لقاحات الإنفلونزا تستفيد من الحرب على "كورونا"

time reading iconدقائق القراءة - 7
مختصون في أحد معامل إنتاج اللقاحات - المصدر: بلومبرغ
مختصون في أحد معامل إنتاج اللقاحات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أثمرت مليارات الدولارات التي خُصِّصَت لصُنع لقاح مضادٍّ لفيروس "كوفيد-19" نتائج واعدة بحسب الاختبارات التي أجرتها بعض شركات الأدوية مثل "فايزر" و"بيونتيك" و"موديرنا"، وهي ما تُعَدُّ أخباراً جيِّدة جداً في سياق الحرب على الوباء الذي تفشى حول العالم.

وقد شكَّل هذا التقدُّم على صعيد اللقاح بشرى سارة للعلماء الذي يدرسون مرضاً تنفسيًاً وبائيًاً آخر، وهو الإنفلونزا، إذ قد تساعد الإنجازات على صعيد وباء كورونا في تسريع الأبحاث التي يقومون بها.

وقال غريغوري غلين، رئيس قسم الأبحاث في شركة "نوفافاكس" (Novavax Inc) التي تطوٍّر لقاحات لفيروس كورونا، وللإنفلونزا: "إنكم تشاهدون عدة تقنيات تُختبَر في آنٍ واحد"، وأضاف: "ما يجري هو أشبه بأكبر سباق تكنولوجيٍّ في العالم، وسترون بأنفسكم أداء هذه اللقاحات".

وما يشكل تحدياً على هذا الصعيد هو أنَّ فيروسات الإنفلونزا التي تصيب البشر تتغير بشكل مستمرٍّ، لذا تحاول منظمة الصحة العالمية، مرَّتين سنويًاً (في ذروة موسم الإنفلونزا في النصف الشمالي للكرة الأرضية، ثمَّ في ذروته في النصف الجنوبي)، أن تتوقع السلالات التي يُحتمل أن تنشأ في العام التالي. وتستخدم شركات الأدوية هذه المعلومات بغية تطوير اللقاحات، والبدء بعملية الإنتاج.

وعادةً تحقن الفيروسات في مئات الملايين من بيوض الدجاج، وتترك حتى تنمو بضعة أيام قبل البدء في استخراجها. وبعد عدَّة أسابيع من المعالجة، أي في نهاية الصيف، يرسل المصنِّعون حقن الإنفلونزا إلى العيادات والصيدليات، لتُوزَّع على المرضى في بداية فصل الخريف.

وفي بعض السنوات تحقق هذه التقنية نتائج جيدة، وفي سنوات أخرى تأتي النتيجة كارثية. ففاعلية هذه اللقاحات تراوحت بين 10% و60% في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، بحسب خبير الأمراض المعدية الأمريكي أنطوني فاوتشي.

وقال فاوتشي في شهادة له أمام الكونغرس العام الماضي: "ما إن تنطلق عملية تصنيع اللقاح حتى يصبح من شبه المستحيل البدء من الصفر مجدداً في حال نشوء سلسلة مختلفة".

وكانت تقنية حضانة الفيروسات في بيض الدجاج قد طُوِّرت في أربعينيات القرن الماضي من قِبل فريق بحثيٍّ مدعوم من الجيش بقيادة جوناس سولك، الذي اشتُهر لاحقاً بعد تطويره للقاح شلل الأطفال، إلا أنَّ هذه التقنية تشوبها بعض المشكلات، فالفيروس الذي ينمو داخل البيض، يبقى عرضة للتحور، وبالتالي من الممكن ألا يستطيع تأمين الحماية من الأمراض المتفشية بين البشر. وقال جون شايفر، رئيس قسم تطوير اللقاحات في شركة "سانوفي باستور"، وهي الأُولى في صناعة لقاحات الإنفلونزا في العالم: "إنَّ التقنية القائمة على البيض قد يتوقَّف الزمن عندها (لم تتطوَّر بما يكفي)، ووقعت ضحية نجاحها".

لكن التقنيات التي يعتمدها الباحثون الذين يعملون على تطوير لقاح "كوفيد" مختلفة تماماً، فبدل البروتينات الفيروسية تحتوي لقاحات "فايزر" و"بيونتيك" و"موديرنا" على مرسال الحمض النووي الريبي (RNA)، وهو ما يمكن وصفه بالأوامر الجينية التي تحفِّز الجسم على إنتاج مضادات تستهدف مرضاً محدداً، وبالتالي تحوِّل جسم الإنسان بحدِّ ذاته إلى صانعٍ للقاح.

وعلى الرغم من أنَّ هذه التقنية لا تزال في بداياتها، فإنَّ نجاحها ضد فيروس "كوفيد"، قد يعزِّز الثقة باللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبي، ويدعم استخدامها ضد الإنفلونزا وغيرها من الأمراض.

