، وذلك بمثابة إشارة رمزية على أنَّه "لا حزمة إنقاذ"، وهو ما خيَّب أمل المستثمرين الذين كانوا يأملون في واحدة فقط.
لكن إليكم الأخبار السارة أيضاً؛ فقد حثَّ مسؤول في البنك المركزي المطورين العقاريين ومساهميهم على الوفاء بالتزاماتهم المتعلقة بالديون، وكان ذلك التحذير لشركة "فانتازيا هولدينغز غروب"، وأي شركة أخرى قد ترغب في تقليدها، فقد حان وقت السداد.
شهد أكتوبر الجاري أسوأ عمليات بيع في عشر سنوات في قطاع السندات الصينية المقوَّمة بالدولار ذات العائد المرتفع، ومن اللافت للنظر أنَّ العامل المحفِّز لهذا الذعر في السوق لم يتمثَّل في "إيفرغراند"، التي سعَّر المتداولون مخاطرها بالفعل في سبتمبر، وإنَّما تمثَّل في "فانتازيا"، وهي مطورة عقارية أصغر بكثير، ويتم تجاهلها في الغالب، وتحتل المرتبة 64 في قطاع العقارات بالصين.
رفض السداد
في الرابع من أكتوبر، أدى فشل "فانتازيا" في سداد سندات بقيمة 206 ملايين دولار إلى تراجع السوق، وكان لديها المال اللازم للدفع- أو على الأقل كان هذا الانطباع الذي أعطته - لكنَّها اختارت عدم الدفع، وفي غضون يوم واحد، تراجعت أذونها المستحقة في ديسمبر من 68 سنتاً للدولار إلى 24 سنتاً.
فتحت "فانتازيا" صندوق "باندورا" الذي يُفضِّل العالم إغلاقه بإحكام، وإذا وجدت شركة لا تعجبها آفاقها التجارية المستقبلية، فلا مشكلة؛ إذ يمكنها رفض السداد فقط، مع إجبار الدائنين على إعادة هيكلة الديون، ودفع أصل قروضها بخصمٍ كبير، وقد يكون المستثمرون الذين يمتلكون سندات يتم تداولها حالياً بسعر 20 سنتاً على الدولار ممتنين إذا تمكَّنوا من التخلص منها بـ 50 سنتاً.
وفي اللحظة التي يترسخ فيها هذا النوع من التفكير، ينهار السوق بأكمله، وقد يتمكَّن المستثمرون من التغلب على الألم الناجم عن أزمة السيولة في "إيفرغراند"، ولكن إذا اعتزمت إحدى الشركات "التهرب" - وهو مصطلح يستخدمه المستثمرون في البر الرئيسي لوصف ما تفعله بعض الشركات المدينة غالباً - فإنَّ العقد ليس سوى قطعة من الورق.
العرائس الهاربة
ويعرف بنك الشعب الصيني جيداً "العرائس الهاربة"، ففي نوفمبر الماضي، اضطربت سوق سندات الشركات المحلية في الصين بعد أن تخلَّفت شركة تعدين فحم مملوكة للدولة في مقاطعة خنان عن سداد أذون مقوَّمة باليوان، وكانت الفضيحة هي أنَّها نقلت أصولاً اختيارية بعيداً عن متناول الدائنين في حالة الإفلاس، وثار المستثمرون في السندات، ولأشهر بعد تلك الواقعة؛ لم يكن هناك أي أحد يشتري إصدارات الديون الجديدة من تلك المقاطعة.
والأسبوع الماضي، عندما حثَّ بنك الشعب الصيني المساهمين في شركات التطوير العقاري على السداد، كان يشير إلى مؤسسيهم المليارديرات الذين يملكون المال،
و يعدُّ هوي كا يان، مؤسس "إيفرغراند"، على سبيل المثال، واحداً من أغنى أغنياء الصين، وحصل وحده على توزيعات أرباح بقيمة 5.3 مليار دولار منذ عام 2018، ويمكنه سداد بعض سندات "إيفرغراند" المقوَّمة بالدولار من هذه الأرباح الضخمة.
ومن المحتمل أن يشيد البنك المركزي الصيني بشركة "غوانزو آر أند إف بروبرتيز كو"، وهي شركة تطوير أخرى تسبَّبت في قلق الأيام الماضية، لكن في أواخر سبتمبر؛ سارع مؤسسوها، وتعهدوا بتقديم 1.6 مليار دولار لدعم الميزانية العمومية للشركة، والآن أصبحت نموذجاً يحتذى به.
تدخل مؤثر من المركزي الصيني
وعندما يكسر البنك المركزي صمته، يستمع المطورون، سواء كانوا في الداخل، أو في الخارج. وفي أواخر أغسطس، وفي توبيخ علني نادر، طلب من شركة "إيفرغراند" الامتناع عن نشر معلومات "غير صحيحة"، وذلك بعد تقارير إعلامية منتشرة حول عمليات بيع محتملة مختلفة لأصول الشركة.
وبسرعة كبيرة، نشرت "إيفرغراند" بياناً على موقعها على الإنترنت، معترفة بأنَّ شائعات بيع 65% من شركتها التابعة للسيارات الكهربائية لشركة "شاومي كورب" لم تكن صحيحة، وقالت الشركة، إنَّها تواصلت مع صانعة الهواتف الذكية، لكنَّ الجانبين لم يجريا مناقشات حقيقية.
لذا؛ استمعن أيتها المطورات العقاريات، فقد تحدَّث رئيس الكهنة، وقال: "ربما لا تُحببن ذلك، لكن لا تشعرن بالضيق، واصعدن إلى المذبح، ولا تهربن بمهوركن".