وبحسب ميغان فيتزباتريك، البروفيسورة المساعدة في كلية الطب بجامعة مريلاند، فإنَّ ذلك سيعطي "دفعة كبيرة" على هذا الصعيد، مضيفة: "سنتمكَّن حينها من تجاوز أكبر العراقيل".

كذلك ستستفيد البحوث الهادفة إلى مكافحة الإنفلونزا من تقنية اللقاحات المؤتلفة التي اعتمدتها شركتا "نوفافاكس" و"سانوفي". وتقوم هذه التقنية على استخراج الحمض النووي الفيروسي المسؤول عن التسبُّب برد فعل من قِبل جهاز المناعة، ليُمزَج بعدها مع المواد الجينية القادرة على الدخول إلى خلايا بعض الحشرات مثل العثِّ، إذ تنمو البروتينات بشكل جيِّد وتسهل زراعتها، وبالتالي تنتج مستضدات يمكن حصدها، واستعمالها في صنع اللقاحات.

وكانت شركة تابعة لـ"سانوفي" قد وقَّعت في ديسمبر 2019 عقداً بـ226 مليون دولار مع وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية من أجل توسيع حجم إنتاجها للقاحات المؤتلفة في منشأتها في بنسلفانيا.

وشهد هذا العام اهتماماً قياسيًاً بلقاح الإنفلونزا وسط القلق المتزايد ممَّا يصفه بعضهم بـ"الوباء المزدوج"، إذ توفرت نحو 200 مليون جرعة من لقاح الإنفلونزا في الولايات المتحدة، بارتفاع بنسبة 13% بالمقارنة مع عام 2019. وعلى الرغم من أنَّ اللقاحات القائمة على الزراعة في الخلايا (وهي تقنية لا يُستخدم فيها البيض) ليست معنية حالياً بالحرب على فيروس كورونا، فإنها تستفيد أيضاً بالاهتمام المتزايد بتطوير تقنيات لقاحات جديدة.

وفي هذه التقنية يُزرع الفيروس في خلايا مستخرجة من الثدييات التي تُعدُّ أفضل من البيض، بما أن الفيروس لن يُضطر إلى التكيُّف مع الجسم المضيف كما يحصل في حال استخدام بيوض الطيور. وكانت شركة "CSL Ltd" الأسترالية التي تُعدُّ ثاني أكبر مُنتِج للقاحات الإنفلونزا في العالم قد زادت إنتاجها السنوي من اللقاحات القائمة على الخلايا في معملها في كارولاينا الشمالية من مليونين إلى 30 مليون جرعة، كما أعلنت الشركة أنها ستحدُّ بشكل كبير من إنتاج لقاحات الإنفلونزا المستندة إلى تقنية البيض في الولايات المتحدة مع حلول عام 2026. وفي 16 نوفمبر، كشفت الشركة أنَّها ستخصص 585 مليون دولار لبناء منشأة خاصة بتطوير اللقاحات المستندة إلى الخلايا من أجل تطوير لقاحات ضد الإنفلونزا، وضد سمِّ الأفاعي.

لم يعتمد سوى عدد قليل من الشركات التقنية اللقاحات القائمة على الخلايا حتى الآن، لأنها تتطلَّب كثيراً من الخبرة والاستثمارات المسبقة. كما أنَّ بعض المعنيين بالقطاع لديهم ما يكفي من الأسباب التي تبرر التخلي عن تقنيات الوقاية من الإنفلونزا المعتمدة حالياً، فعلى الرغم من أنَّ شركة "سنوفي" تعمل على توسيع إنتاج اللقاحات المؤتفلة، فإنَّها لن تتخلى عن تقنية البيض. كذلك تقول شركة " GlaxoSmithKline Plc" إنَّ تقنية البيض تمكِّن من إنتاج ملايين الجرعات التي تكفي لصنع مخزون كافٍ من اللقاح سنوياً، بطريقة سريعة وغير مكلفة.

من جهته، يرى ليو بون، وهو رئيس المختبرات العلمية للصحة العامة في جامعة هونغ كونغ، إنَّ الاهتمام المتجدد بالإنفلونزا والأموال التي تُنفَق في مواجهة فيروس "كوفيد" سيساعدان في التخلي عن تقنية البيض مع انتشار تقنيات جديدة. وأضاف: "سيسهم ذلك بالتأكيد في تطوير لقاحات أفضل، وأكثر فاعلية ضد أمراض أخرى".

وكانت شركات "فايزر" و"بيونتيك" و"موديرنا" التي لا تنتج حالياً لقاحات للإنفلونزا قد بدأت بالفعل في تطوير لقاحات تعتمد على مرسال الحمض النووي الريبي لتصنيع لقاحات ضد فيروسات أخرى غير "كوفيد".

وقال ميكائيل دولستين، كبير المسؤولين العلميين في "فايزر"، إنَّ التقنية الجديدة ستؤدي إلى إحداث "تحوُّل في سوق الإنفلونزا". وأضاف في اتصال مع المحلِّلين في يونيو الماضي: "نرى فرصة كبيرة هنا".


تصنيفات